كيف تعاملت السينما المصرية مع قضية الوحدة الوطنية منذ بداياتها حتى الآن؟ هل استطاعت الدراما التعبير عنها بصدق على الرغم من الحساسية التي تعتليها؟ أسئلة أثارها فيلم «حسن ومرقص» مجدداً. لكن كيف تعامل هذا الأخير مع هذه القضية الشائكة؟ هل حلَّق بها بعيداً عن السائد والمألوف سينمائياً؟تؤكد الناقدة السينمائية ماجدة موريس أن «حسن ومرقص» تعامل بحساسية عالية وروح مؤيِّدة للوحدة الوطنية، وانحاز الى كل ما يجمع المصريين في بوتقة واحدة، والى ما يسمح بالتعايش الكامل والسلمي بغض النظر عن نوع الديانة، تقول موريس: «باختصار قدم الفيلم كلمة محترمة ومهمة في زمن غابت عنه حقائق بديهية كثيرة، وهو ما يحسب لكاتب السيناريو يوسف معاطي بوصفه أول فيلم يقدم هذه الإشكالية بمصداقية وبصورة مباشرة وواضحة»، مشيرة الى «أن السينما المصرية، منذ بداياتها، رصدت قضية الوحدة الوطنية برؤى وأشكال مختلفة، فمثلا في الأربعينيات شاهدنا فيلم «حسن ومرقص وكوهين» الذي تناول، في إطار كوميدي، العلاقات بين المصريين على اختلاف دياناتهم، لأن المجتمع لم يكن يعاني من المشاكل التي تهدده الآن، كذلك ثلاثية نجيب محفوظ التي قدمت المصريين كلهم، بدياناتهم المختلفة، في مواجهة الاحتلال، وروح الانتماء الوطني التي سادت آنذاك. الأمر ذاته فعله رأفت الميهي في فيلمه «للحب قصة أخيرة»، إلى أن ظهر العنف الطائفي الذي شكل نوعاً من الحذر في التعامل فنياً مع هذه القضية. ثم جاء «بحب السيما» للمخرج أسامة فوزي، فقدم من خلاله المجتمع القبطي للمرة الأولى على الشاشة، وكان ذلك بمثابة نقلة نوعية في السينما المصرية، خصوصاً أن الأقباط لديهم سلبيات كثيرة كشف عنها الفيلم. أما «حسن ومرقص» فوضع الطرفين في مواجهة حقيقية باعتبارهما مسؤولين عن الوطن».استحياءيرى الناقد السينمائي رفيق الصبان أن «السينما تعاملت مع هذه القضية بحذر شديد على مر عقودها وبأقل ما يمكن من الإنتاج السينمائي، لذا لم نر «الوحدة الوطنية» كقضية في السينما إلا في ما ندر، حتى أن شخصية القبطي لم تظهر إلا بحياء وفي قالب نمطي، باستثناء «بحب السيما» الذي كان أبطاله من الأقباط ونجح صانعوه في اختراق «تابو» الدين في السينما، على الرغم من أن منتجه هاني جرجس فوزي مسيحي وكذلك مخرجه أسامة فوزي. نذكر من الأفلام القديمة «شفيقة القبطية» ثم «الراهبة» للمخرج حسن الإمام اللذين اشتهرا بتقديم شخصيات محظور الاقتراب منها».يشير الصبان الى أن «حسن ومرقص» «فيلم جريء ومهم، نظراً الى أن الأقباط يشكلون عماد الأمة ونسيجها، ما يؤكد دور الفن الحقيقي الذي يهتم بطرح القضايا الجوهرية في المجتمع».يتفق الناقد السينمائي مصطفى درويش مع الصبان في أن «السينما المصرية لم تتناول هذه القضية المهمة إلا في ما ندر وبأسلوب أقرب إلى السطحية والسذاجة، مؤكداً أن هذه الإشكالية تتطلب مزيداً من الحرية والجرأة في المعالجة، خصوصاً أن ثمة أكاذيب مخالفة للتاريخ تقول إن المسلمين والمسيحيين يتعايشون ويتوافقون على طول الخط وهو ليس صحيحاً، لذا لم يستطع المخرج أسامة فوزي أن يطرح هذه القضية الطائفية بعمق في «بحب السيما»، بل تناولها في إطار كوميدي، الجديد أن الأبطال كانوا من الأقباط».