معاناة الإنسان اللبناني من جراء الحرب الإسرائيلية على بلده في يوليو 2006 قضية إنسانية لم توثق إلا بفيلم مرتجل وبديكور حي، صوره المخرج فيليب عرقتنجي إبان الأحداث، معلناً صرخة ضد الحرب وآثارها المدمرة. افتتح القائم بالأعمال في السفارة اللبنانية غسان عبدالخالق حفلاً خاصاً في قاعة المؤتمرات بفندق موفنبيك بالمنطقة التجارية الحرة، لعرض فيلم «تحت القصف»، الذي خصص ريعه لمصلحة جمعية الصليب الأحمر اللبناني.بدأ عرض الفيلم على وقع المؤثرات البصرية والسمعية الحية للقصف الوحشي الإسرائيلي على مناطق متفرقة من لبنان، وبالقنابل العنقودية المحرمة دولياً، إنها بداية طبيعية لأرض الواقع من قلب الحدث لتلك الكارثة المسماة بحرب يوليو «تموز» 2006.انتقلت بنا الصورة إلى المرفأ، حيث اجلاء عدد كبير من الرعايا الأجانب من بيروت، وفي المقابل عادت المرأة اللبنانية زينب، وهي من الطائفة الشيعية، إلى بيروت ومسقط رأسها خربة سلم الجنوبية بواسطة الباخرة، حيث انعدمت كل السبل للمجيء إلى لبنان، فقد جاءت لاهثة إلى بلدها من دبي ثم تركيا ومن هناك إلى بيروت عبر البحر، باحثة عن طفلها الوحيد كريم وشقيقتها، تريد الوصول إلى الجنوب وبأسرع وقت رفض كل سائقي التاكسي توصيلها إلى حيث تريد إلا واحد يدعى طوني، وهو من الطائفة المسيحية، مشترطاً عليها 300 دولار نظير ايصالها إلى صيدا وصور، فتوافق بدورها رغم المبلغ الكبير.فتشاهد زينب بأم عينها الدمار الذي غطى مناطق عدة أثناء رحلتها إلى الجنوب والجسور المدمرة بالكامل والطرق المقطوعة بسبب القصف، تطأ قدماها أول مدرسة في صيدا بحثاً عن كريم وشقيقتها لكنها لا تجد ضالتها، وفي الاتجاه الآخر طوني في الميناء، ووصول شحنة من الإعاشة والمعونات الطبية، يطلب دواء لكنه يصدم بالرفض لأن هناك الكثير من المحتاجين الى ما يطلبه، ويلتقي الاثنان للبحث مجدداً من منطقة لأخرى فيرتفع سعر التوصيلة إلى 500 دولار، وتصل إلى خربة سلم لتجد منزل شقيقتها على الأرض لم يتبق منه إلى الباب المخلوع، فتعرف من أهالي القرية «الضيعة» أن شقيقتها لقيت حتفها، ولكن «كريم» نجا وأخذه أحد رجال الصحافة الفرنسية.تنهار زينب وهي مسرعة نحو التوابيت التي تم دفنها، لمعرفة أين جثة شقيقتها، فتندب مصير أختها وفي الوقت نفسه تستدعي الذكريات الجميلة، وفي تلك الأثناء يجيش طوني بالبكاء لأنه أيضاً يعاني مأساة أخرى، فهو لم ير ولديه منذ 10 سنوات وهما موجودان في اسرائيل مع شقيقه الذي ينتمي الى جيش انطوان لحد المتعاون مع اسرائيل، مما يسبب له المشاكل، والدولة اللبنانية لا تمنحه جواز السفر بسبب أخيه العميل مع العدو.ينطلقان إلى قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل) بحثاً عن صحافيين فرنسيين، وهناك تلتقي بمراسلة صحافية تخبرها بعدم علمها بأي شيء عن ابنها، إلى أن تصل الى مراسل لبناني، الذي يعينها بإعطائها رقم السفارة الفرنسية، وبعد اتصالات قام بها زوج زينب علمت أن «كريم» بخير وموجود في دير، لكن المعضلة تكمن في أن الطريق مقطوعة تماماً حتى يصلا إلى الدير، فيغامر طوني في طريق لم يسلم منها أحد، لكن السيارة تتعرقل فيتركها ويذهبان مشياً على الأقدام وعند وصولها تجد طفلاً آخر مرتدياً «بلوفر» ابنها فيصارحها بأن «كريم» استشهد وقبل استشهاده اعطاه «بلوفره».«تحت القصف» فيلم يجمع بين النوعين الوثائقي والروائي، ويقدم ملحمة إنسانية ضد الحرب، ويصور معاناة وآلام اللبنانيين، من خلال مشاهد حية واقعية للبنانيين ومراسلين صحافيين ومواقع ومناطق دمرتها الحرب الوحشية الإسرائيلية.نجما الفيلم جورج خباز «طوني» وندى ابو فرحات «زينب» لعبا دوريهما باقتدار، في أداء حرفي لافت. المخرج فيليب عرقتنجي نجح في نقل الآلام بامتياز، مدغدغاً العواطف ومقدماً رسالة إنسانية حقيقية.حضور الافتتاححضر افتتاح الفيلم القنصل اللبناني انطوان عيد، وممثل جمعية الهلال الأحمر عبدالرحمن العون، ومسؤول قسم الكوارث يوسف المعراج، ومسؤول مجموعة الشباب في «الهلال الأحمر» مساعد العنزي، ورئيس جمعية الصليب الأحمر في لبنان الشيخ سامي الدحداح، وبطل الفيلم الفنان جورج خباز.
توابل - مسك و عنبر
تحت القصف صوّر آلام اللبنانيين في حرب تموز خباز وأبو فرحات أديا دوريهما بحرفية لافتة
29-05-2008