شاركت بسرور في منتدى المشرق الذي عقد بالدوحة الشهر الماضي برعاية شبكة «الجزيرة»، وهو مشروع لحوار العرب والأتراك والإيرانيين. ويتكون مثلث الشرق الأوسط تاريخياً من هذه المكونات القومية الثلاثة، فكأن الحوار بينها هو حوار بين أضلاع مثلث واحد. كان اللقاء مهماً من نواح ٍعدة، فمن ناحية كان على المشاركين النظر إلى الجوانب الإيجابية في التاريخ وليس فقط استحضار الجوانب السلبية التي لا يمكن أن نلغيها بقرار، بل تخفيف وطأتها بمزيد من الحوار الذي يلحظ المصالح الوطنية للأطراف الثلاثة. ونظراً للتعميمات السياسية السائدة في المنطقة، لم يكن غريباً إطلاق صفة «الإسلامية» على هذه الشريحة الجغرافية التي تقع فيها بلداننا، أو إطلاق ذات الصفة على نخبنا، وهو ما يحصر إيجابيات هذا الحوار المهم في تيار سياسي بعينه، وبشكل يناقض المنطق وما استقر من بديهيات العلوم السياسية، فلا توجد «نخب إسلامية» مثلما لا توجد «نخب مسيحية» أو «نخب يهودية»، ولا توجد أيضاً جغرافيا لها ذات الصفات الدينية، بل توجب على الجميع في هذا المؤتمر أن يتعاملوا مع نخب عربية وإيرانية وتركية بتعريفها القومي أساساً، ولكن من دون أن يهيمن على الحوار التيار القومي فقط، وإنما تمثيل التيارات كلها على أساس اختلافها في الانحياز الإيديولوجي، وهو أمر طبيعي على أي حال. لا يمكنك أن تكون محايداً في الحوار العربي-التركي-الإيراني، فالروابط التاريخية والوجدانية تظل حاضرة في خلفية المشهد، ولكن في الناحية المقابلة تلحظ أن ملامح التاريخ والسياسة الدولية تغيرت بشكل جذري في عالمنا المعاصر، بحيث تصدرت المصالح الوطنية صدارة المشهد، وأصبحت العوامل الوجدانية مجرد عامل من عوامل السياسة يوظف لخدمة المصالح الوطنية، والأمثلة على ذلك كثيرة عند العرب والأتراك والإيرانيين. وتكمن أهمية المنتدى في نقاط عدة، منها أنه يسهل مهمة تاريخية يتوجب علينا -نحن العرب- إنجازها، وتتمثل في الخروج من عقلية «الضحية» المسيطرة على شريحة كبيرة من نخبنا، وهو ما يشل تفكيرنا ويكبل حركتنا إلى الأمام باتجاه المشاركة في صنع التاريخ؛ الذي لا يتشكل من «مؤامرات» مثلما لا يتشكل من توالي المصادفات. ربما ينبغي علينا تذكر التجربة التاريخية لكل من تركيا وإيران، حيث نشأت الجمهورية التركية على أقل من نصف مساحة السلطنة العثمانية التي فقدت أطرافها الأوروبية غرباً والآسيوية والإفريقية شرقاً وجنوباً، وعلى المنوال نفسه تبلغ مساحة إيران الحالية بالكاد نصف مساحة إيران القرن التاسع عشر، بعد أن خسرت أفغانستان جنوباً وأجزاء شاسعة من القوقاز شمالاً. وعلى الرغم من ذلك، لم تمنع تلك الخسائر الفادحة تركيا وإيران من العودة بقوة، بعد أقل من قرن ونصف القرن، للانطلاق في معارج التقدم وصنع تاريخ المنطقة. توجد الأمم الثلاث العربية والإيرانية والتركية على رقعة جغرافية لها أبعاد جيو-سياسية أكثر من أي رقعة غيرها على سطح الكرة الأرضية، تمتد المنطقة العربية-التركية- الإيرانية في خاصرة العالم مثل الشريحة الأفقية التي تبدأ من المغرب في الغرب حتى مشهد في إيران شرقاً، ومن تركيا في الشمال حتى اليمن في الجنوب. وهذه الشريحة الأفقية ليست كمثل غيرها، ليس فقط بسبب احتياطات الطاقة الموجودة في أراضيها، بل لأن هذه المنطقة بسبب موقعها الجغرافي المتحكم في الطرق البحرية الدولية، حددت ومازالت تحدد مسارات الصعود والهبوط للقوى العظمى منذ القرن التاسع عشر على الأقل حتى الآن، ويعود السبب في أهمية الطرق البحرية الدولية إلى أن الشطر الأعظم من التبادل السلعي بين دول العالم المختلفة يتم عبر السفن لرخص تكاليف النقل، مقارنة بالطائرات، وهو ما يعزز أهمية البحار والسيطرة عليها في حسم الصراعات الكونية. تطل الدول العربية على المضايق المتحكمة في السلسلة البحرية الأهم في العالم المتجهة من الشرق الأوسط شرقاً حتى أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية غرباً، أي في مضايق هرمز وباب المندب وقناة السويس وجبل طارق. تشكل هذه المضايق عنق الزجاجة للسلسلة البحرية الأهم في نصف الكرة الغربي، تأسيساً على ذلك لا يمكن حصر أهمية الدول العربية في النفط فقط، بل إن جغرافيتها السياسية لا تقل عن -إن لم تتفوق على- الأهمية الجيو- سياسية لكل من إيران وتركيا في الصراعات الكونية. الخلاصة الأهم من ناحية الجغرافيا السياسية، تتلخص في أن الشريحة العربية-الإيرانية- التركية، كانت ومازالت، الشرط الأساس للسيطرة على جغرافيا العالم، وبالتالي على تاريخه مثلما هي كذلك فيما يخص حاضره ومستقبله، وهو الأمر الذي يخلق مشتركا جيو-سياسيا بين الأطراف الثلاثة يمكن إضافته إلى مشتركات الثقافة والجغرافيا والتاريخ بينها. يجب أن يتجاوز الحوار العربي-التركي-الإيراني حدود الطقس الاحتفالي في إحدى العواصم العربية، ليصبح إحدى ضرورات الساعة في المنطقة بأطرافها التاريخية الثلاثة كلها!* باحث وكاتب مصري
مقالات
حوار أضلاع المثلث
10-07-2008