مشاكل... مشاكلما دور الرقابة في تقويض هذا اللون من الإبداع؟ يعود الناقد مصطفى درويش بالذاكرة الى فيلم «البوسطجي» المأخوذ عن رواية الأديب الكبير يحيى حقي، باعتباره مثلاً صارخاً على اعتداء الرقابة على السينما, فأبطال الرواية أقباط و«البوسطجي» مسلم ويرجع أصل المأساة في الرواية الى اختلاف الأديان بينهما. يشير درويش الى أن «اعتراضات الرقابة حينها حالت دون ظهور الأبطال كما جاؤوا في الرواية، ما يؤكد أنها تعيق حرية الإبداع، وتحول دون تناول القضايا بصورة صادقة تقارب الواقع»، مفسِّراً لماذا حرص صانعو «حسن ومرقص» على توزيع سيناريو الفيلم بعد عرضه على المتخصصين ليعرف الجميع كيف عبث موظفو الرقابة بسيناريو يوسف معاطي على الرغم من قوة عادل إمام (بطل الفيلم الى جانب عمر الشريف) ونفوذه».من ناحيته، يعتبر السيناريست فايز غالي أن الفنان المصري مهموم إلى حد بعيد بقضية الوحدة الوطنية، خصوصاً بعد المتغيرات التي طرأت على المجتمع المصري أخيراً، يقول: «كأقباط لم نكن نشعر بهذه المأساة سابقا، بل كنا في حالة تعايش وذوبان داخل المجتمع ككل، وكانت مصر تتميّز بنوع من التوازن العبقري بين الطوائف والديانات المختلفة، لكن الإرهاب والتطرف أديا الى أزمة باتت تستحق المناقشة».عن «حسن ومرقص» يوضح غالي: «نجح الفيلم في ملامسة الواقع الحقيقي وتعامل معه بذكاء مشوب بالحذر لا تنقصه الصراحة والمباشرة، لذا يستحق الإشادة، يضاف إلى ذلك أنه طرح رؤيته بسلاسة وبساطة ما ساهم في نجاحه، خصوصاً أننا في مجتمع بلغت الأمية فيه أكثر من 60%، ما ساهم في زيادة الاحتقان الطائفي، فضلا عن أن ثمة جهات تستغل الأميِّة لتدمير الوطن، لذلك نجح نجوم الفيلم ببراعة في الوصول إلى قطاع عريض من الشعب المصري».يؤكد غالي أن «السينما قادرة على أداء دور فاعل في حياة المجتمع، إذا اقتحمت التابوهات وتناولتها بعمق عبر سلسلة من الأفلام تمكننا من القضاء على التيارات الإرهابية التي تسعى الى تدمير مصر من الداخل».أما المخرجة فريال كامل، فترى أن «السينما المصرية تعاملت مع القضايا الكبرى بصورة هزلية، في مقدمها قضية الوحدة الوطنية، والاستثناءات الجيدة قليلة وتكاد تكون معدودة، مثلا «فيلم هندي» الذي جسد علاقة صديقين، أحدهما مسلم والآخر مسيحي وكيفية تضحية كل منهما بصدق من أجل الآخر، كذلك «الإرهابي» الذي قدم شخصية الجار المسيحي الصديق الحميم للأسرة المسلمة، ما يؤكد أن السينما كلما لامست الواقع بصدق كلما اقتربت من القضية الحقيقية بعيداً عن الفرقعة والافتعال، لأن الفن الحقيقي هو الذي يعرض قضيته في قالب إنساني».
توابل - سيما
حسن ومرقص... نجح في طرح الوحدة الوطنيَّة المصريَّة مجدداً؟
11-07-2008