يسود قلق مستمر الوضع السياسي البحريني منذ سبع سنوات رافقت ولادة المشروع الإصلاحي لجلالة ملك البحرين، حيث تزامنت لحظة الإرهاصات تلك مع تغير في المزاج العام وبروز حالة نهوض كبير كحالة أي وضع سياسي ينتقل من وضع الاختناق والاحتقان السياسيين إلى وضع يحقق الانفراج السياسي، ويفتح آفاقا جديدة للتنفس والتنفيس لعله يتطور في اتجاه يتوازى وذلك الحلم المفرط لدى أغلبية شارع يتميز بالعفوية والتطرف في مواقفه وتفسيره، متوهماً أن التاريخ يتحرك بمزاج الساحر السياسي، متناسياً الشارع السياسي بكل نخبه وجمهوره أن عملية التغيير الديمقراطية ليست نزهة عاجلة، إنما هي حالة من التموجات المستمرة التي تتصاعد حينا نحو الأفضل وتتراجع حينا نحو الأسوأ، مما يجعل الحالة المتقلبة غامضة وضبابية كونها تتخبط في متاهات لا يستطيع الفرد تفسيرها، إلا بتلك التفسيرات السياسية العاجلة أو بتلك التخمينات والسيناريوهات المحتملة أو القابلة للإخفاق أو الخطأ.

فقد كانت السنوات السبع ملتهبة ومتوترة في بعض تلك التموجات في التجربة الديمقراطية ومسارها المبطئ وحذرها الدائم، وعملية الحريات وكيفية معالجة المجتمع والدولة لملفات قديمة عالقة وملفات مستجدة تفرزها سرعة الأحداث الإقليمية والعالمية، وهذا ما يجعل أي وضع داخلي مضطرب فاقدا توازنه في بعض الأحيان.

Ad

كان واضحاً خلال تلك السنوات في مشهدنا السياسي صعوبة الانتقال بتلك الآلية المنتظرة لدى نخبة تحاول الإسراع السياسي عبر ولادة قيصرية في إنتاج ديمقراطية نموذجية في واقع لتوه خرج من نفقه، وتحكمه ثقافة القبيلة والطائفة، وفي مجتمع مدني وسياسي يخلط كل أوراقه، فتضيع منه البوصلة مما ينتج في النهاية حلقة داكنة في فضاء أكثر حلكة بدلا من البحث عن أدوات الإضاءة والمصابيح التي تنير تلك المساحة الأوسع.

من دون شك نجح النظام في امتصاص اختناقات الحقبة الماضية بإدخال الشعب والمعارضة في مناخ الحريات، فجاء ميلاد الميثاق وصوّت الناس عليه، ثم انتقلنا بالسرعة نفسها نحو الانتخابات النيابية، فانقسم المجتمع إلى معارض للمشاركة وآخر مؤيد، وبدأ الشرخ الاجتماعي يبرز لنعود إلى حلقة الفترة السابقة بطريقة أقل توتراً دون أن تختفي ملامحها العنيفة في أشكال عديدة، ولكن سرعان ما انقسمت في الدورة الانتخابية الثانية مجموعة المقاطعة، فكانت صيغ المعارضة أقل رمادية، ولكنها ظلت تهتز في فضاء الشارع وتختفي في ظلال مخيف، حيث تموّج مع تلك السنوات المزاج العام نحو الانحسار التدريجي، وبدا أكثر تأملا وهدوءا في أجواء من الحوار السياسي خشية انفجارات طائفية تخل بالوحدة الوطنية وتماسكها الداخلي.

لم تكن من السهل معالجة ملفات عالقة وقديمة في الصراع، سواء في قمة الهرم أو في قاعدته، وحصل على الأقل نوع من التوازن والتوافق بهدف أن يحاول الجميع تفهم أبعاد المشروع الإصلاحي، والتعاون بضرورة الخروج من كل أزمة عبر الحوار، دون نسيان حقيقة الوضع القائم على أنواع عديدة من الهواجس والمطالب التي لم تتحقق بعد، غير أن الرؤية الاقتصادية التي طرحها ولي العهد والتي وضع الاهتمام بالمواطن البحريني وتحسين وضعه الاقتصادي في قلبها كخيار أوحد، فقد شهدت السنوات السبع الماضية اهتمامات سياسية للمشروع أكثر من تركيزها على مكاسب ملموسة يشعر بها المواطن كحل أزمة السكن والأجور والبطالة ومعالجة قضايا كثيرة مهمة كمسألة التمييز.

وإذا ما كانت الرؤية «مصممة» لمدى طويل حتى عام 2030، فإن سباق المئة متر جرياً لا يمكن أن ينقل المجتمع دفعة واحدة إلى الرخاء الاجتماعي أو الطمأنينة الحياتية، إنما التغيير بحاجة إلى سباق ماراثوني مع الزمن، تحدد تطوره عناصر خارجية وداخلية، يمكن أن تحدث فجأة وتعطل كل الأحلام الممكنة، أو على أقل تقدير قد تجعله مؤجلا في أجندة التنمية، ولكن القلق الأكثر بروزا هو الاضطراب الذي يدخل المجتمع في دوامة تقلص مساحة الحريات، فكان تصريحات وزير الداخلية الأخيرة مربكة للمزاج السياسي العام، لأنها صبت في استخدام قوانين ترى فيها القوى السياسية وغيرها أنها تشكل نوعا من مصادرة للحريات السياسية، ولجم حركة المجتمع المدني، وإدخال كل سلوك سياسي خارجي أو داخلي تحت حالة من المراقبة المستمرة، لمجرد سلوكيات سياسية قابلة للحوار قبل الدخول في حلقة التوتر، والهاجس على استقرار البحرين والتنمية المنتظرة.

بعد سلسلة من التصريحات والتوترات الطائفية والأمنية، بدأ الناس يطرحون أسئلة ينبغي حسمها: هل تراجعت مسألة الإصلاح في جوانب معينة؟ وما مدى وما حجم ذلك التراجع؟ وهل ستستمر التجربة الديمقراطية أم ستنتكس؟ فجيراننا في الكويت يلوحون بإغلاق برلمانهم، فلماذا تعكر أجواء البحرين الجيران في مرحلة تنمية واستثمارات مقبلة، فمجلس التعاون في نهاية المطاف لديه رؤية سياسية مشتركة تجاه تلك التجارب الديمقراطية المسموح بسقف ممارستها، وفي حدود ذلك التقسيط الديمقراطي والتدرج الهادئ.

* كاتب بحريني