فاروق ملك مصر السابق هو من قتل أسمهان، بعد أن رفضت الاستجابة لرغباته، كذلك عرفت الكثير، وكان لا بد من أن تسكت إلى الأبد، بخاصة بعدما تسببت بفضائح عدة للملكة الأم «نازلي»، وعلاقاتها الغرامية مع أحمد حسنين باشا. لا... ليس فاروق من قتلها، بل زوجها السابق الأمير الدرزي حسن الأطرش الذي أحبها بجنون وكانت سبباًّ في تحطيم قلبه، وتفضيل حبها للفن على حبه الذي منحها إياه بلا حدود، وعلى الرغم من وقوع الطلاق بينهما، إلا أنه لم ينس جراحه، فدبر حادث غرقها.ليس الأمير الدرزي بل هو شقيقها فؤاد الأطرش، بعد أن ضاق ذرعا بتصرفاتها، وضيّق عليها الخناق كثيرا، خصوصًا في ما يخص تعاونها مع المخابرات البريطانية، فدبر لها الحادث قبل أن تجلب العار على آل الأطرش.لم يقتلها فؤاد... بل قتلها زوجها الفنان أحمد سالم، لغيرته الشديدة، فقد اتهمها بخيانته مع أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي، وسبق أن أطلق عليها رصاصات طائشة لم تصبها.مع ذلك، لم يقتلها أحمد سالم، بل قتلتها سيدة الغناء العربي أم كلثوم، بعد أن هددت أسمهان عرشها الغنائي، وجذبت القلوب حولها، وأخذت الكثيرين من عشاق صوتها، فكان لا بد من أن تختفي من طريقها الذي شقته ورسمته في قلوب ملايين العرب.ليست أم كلثوم بل المخابرات البريطانية، وهذا هو أسلوبها في التخلص ممن أرادت تصفيتهم... عملت أسمهان عميلة للمخابرات البريطانية في مصر، والفرنسية في بيروت، إبان الحرب العالمية الثانية، وقدمت خدمات كثيرة، وكان يمكن أن يكون لها شأن آخر بخاصة كما يقال إنها وصلت إلى رتبة ضابط في المخابرات، لكن لأنها تكلمت أكثر مما يجب أن تتكلم فيه، كان لا بد من التخلص منها! أقاويل وألغاز وكتابات عدة كتبت عن آمال فهد الأطرش، ومن تلك الألغاز نُسجت أسطورة «أسمهان أميرة الدروز».بعيدًا عن الأعمال الدرامية التي يمكن من خلالها أن يتعامل المؤلف مع السيرة الحياتية لشخصية ما، بحذف مراحل أو شخصيات، أو إضافة بعضها، أو إظهار وجه أو جانب للشخصية وإغفال آخر، لسنا مضطرين لذلك، وبالتالي فإننا من خلال الحلقات، لن نحاول البحث عمن كان وراء غياب أسمهان، بقدر ما سنرصد تاريخ هذه الأسطورة، منذ ولادتها والى رحيلها، متحرّين الدقة ما استطعنا، معتمدين على مراجع وكتابات ووثائق عدة، وعبر سلسلة عريضة من العلاقات الكثيرة المتشابكة، اجتماعياً وسياسياً وفنياً، في رحلة قصيرة، لفنانة عاشت طويلا، كانت ولا تزال لغزاً كبيراً، تاركين لكم محاولة اكتشاف الحقيقة معنا، حقيقة ظهور آمال الأطرش وغيابها، أو أسمهان أميرة الأحزان.سليلة الدروزتنتمي آمال فهد الأطرش إلى أحد أعرق الأسر السورية، آل الأطرش، وهي إحدى الأسر التي أدت دورا كبيرا في الحياة السياسية في سورية، أشهرهم قائد الثورة السورية الكبرى الأمير سلطان باشا الأطرش، أحد أهم قادة الدروز، أو كما يطلق عليهم «الموحدون» وهو اللقب الأحب والأقرب إليهم، فعلى الرغم من أن الدروز خرجوا من قلب الدوحة الإسلامية العربية، إلا أن بعضهم راح يفسر بعض آيات القرآن