شاركت يوم الأربعاء الماضي في البرنامج الحواري للإعلامي البريطاني الشهير تيم سباستيان «نقاشات الدوحة» الذي يسجل في العاصمة القطرية ويذاع شهرياً على قناة «بي بي سي» العالمية. لبرنامج نقاشات الدوحة شكل مثير يعتمد على مناظرة بين فريقين من المتحدثين حول قضية محددة يحضرها جمهور من المهتمين يصوت في نهاية المناظرة لمصلحة أحد الفريقين. كانت قضية الديمقراطية في العالم العربي هي موضوع النقاش. شاركت الإعلامية اللبنانية مي شدياق وسفير العراق السابق ببريطانيا الدكتور صلاح الشيخلي في فريق أول تبنى وجهة النظر القائلة بأن عمليات التحول الديمقراطي سائرة على قدم وساق في العديد من المجتمعات العربية. وكنت أنا مع الصديق العزيز الدكتور مصطفى الحمارنة المدير السابق لمركز الدارسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية والناشر الحالي لأسبوعية «السجل» المرموقة في الفريق المقابل وذهبنا بمقولاتنا في اتجاه التشديد على أن عالم العرب يشهد تراجعاً بيناً في الحريات السياسية والمدنية وتصاعداً في القيود الفعلية المفروضة على المنافسة السياسية. أدار تيم سباستيان النقاش بأسلوبه المعتاد الذي يجمع بين السرعة في طرح التساؤلات والتفتيش عن مواطن التناقض في حجج المتحدثين ومواجهتهم بها. كانت إشارات شدياق-الشيخلي إلى حيوية الشارع العربي وعدد من الخطوات الإصلاحية التدرجية في المجتمعات العربية أفضل ما جاء به فريقهم. بينما أكدت مع الدكتور الحمارنة على أن للديمقراطية أربعة مكونات رئيسية لم تتحقق بعد في عالمنا، وهي تداول السلطة، والتوازن بين المؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية، والقدرة على محاسبة الحكام، ووجود فرصة حقيقية للمعارضات السلمية للوصول إلى الحكم عن طريق صناديق الانتخابات. ووضع الحمارنة نواقص الديمقراطية العربية في سياق مجتمعي أوسع جوهره العجز عن بناء الدولة الحديثة وتفسخ رابطة المواطنة أمام سطوة الهويات القبلية والعرقية والدينية. شارك الجمهور في النقاش بصورة مكثفة وتنوعت التعليقات بين دفع بعدم استعداد العرب للديمقراطية وعدم ملائمتها لهم في الوقت الراهن من جانب، والقناعة بأن الديمقراطية هي حق لشعوبنا وحلم مشروع لم يتحقق بعد، على الجانب الآخر. ثلاثة أمور لافتة استحوذت على اهتمامي حين الإنصات إلى الجمهور. ففي مقابل رجعية معظم تعليقات الذكور التي جاءت رافضة للتغيير ومهمومة بدرجة أكبر بمخاطر الديمقراطية على حساب مزاياها المحتملة، اتسمت الآراء النسائية بالجرأة في الطرح وبالدفاع الصريح عن حق المواطنات والمواطنين العرب في الاختيار الحر في السياسة والحياة العامة كما في الحياة الخاصة. من جهة ثانية، أظهر النقاش وواقع الأمر، كما أثبتت العديد من استطلاعات الرأي العام أخيراً، أن قضية الديمقراطية، وإن احتلت مكانة متميزة في سلم أولويات العرب، إلا أنها لا تأتي في مقدمته. الأولويات الكبرى اليوم هي الأمن وتحقيق درجة كافية من التقدم الاقتصادي والاجتماعي تكفل حدا أدنى من الحياة الكريمة للمواطنين. لابد من الاعتراف بأننا كمفكرين ونشطاء عرب نؤمن بالديمقراطية قد عجزنا حتى اللحظة أن نربط على نحو مقنع للرأي العام بين تقدم المجتمع والديمقراطية كشرط أساسي لا تقدم ولا أمن من دونه. من جهة ثالثة، وهنا مساحة من التطور الإيجابي ولا ريب، لم تثر في سياق البرنامج مسألة العلاقة بين الإسلام والديمقراطية ومدى التوافق أو التناقض بينهما على الإطلاق. يبدو أن نقاشات الأعوام الماضية قد رتبت تجاوزاً لتساؤلات البدايات حول الدين والدولة والسياسة وحسمت الأمر باتجاه توافق بين الإسلام والديمقراطية ما استطعنا إلى الأخيرة سبيلاً أو بقدر ما رغبنا بها. انتهى النقاش بتصويت ما يقرب من ثلثي الجمهور الحاضر لصالح مقولات الحمارنة-حمزاوي المتشائمة والمشككة في فرص التحول الديمقراطي عربياً متبوعاً بتصفيق الجميع بحماس شديد في مشهد بدت عبثيته واضحة. صفقنا جميعاً لعجزنا وإخفاقنا المستمر في وضع المجتمعات العربية على مسار الديمقراطية، النظام الأرقى والأفضل لإدارة علاقة الحاكمين بالمحكومين الذي يحيا في ظله ثلثا سكان الكرة الأرضية. وخرجت أنا وصديقي مصطفى الحمارنة أكثر تشاؤماً عما كنا عليه قبل بداية البرنامج!* كبير باحثين بمؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي- واشنطن
مقالات
نقاشات الدوحة
22-09-2008