سيُضطر أوباما عاجلاً أو آجلاً إلى مواجهة حقيقة قاسية، فعلى غرار الحرب الباردة، لن ينتهي الجهاد العالمي إلا عندما يفقد أعداؤنا استعدادهم للقتال أو حين نستسلم نحن، ولنأمل أن يكون الرئيس أوباما أسرع في التعلم من سلفه جيمي كارتر أثناء الحرب الباردة حين خدعه السوفييت وقاموا، رغم إيحاءات الرغبة في السلام والأمن على لسان زعيمهم بريجينيف، بغزو أفغانستان عام 1979.

Ad

قرر جيمي كارتر في مطلع عهده الرئاسي تغيير سياسة الولايات المتحدة تجاه الاتحاد السوفييتي، فبعد ستة أيام من تسلمه منصبه، بعث برسالة إلى الحاكم السوفييتي ليونيد بريجينيف، مثنياً فيها على «جهود البلدين المشتركة الساعية إلى تشكيل عالم أكثر سلاماً وعدلاً وإنسانية». وحيا «رغبة [بريجينيف المفترضة] في تعزيز السلام وحفظه». وفي خطاب ألقاه أمام خريجي جامعة نوتردام، أعلن أن الأميركيين تخلوا عن «خوفهم غير المبرر من الشيوعية». وفي الأشهر التي تلت، خفَّض كارتر ميزانية الدفاع، وفكَّك الطائرة الحربية B1، ورحَّب بانقلاب حركة ساندينيستا في نيكاراغوا، وأنشأ علاقات دبلوماسية مع الحاكم الكوبي المستبد، فيديل كاسترو.

لم يستيقظ كارتر من سذاجته هذه إلا عندما غزا السوفييت أفغانستان في عام 1979. فقد أقر أن اعتداء موسكو العنيف «بدّل نظرتي إلى حقيقة أهداف السوفييت أكثر من أي أمر آخر قاموا به سابقاً خلال عهدي».

ترتب على إخفاق كارتر في فهم التهديد الذي شكلته الإمبراطورية السوفييتية عواقب كلفت الولايات المتحدة والعالم الكثير، فهل يتكرر النمط عينه مع باراك أوباما وتهديد الإسلام المتشدد؟

منذ تسلمه السلطة قبل أسبوعين، بذل أوباما قصارى جهده ليعلن تغييراً في العلاقات الأميركية الإسلامية، ففي خطاب التنصيب، دعا «العالم الإسلامي» إلى تبني «طريقة جديدة للمضي قدماً ترتكز على الاحترام والمصالح المتبادلة». وبعد ستة أيام أعطى قناة «العربية»، محطة فضائية ناطقة باللغة العربية، أول مقابلة متلفزة له كرئيس. وواصل هذا الأسبوع اعتماده على سحره لجذب المسلمين من خلال رسالة ودية بعث بها إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، وقد وعد بإلقاء خطاب مهم في إحدى العواصم الإسلامية بحلول فصل الربيع.

لا يمكن لوم الرئيس لاستخدامه مكانته المميزة ليتواصل مع مسلمي العالم، نظراً إلى جذوره وروابطه العائلية الإسلامية، ولكن يتخلل كلماته هذه محور محير يعتبر أن التوتر الأميركي-الإسلامي ظاهرة جديدة تعود في جزء كبير منها إلى مبدأ «القطرية» الذي تتبعه الولايات المتحدة، فضلاً عن ظلمها وقلة احترامها. وما تتجاهله هذه الكلمات هو أن الولايات المتحدة لطالما كانت هدفا للمجاهدين المتعصبين الذين يحظون بدعم واسع في العالم المسلم.

قال أوباما: «علي أن أُفهم العالم المسلم أن الأميركيين ليسوا أعداءهم»، مع أننا «نرتكب أحياناً الأخطاء» و«لسنا كاملين»، ومع أن «الولايات المتحدة غالباً ما تبدأ بإعطاء الأوامر» وتخفق في استعمال «لغة الاحترام».

لا علة تبرر كلمات الاعتذار والانصياع هذه، فطوال عقود، كما أشار المعلق تشارلز كراوثامر الأسبوع الماضي (في صحيفة واشنطن بوست)، «لم تحترم الولايات المتحدة المسلمين فحسب، بل ضحت بدماء مواطنيها من أجلهم». فبهدف تحرير المسلمين في البوسنة وكوسوفو والكويت وأفغانستان والعراق خاطر مئات آلاف الأميركيين بحياتهم، حتى أنهم في بعض الأحيان ضحوا بها. وماذا عن الاحترام؟ حتى الفظائع الإسلامية في الحادي عشر من سبتمبر لم تدفع القادة الأميركيين إلى التعامل مع الإسلام باحتقار، فقد خاطب جورج بوش الابن بصدق مسلمي العالم في 20 سبتمبر 2001، قائلاً: «نحترم إيمانكم. فتعاليمه جيدة ومسالمة. ومَن يرتكبون الشر باسم الله يدنسون اسم الله».

لكن ما يقلق حقاً هو جهل أوباما الظاهري لتاريخ الولايات المتحدة والمسلمين.

ذكر أوباما في مقابلته مع «العربية»: «لا أرى أي سبب يمنعنا من إعادة الاحترام والشراكة اللذين جمعا الولايات المتحدة بالعالم المسلم قبل عشرين أو ثلاثين سنة فقط».

لنتأمل في هذه المسألة. قبل عشرين سنة، كان الرهائن الأميركيون يتعرضون للتعذيب على يد خاطفين من «حزب الله» في بيروت، فيما راحت مئات العائلات المحزونة تبكي أحباءها الذين قتلهم الإرهابيون الليبيون وهم عائدون إلى الوطن على متن رحلة «بان إم 103» للاحتفال بعيد الميلاد. وقبل ثلاثين سنة، استلم آية الله الخميني السلطة في إيران، أعلن الولايات المتحدة «الشيطان الأكبر»، وحث أتباعه المخلصين على اقتحام السفارة الأميركية واحتجاز مجموعة كبيرة من الأميركيين رهائن. في تلك السنة عينها، قامت مجموعة من المشاغبين الإسلاميين بتدمير السفارتين الأميركيتين في باكستان وليبيا، ممهدة بذلك الطريق أمام أعمال شغب أخرى مناهضة للولايات المتحدة في بلدان عدة.

لا تُعتبر كراهية الإسلام المتشدد للولايات المتحدة ظاهرة جديدة، ولا دخل له بـ«الاحترام». كذلك لا يمكن إخماده بالكلام الجميل، حتى لو كان الخطيب فصيحاً فصاحة رئيسنا الجديد. سيُضطر أوباما عاجلاً أو آجلاً إلى مواجهة حقيقة قاسية، فعلى غرار الحرب الباردة، لن ينتهي الجهاد العالمي إلا عندما يفقد أعداؤنا استعدادهم للقتال أو حين نستسلم نحن، ولنأمل أن يكون الرئيس أوباما أسرع في التعلم من سلفه جيمي كارتر.

*عن صحيفة «بوسطن غلوب»