الكريم تفسيرا باطنيا مثل غيرهم من بعض الفرق الإسلامية العربية التي شكلت تياراً رافضاً أرستقراطية خلفاء بني أمية وبني العباس، وابتعادهما عن روح البعثة المحمدية وفلسفتها التي مثلها نهج الصحابي أبي ذر الغفاري. تبلور مذهب الدروز أو الموحدون في عهد الخلافة الفاطمية، وتحديدا في ظل الخليفة الحاكم بأمر الله، من خلال أحد دعاة هذا المذهب، وهو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الدرزي أو كما لقب باسم «تشتكين الدرزي»، والتصقت كلمة الدروز بأتباعه من دون رغبتهم، فقد ورثوها عنه على رغم كرههم الشديد له، بسبب خروجه عن تعاليم مذهب الموحدين، لادعائه بأن الإله تجسد في شخص الحاكم بأمر الله، فقُتل على يد أتباعه وتبرأوا منه ومن معتقداته، لكنهم لم يتخلصوا من لقب «الدروز» الذي علق بهم وباتوا يُعرفون به، وغلب ذلك على كنيتهم الحقيقية وهي «الموحدون».زعامة آل الأطرشما بين 1853ـ1857 آلت زعامة العرب الدروز في جبل حوران الى آل الأطرش، بعد سقوط آل حمدان بسبب سوء معاملتهم للفلاحين، وإن كان الوضع لم يتغير كثيراً بعد زعامة آل الأطرش، بل ازداد وضع الفلاحين سوءاً بعد وصول عدد كبير من المهاجرين العرب الدروز إلى الجبل خلال تلك الفترة، أكثر من ستمائة أسرة درزية من شمال سورية، اذ بلغ عدد سكان جبل العرب وقت الانتفاضة نحو ثلاثين ألف نسمة، منهم 5000 من المسيحيين وأنصاف البدو، وقد عرف أهل الجبل أعرافاً عربية قديمة إلى جانب أعراف أصيلة فيهم، كأن يرفضون أن تدفع دية القتيل من الأرض أو المسكن ولا يقرون بتعدد الزوجات، ويرفضون دفع الضرائب إذا كانت جائرة، ويقرون بأن العدل يقتضي توزيع الأرض بالمساواة، كذلك كان الفلاحون والعامة ينافسون مشايخهم (والمقصود بالمشايخ كبار السن وليس رجال الدين) في الضيافة والبسالة والمعارك، وليس في الامتيازات المادية لهم، بل على العكس فكان جلهم من أهل الزهد وفقراء الحال.بسبب سوء المعاملة وفرض الضرائب الجائرة في الجبل، أخذ الفلاحون في تنظيم أنفسهم وتحركاتهم، اذ كانت تصرفاتهم العفوية تمهد إلى ذلك بشكل أو بآخر، فامتنع قسم كبير منهم عن دفع الضرائب تعبيرا عن عدم اعترافهم بسلطة المشايخ المستبدين، وبدأت التصرفات العفوية هذه تأخذ شكلا منظماً عند الفلاحين فتأسس عدد من الجمعيات السرية في قرى الجبل (مثل: نجران، عرمان، لاهثة، متان، لسويداء)، وطرحت برامج ثورية كان الخط العام لها عزل المشايخ وإلغاء امتيازاتهم، وبدأت الجمعيات ترسل وفوداً إلى القرى للاتصال بالفلاحين وإنشاء جمعيات لهم في كل قرية، وكان العمل يتم بشكل سريع بتجاوب من الفلاحين، إلى أن حققوا تغطية شبه كاملة لقرى الجبل وصار الرفض الفلاحي يتم من خلال تنظيم الفلاحين في تلك الجمعيات السرية، لذا أخذ رفضهم يأخذ طابعاً ثورياً أكثر منه إصلاحيا، فصار الفلاحون يناقشون وجودهم ككل ويخططون لعمل شامل على امتداد الجبل وليس على مستوى القرية التي يوجدون فيها ويجمعون في شعاراتهم بين التغير الاقتصادي وضرب الظلم والاستبداد، وتصاعدت حركة الفلاحين مما شجع فلاحي ملح وعرمان لدعوة فلاحي الجبل لاجتماع عام في مجدل عرمان وسمي منذ ذلك «اجتماع مجدل الشور» أي «الشورى وأخذ الرأي». وفد إلى الاجتماع حوالي مائة ممثل عن الجمعيات السرية للفلاحين من عموم الجبل، وقد انبثق من المجتمعين «وثيقة» استعرضوا فيها وضع الجبل وأسباب الاجتماع والإجراءات الكفيلة بتغيير الوضع.