إذا كانت الخصخصة على رأس الأولويات في الإصلاح الاقتصادي، الذي أصبح ضرورة حتمية كأسلوب وأداه للتنمية، فإنه لا يجوز إغفال العمالة الوطنية في المشروع العام، باعتبارها عنصرا مهماً وأساسياً في العملية الاقتصادية والإنتاجية، وأنه لا يجوز النظر إلى هذه العملية بمعزل عن المنظور والبعد الاجتماعي لها، لأنه قد يكون من الآثار السلبية لتخصيص بعض المشروعات العامة، هو رغبة المستثمرين فيها بعد خصخصتها، في التخلص من العمالة الزائدة، وهو ما طرح التقاعد المبكر، كأحد الأساليب التي تعالج المشاكل الناجمة عن الخصخصة بالنسبة للعمالة الوطنية.

Ad

وإذا كان هذا الأسلوب قد نجح في تجارب دول أخرى، فإن للكويت خصوصيتها، وأنه لابد لنجاح أي أسلوب في معالجة أي مشكلة، من دراسته داخل المجتمع ذاته، وفي ظل القوانين التي تحكم التقاعد بوجه عام، وفي إطار اتساقه مع السياسات العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ومع استراتيجيتها. وهو الأمر الذي يضع أسلوب التقاعد المبكر في مأزق خطير، لأسباب أساسية هي:

أولاً: أن التقاعد المبكر يتعارض مع سياسة «تكويت» الوظائف، ومع اعتماد القطاع الخاص على العمالة الوافدة، بما ينعكس سلباً على هذه السياسة وعلى التركيبة السكانية.

ثانياً: أن المزايا الواردة بنظام التأمينات الاجتماعية في الكويت تفوق كثيراً أي مزايا تقررها أسخى النظم الاجتماعية في العالم، سواء من حيث أسباب استحقاق المعاش أو من حيث مقداره، أو المدة اللازمة لاستحقاقه، أو التقاعد المبكر.

ثالثاً: أن تمويل نظام التأمينات الاجتماعية في الكويت يتم في جانب كبير منه من مساهمة الدولة من ميزانيتها العامة، ولا يقتصر هذا التمويل على اشتراكات المؤمن عليهم أو أصحاب الأعمال بعكس الدول الأخرى فإن المساهمة المالية للدولة في نظم التأمينات الاجتماعية مساهمة محدودة.

كما أن مساهمة الدولة المحدودة في الدول الأخرى، إنما تعتمد في مصادرها على الضرائب التي تفرضها هذه الدول على الدخل ورأس المال والأنشطة المختلفة بها، ومن بينها ضريبة كسب العمل التي تفرض على مواطنيها والمقيمين بها، وهي ضريبة كبيرة، بحيث تعود حصيلة هذه الضريبة التي تجبيها الدول من العمـال عليهم في أنظمة التأمينات الاجتماعية وغيرها، وهو أمر لا يتوافر في دولة الكويت حيث لا وجود فيها لضريبة كسب عمل أو نظام ضريبي متكامل بوجه عام.

رابعاً: أن أعمار التقاعد في نظام التأمينات الاجتماعية تقل كثيراً عن أعمار التقاعد في دول العالم كافة.

ولا تخفى التداعيات الاجتماعية السلبية على التقاعد المبكر، ومن بينها:

1- ازدياد مشكلة البطالة، فأصحاب المعاشات التقاعدية، سوف يجدون أنفسهم بعد فترة قصيرة في دوامة الحياة ومتطلباتها الكثيرة وسنجدهم يبحثون عن عمل أو وظيفة يتكسبون منها ويشغلون بها وقتهم وبالتالي سيزاحمون الشباب اليائس من الحصول على فرص عمل.

2- أن تشجيع بعض العاملين على التقاعد المبكر بمنحهم مزايا مالية وضم مدد اعتبارية لهم تؤهلهم لاستحقاق المعاش، إذا لم يرغبوا في الاستمرار بالعمل، سوف يؤثر سلباً على التنمية، إذا كان العامل من ذوي الحرف أو المهن والخبرات والمهارات التي اكتسبها نتاج سنوات من التعب والجهد، ولا يستطيع المشروع العام الذي تمت خصخصته تعويضه بعامل آخر، فالمهارة لا تكتسب بين يوم وليله.

3- انخفاض القوة الشرائية بما يؤدي إلى انكماش في الاقتصاد بسبب غياب شريحة من المجتمع عن سوق العمل، وتناقص دخلها بسبب الثابت النسبي لقيمة المعاشات، والارتفاع المضطرد في الأسعار مع التضخم.

4- أن التقاعد المبكر سوف يصاحبه زيادة معدلات الجريمة، لإحساس أفراد هذه الفئة خارج سوق العمل بالاحباط وعدم الأهمية لفقدان دورهم في المجتمع، وشعور الفرد بعدم أهميته داخل أسرته وبين أبنائه، لارتباط المكانة الاجتماعية للإنسان بعمله وبمقدرته على الإنفاق، مما يدفع البعض إلى ارتكاب جرائم.