يبدو فيلم «صياد اليمام» أميناً إلى حدّ بعيد لنص الرواية المقتبس منها. بالعنوان نفسه للروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد، أخرج الفيلم إسماعيل مراد وكتبه المخرج علاء عزام، وإن سمعنا عن خلاف بينهما، فقد حظي العمل بكفاءات مميزة، من بينها مدير التصوير القدير رمسيس مرزوق و{المونتيرة» المقتدرة منار حسني.

يقول عبد المجيد إن روايته تصوِّر واقع الإحساس بالفقدان والهزيمة، وكيف لا...؟ وهي تنطلق مما سبق أجواء هزيمة يونيو 1967 وما لحقها، وصولاً إلى انتصار أكتوبر عام 1973: «إنها الرواية التي حاولت أن أعبّر من خلالها عن جيلي وحياته ومعاناته وعصره...».

Ad

يصوّر الفيلم، وكذلك الرواية، «علي» (أشرف عبد الباقي) من خلال المكان الذي يعيش فيه (الإسكندرية)، ويذكرنا الراوي دائماً بطابع الرواية على امتداد الفيلم، الذي ينقلنا ما بين الماضي والحاضر عبر «الفلاش باك»، ما ساعد في إيجاد «حالة عقلية» تدعو إلى التأمل أكثر من الانفعال. والحق أننا أصبحنا في هذا العمل إزاء تجربة سينمائية جادة، تستحق الحوار، تجرأت على الاجتهاد في التقنية وفي تحليل الشخصيات و{تفتيت الزمن» وتفكيك الواقع والوقائع، على نحو لم يعتده المشاهد في السينما السائدة.

يقدّم الفيلم بعض أحداثه في الماضي عبر تعليق الراوي، الذي يعرّف بالبطل علي كما يلي: «صياد يمام... ينتقل من شغلانة لشغلانة... وما بين ذلك يصطاد يمام... عشرين سنة!». ويصوِّر أحياناً أخرى الماضي عبر «فلاش باك» يرجع فيه «علي» إلى الماضي، فيحكي عن طفولته لصاحبة المقهى الشابة «قمر» (بسمة) التي تجمعها به عاطفة غامضة جميلة، على رغم زواجه من أخرى (علا غانم) وإنجابه طفل منها، وعن أبيه عامل السكة الحديد (أحمد كمال) وأمه (دنيا) التي تقدمها الرواية منذ البدء كعروس رائعة، جنية من جنيات البحر شغف بها الأب، فتزوجها وعاملها بلطف، لكنها عانت الأمرّين بعد رحيله.

هذا جزء من طفولة علي التي لا تنسى، وكذلك زيارة الرئيس عبد الناصر وظهوره في قطار ملوِّحاً للناس، المحتشدين المنتظرين. وظهر «الريس» من خلال ممثل يلوِّح ولا يتحدث، وقد فشل الفيلم في ذلك المشهد.

في حياة علي خمس نساء، ففضلاً عن أمه وزوجته وقمر، ثمة فتاة أخرى (حنان مطاوع) وأمها (سلوى عثمان)... وهذه الأم يغيب زوجها لسنوات ممتدة وتنقطع أخباره (عبد الله مشرف)، فترتبط بعلاقة عاطفية وجنسية مع رجل «عسكري» بسيط (صلاح عبد الله) قريب منها ومن علي.

يبرر الفيلم هذه العلاقة بأنها حصلت تحت تأثير وحدة الأم والعسكري وحاجتهما الماسة لبعضهما. وفيما تكون الإبنة الشابة في البداية بالغة القسوة إزاء الأم، تبدأ مع مرور الوقت تلتمس لها عذراً، وإذ بها تعرف بدورها الحب والتلاقي العاطفي والحسي مع علي.

في الرواية يحاول علي «صيد اليمام»، لكنه يعجز عن ذلك عادةً، أما في الفيلم فيكرر المحاولة إلى أن يتمكن من الصيد، ثم يحرّر اليمام، ويجد متعة في تحريره ويبتهج لانطلاقه. وتبدو نساء الفيلم «كيمامات» في حياة علي يهفو إليها، ولا تستقر معه أو يستقر إلى جانبها طويلاً، بما في ذلك زوجته التي ما إن يقربها حتى يبتعد ثم يعود وهكذا دواليك... إنه كائن حائر قلق إلى نهاية الرحلة.

مراعاةً لوجهة نظر المحطة التلفزيونية التي شاركت إسماعيل في إنتاج الفيلم، يذكر هذا المخرج أنه تدخل في إعادة كتابة تفاصيل كثيرة من السيناريو، ما أثار اعتراض كاتب السيناريو علاء عزام. ويبدو فعلاً أن ثمة أكثر من تدخّل أو «عقل»، لأكثر من كاتب في الفيلم، ما ساهم في وجود بعض الالتباسات، بالإضافة إلى أن مشهد «صياد اليمام»، وعلى رغم براعة «المونتيرة»، كان بحاجة إلى تكثيف أكبر وإحكام الإيقاع.