من هنا، بدأ الصدام بين الفلاحين والمشايخ عقب الاجتماع مباشرة يأخذ شكلاً حاداً أو قوياً، فجرى اصطدام بين الفلاحين والمشايخ في قرى ملح، وعرمان، ولاهثة، وغيرها ذهب فيها عدد من الفتيان، وتوتر الموقف في السويداء وبلغ أشده في ترحيل الشيخ إبراهيم الأطرش لعدد من الفلاحين، فدارت المعركة الحاسمة بين المشايخ وعامة الفلاحين في صيف عام 1888م، وانتهت بانتصار العامة بعد عراك ضار خسر فيه الطرفان 42 قتيلاً من الجهتين، وكانت النتيجة إجلاء آل الأطرش من الجبل ولجوء قسم منهم إلى قلعة المزرعة العثمانية، والقسم الآخر إلى دمشق مع إبراهيم الأطرش، في حين لجأ شبلا الأطرش إلى خبب في سهل حوران، وعقب المعركة طبق العامة والفلاحون مقررات اجتماع مجدل الشور بأكملها وشُكلت لجان من الفلاحين مهمتها حسم الخلافات بين الأهالي حول توزيع الأراضي وتدبير بقية شؤونهم، وتصدت قوات الفلاحين لمناوشات جيرانهم من البدو وسهل حوران والتي حرضها العثمانيون، وفرضوا على القرى التي تحرشت بهم جزية مالية.سيطرة الأتراكفقد العثمانيون صوابهم بسبب تلك التغيرات الصاعقة في أوضاع الجبل، وارتجفوا من انتقال عدواها إلى المناطق المجاورة ولم يقف إبراهيم الأطرش مكتوف اليدين بل تحرك بواسطة أرستقراطي دمشق، الحاكم التركي آنذاك، وتحرك مشايخ حوران يستنجدون بالعثمانيين ليستنفروا جيوشه الموجودة على امتداد السهل السوري، فاحتشدت الجيوش العثمانية الغازية في ريمة حازم وفي ولغا مع إبراهيم الأطرش بقيادة القائد التركي أحمد قرة ببور باشا فيما حصن الثوار مواقعهم في السويداء وعتيل، وكلف القائد التركي أحد ضباطه ممدوح باشا قائد حامية المزرعة بإجراء التفاوض مع قادة الثورة على أن يقبل الفلاحون بدخول القادة العثمانيين مع المشايخ إلى الجبل، في مقابل أن تلتزم القوة العسكرية العثمانية بتنفيذ القرارات التي يُتفق عليها بين المشايخ والممثلين عن الثوار،فرفض الثوار الموافقة على اقتراح ممدوح باشا خوفا من أن ينكل بهم العثمانيون بعد دخولهم إلى السويداء.بعدها شن العثمانيون هجومهم على الفلاحين في خريف عام 1889م، قاوم الفلاحون الثوار بكل ما لديهم من قوة وبشكل مميت في حرب كانت نسبة المقاتلين فيها 20 من العثمانيين مقابل واحد من الفلاحين، مع تجهيز الجنود العثمانيين بالأسلحة المتقدمة، في حين كان الفلاحون موزعين بين حملة البنادق القديمة والسلاح الأبيض.