Ad

بشعر امرأة على وشاح رجل عربي وغضب أنثوي يكسر جبروت الحروب، تعرض الفنانة الفلسطينيّة – البريطانية منى حاطوم «كوفية، شعر إنسان على قماش من قطن» في «دارة الفنون» في مؤسسة خالد شومان في العاصمة الأردنية عمان.

تستعيد حاطوم عملها «كوفيّة» الذي أنجزته في التسعينات لتُعَنون به معرضها الراهن الذي يضم:

• «طبيعة صامتة» (2008) وهو عبارة عن أدوات خزفية ملونة اتخذت أشكال ثمار مستديرة.

• «مدن ثلاثية الأبعاد» وفيه من خرائط لبيروت وبغداد وإحدى المدن الإيرانية.

• «مقاييس البعد» الذي يتضمن شريط وثائقي من 15 دقيقة (1988).

• «مصباح» (2006)، وهو عمل حزين ينشر فيه الضوء والظل جواً غامضاً عنيفاً، وتشكّل الأجزاء الـمفرغة من المصباح النحاسي فيه، أشباحاً مضيئة لجنود ونجوم داخل غرفة مظلمة.

• المتاريس الرملية التي تستعمل في الحروب، والتي تراصّت بشكل أفقي ينبت منها الحشائش الخضراء.

• «الكوفية» الذي يظهر وشاح الرجل العربي التقليدي مطرزاً بالشعر، وخصلاته اللولبية تهرب في حركات لولبية يتكرر حضورها في أماكن أخرى من أعمال حاطوم، كوفية من شعر إيماء الى معان كثيرة، ودشمة ينبت فيها العشب اشارة الى عواصم وحروب ومتاهات تدمر الوعي البشري.

حاطوم التي باتت أشهر من أن تعرّف بشغفها بالأدوات المنزلية وتوظيفها بأعمال فنيّة، تقول عن «كوفيتها»: «كثيرًا ما أتناول في عملي أشياءً مألوفة معتادة وأجعلها غريبة، أبيّن المخيف فيها. عندما انجزت الـ«كوفية» كنت أفكر أولاً بالغضب. تصوّرت نساءً يقتلعن شعرهن من شدّة غضبهن. نقلت من خلال التطريز هذا الغضب إلى قطعة الملابس التي تعتبر بطبيعتها رمزًا قويًا للكفاح الفلسطيني. إذن هذا العمل هو نوع من الاحتجاج المخفي، لكنه في الوقت نفسه موضوعًا مخيفًا أيضًا، إذ لا يثق المشاهد بعينيه، عندما يرى أن هذا الوشاح مطرز بشعر حقيقي. إضافة إلى ذلك تأتي الناحية الإحيائية التي يمكن أن تكون خطيرة أيضًا، فالشعر الذي يتابع نموه بعد موت الجسد لفترة من الزمن يدل على حياة مستمرّة».

تشرح حاطوم التناقضات في عملها التشكيلي: «جرت العادة أن يرتدي الرجال مثل هذه المناديل رمزًا للكفاح. ومن خلال الشعر النسائي يحصل وشاح الرجال على أنوثة فريدة. لكن في البلاد التي تعتنق الدين الإسلامي تغطي نساء كثيرات شعرهن بمنديل، وفي «كوفيتي» كسر الشعر الحواجز وتجاوز الحدود! عندما عملت الـ«كوفية» لم أفكر بالرئيس الراحل عرفات، لكنه على نحو أو آخر حاضر في العمل طبعاً. أحب أن أتفنن بالمقتنيات، وأرغب في أن أجعل نتاجي يستوطن في حقول كثيرة».

سرياليّة

ولدت منى حاطوم في لبنان لوالدين فلسطينيين، ولم تستطع العائلة الحصول على الهوية اللبنانية، لكن الفنانة اكتسبت الجنسية البريطانية بدلا من تلك، فتولّد في نفسها إحساس بعدم الانتماء الكامل إلى المجتمع الذي تقيم فيه.

وفي العشرين من عمرها سافرت حاطوم إلى لندن في زيارة كان القصد منها أن تكون زيارة قصيرة، لكن حينذاك اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية، فلم يعد بوسعها العودة إلى لبنان، فباشرت الدراسة في معهدين فنيين في آن هما: The Bayam Show School of Art و Slade School of Art وتشرّبت، عن طريق دراستها، روح الفكاهة السريالية الانفصالية بقدر ما تشربت الهدوء الانسيابي للنزعة الاختزالية، وقد ظلت حاطوم مقيمة في الغرب منذ ذلك الحين.

أعمال منى حاطوم تثير تداعيات كثيرة بأسلوبها الذي يقف على حافة السوريالية، وجرأتها التي تستثمرها بمهارة. بين يديها تنشر الغربة رداءها لتكشف عن شبكة معقدة من التضمينات، منها: الأنثوية والسياسية والوجودية. يقول ادوارد سعيد: «من الصعب تحمل فن منى حاطوم «مثله مثل عالم اللاجئين المحتشد بالأشكال المريعة التي تنم عن الإفراط والندرة في الوقت نفسه»، لكن من الضروري مشاهدته بوصفه فناً يحاكي بصورة ساخرة فكرة الوطن الواحد النهائي. التفاوت والانخلاع أفضل من المصالحة في إطار إكراه الذات والموضوع، والمنفى الواضح الجلي أفضل من العودة المؤجلة، على محمل العاطفة المريضة، إلى الوطن. ومنطق الانفصال أفضل من الإبقاء على وحدة غبية مطواعة. الذكاء العنيد المشاكس أفضل بكثير في الفنون التشكيليّة من الانسجام والانصياع، مهما كانت الظروف غير مواتية والنتيجة غير مقبولة. من المستحيل نهائيا استعادة الماضي من قوى عدة استولت عليه في الطرف الآخر. بالإمكان إعادة موضعته فحسب على هيئة شيء دون اقتراح نتيجة، أو بوصفه مكاناً نهائياً، بل إن ذلك يجري عن طريق تحويله، عبر الاختيار وجهد الذاكرة، إلى شيء مختلف، فوري، وعادي، وذات وآخر غير قابلين للنقض يحدثان معا وفي الآن نفسه: إنه شيء لا يوفر إذاً لا الراحة أو التأجيل والإمهال».

• يستمر المعرض حتى الثاني والعشرين من الجاري.