دخل الغزاة العثمانيون وبرفقتهم المشايخ إلى السويداء في مجزرة الدم تلك، وجرت اعتقالات واسعة في صفوف الثوار وقادتهم. نالوا أشد صنوف العذاب في اعتقالهم في القلاع العثمانية، وطلب العثمانيون من المشايخ إرشادهم الى بيوت الثوار كي يحرقوها ويقتلوا أهلها فما كان من قسم منهم إلا أن وضع الشارات على البيوت كلها بما فيها بيوت المشايخ وذلك لإيقاف السيل الحاقد الأعمى. أدركوا انه لم يعد ممكناً إغراق قرى الجبل بمزيد من الدماء على مذبح استبدادهم، وشعر قسم منهم بالذنب فعلا وبأنهم بجريرة أطماعهم تحالفوا مع العثمانيين على إخوانهم وأبناء عشيرتهم وفطنوا أنهم أساءوا لمعتقدهم الديني الذي يأمرهم بحفظ الإخوان ومساواتهم بأنفسهم واقتسام مصادر العيش قسمة عادلة. بعد اليقظة الضميرية، أصبح سلاح عقيدة الموحدين الدينية يعمل لصالح الفلاحين أصحاب القضية العادلة والمطلب الحق، ويولد لدى المشايخ استعداداً نفسياً للمصالحة والتسليم بحقوق الفلاحين، فتداعى الأهالي من أنحاء الجبل في مطلع عام 1890م إلى الاجتماع (اجتماع السويداء الكبير) الذي ما كانت نتائجه تكون لصالح الفلاحين لولا وحدتهم واستمرارهم أوفياء لمطالبهم ومخلصين لقضيتهم وبذل كل ما يستطيعون لإنجاح مسعاهم العظيم الذي تعهدوه ببذل الدم والروح فداءً له. حرص الشعب، الذي تكاتف وحارب أيام الانتفاضة، على ألا يستغل بعد اليوم من أية جهة كانت، لذا وعقب الإتفاق مباشرة طرح الفلاحون شعار «الأتراك يدوسون الجميع» ليقاومهم الجبل بأكمله، فلم يمض عام على تعيين إبراهيم الأطرش من الأتراك قائم مقام الجبل ومنحه لقب باشا من السلطان عبد الحميد، حتى كان الأمير شبلي الأطرش شيخ بلدة عرى والشاعر الشعبي المبدع المشهور انتقل إلى صفوف الشعب في مقاومة العدو المشترك «العثمانيين»، فحسّن علاقته مع الجيران في سهل حوران وباشر بمعارك عدة على السلطة العثمانية تمكن على إثرها العثمانيون من اعتقال شبلي الأطرش في سنة 1892م، وقام الفلاحون بتخليصه من المعتقل عقب محاصرتهم لقلعة المزرعة ثلاثة أيام.عام 1894 قامت السلطة العثمانية عقب معارك كبيرة في قرى قراصة، وبحران والسجن وأم العلق بنفي مائتين من قادة الشعب إلى جزيرة رودس وكريت والى تونس والأناضول، فجرت سلسلة من المعارك بين 1894 – 1899 أرغم على أثرها الغزاة الأتراك على الرضوخ لمطالب الشعب بعد أن وصلت خسائرهم في 1899 إلى عدد كبير من جنودهم وضباطهم، فأعادوا المنفيين إلى الجبل لتهدئة الأوضاع، ورفعوا الضريبة والتجنيد الإجباري عنهم واعترفوا بالأعراف المتبعة في الجبل في مطلع القرن العشرين، ليكلل نضال الفلاحين بدءا من 1880 بشرخ الوجود العثماني الفعلي العسكري والضرائبي في جبل الدروز «جبل العرب»، وتبلور ذلك كحقيقة وأمر واقع سنة 1900، فيما بدأ سلطان باشا الأطرش رحلته ضد الإحتلال التركي تحت الإنتداب الفرنسي في الجبل والسويداء. السماء تحتفل بميلاد فريدبينما كان سلطان باشا الأطرش مشغولاً بأحوال الفلاحين والأوضاع المضطربة في الجبل، كان فهد الأطرش مشغولا بطريق آخر، فكان أول شاب يتلقى تعليماً جامعياً من جبل الدروز، حيث حصل على شهادة جامعية من جامعة اسطنبول في تركيا، وبقدر حبه للتعليم وللجهاد ضد الغزاة، كان حبه للنساء، وعلى الرغم من إنجابه ثلاثة ذكور من زوجته الأولى، تزوج من الثانية عالية بنت المنذر، والتي تنسب لأحد البيوت العريقة في السويداء، وما إن تزوجها حتى راحت تنافس زوجته الأولى في الإنجاب، وقبل أن ينتقل فهد الأطرش حاكماً على ديمرجي في تركيا، كانت عالية حاملاً في وليدها الرابع. في ليلة شتوية قارصة البرودة، طرقعت حوافر الجياد على طول الطريق الصاعد إلى قرية القُرية، وصنع صوتها مع قصف الريح لحناً صاخباً، بينما يغطي الجليد كل شبر في جبل الدروز، فيما كان اثنان من الفرسان يتجاذبان أطراف الحديث فوق ظهر جواديهما: - يا لها من ولود ودود زوجة فهد الأطرش.- تعني عالية بنت المنذر. - نعم. إن لها في كل حول بطناً جديدة. - (ضاحكا) لو فعلت كل درزية مثلما تفعل عالية لاستطعنا أن نجند جيشا نخلع به السلطان عبد الحميد نفسه من الآستانة!- لم لا تقول إن حقول القمح لن تكفي دروز الجبل فنتضور جوعاً!صهل الجوادان وكأنما يشاركانهما الضحك.- يحب فهد الذرية، له من زوجته الأولى ثلاثة، وها هي زوجته الثانية تنافسها، بل وتتفوق عليها وتنجب الرابع.- إنني أمد بصري إلى الغيب فأتصور فهداً أباً لثلاثين. ولعه بالنساء شديد، فهو صريع العذارى، وشهيد كل هيفاء نجلاء، وله على اجتذابهن مقدرة تفوق حد الوصف. أو تعلم أنه تزوج عالية ذات صدفة؟ - حقا! كيف؟ - بعث به أحد أصدقائه إلى أهلها كي يخطبها له، فلما نظر الى بشرتها وقوامها قال لأبيها: إنما جئت لكم لكي أطلب يد ابنتكم لنفسي. - خطبها لنفسه؟ - نعم، فهو يؤثرك على نفسه بكل شيء إلا المرأة الجميلة! تعالت ضحكات الفارسان مجددا، ومضت فترة صمت تأملا فيها ما حولهما من أغصان الأشجار مثقلة بالجليد، فذكرهما الجليد بالوليد فهتف أحدهما: قدم ابن فهد الجديد سعد! قال الرسول الذي أبلغنا نبأه إنه نزل من بطن أمه في كيس شف! يشي الكيس بالسعادة له، سيكون محروساً من العين كما تقول أساطيرنا! بل إن السعادة ستكون لنا أيضا، ألا ترى أن السماء فرشت له الأرض فضة بيضاء احتفالاً بمقدمه، وسنختـزن ذوب الجليد رصيدا للصيف.اقتربت قرية قبل «القُريا»، وكان على حدودها الملاصقة للطريق شلة من الفرسان ألقت تحية الليل للفرسان القادمين من سائر قرى الجبل لتهنئة فهد، ثم انضمت إلى الركب، واتسعت دوائر الحديث فشغلت كل مجموعة بفرع منه، وقصرت الثرثرة طول الطريق، ولاحت بيوت «القُريا»، فهتف أحد الفرسان: دار فهد مضيئة! النور والنار فيها يشقان ظلمة الليل ... ألا ترون؟الدار غير بعيدة عن بيت سلطان الأطرش، كم يفرح القائد بكل وليد، إنه سيهدهده في الفراش ثم يقول لأبيه: متى يحمل البندقية؟ سارت الجياد اثنين اثنين في دروب القرية الضيقة، وتوقفت عند دار فهد الأطرش الذي تفوح منه رائحة الشواء وأصوات الغناء.. وقام فهد الأطرش يستقبل ضيوفه. - ماذا سميت المولود؟ - أسميته فريد... لدي الآن فؤاد وأنور ووداد ، والآن فريد. - وهل ستستريح بعد العناء! ضحك فهد ضحكة مجلجلة وداعب شاربه الكثيف وهو يقول: البقية تأتي! وإلى الحلقة المقبلة
توابل - سيرة
صوت الحب والأنس والطرب (1) زعامة العرب الدروز في حوران تؤول الى آل الأطرش
01-09-2008