كتب لفيف من المثقفين الكويتيين والعرب حول مناقب ودور الدكتور أحمد الربعي، وقيل فيه الكثير وكتبت العديد من التصورات والمقترحات، التي أخشى أن تذروها الرياح وتتحول إلى حبر على ورق، ويلفها النسيان مثل كل القيم النبيلة والشخصيات المهمة في المجتمع، وتضيع أهمية دورها في الترسيخ لذاكرة الأجيال القادمة.

كنت أقلب كل هذا الوقت فكرة يوم المثقف الكويتي كقيمة، وعادة، ومنهج ثقافي وفكري وتربوي في مجتمع ناهض، ويؤسس للحضارة القادمة، فكيف نمسك بخيط تلك الحضارة؟ فهي ليست مجرد شوارع وأبنية ومجمعات تجارية تلمع وسط الأضواء، بينما يضيع تاريخ أبناء تلك البلدان والمدن اللامعة. فماذا علينا فعله لذلك اليوم تكريما للمثقف الكويتي؟ خصوصا أن يوم الاحتفاء بمناسبات عدة صارت تقليدا حضاريا جديدا في مجتمعاتنا الفتية؟ فالخليج عاش على هامش الحضارة الجديدة، وصار على الخريطة العالمية مع اكتشاف النفط، وعلينا ألا نعول كثيرا على مجموعة من الحكايات التاريخية التي مرت عليها عصور وحقب تركتها لنا الأحجار، فقد كنا محطات للغرباء ولعابري السفن البعيدة والمستعمرين الذين كان عليهم أن يتركوا خلفهم الآثار، وهي من دون شك علامة من علامات وجودنا بين تلك الرمال والمناخ القاتل الذي شرد القبائل وتركها تتنقل بين حدود الجيران، غير أن اكتشاف النفط عزز وجود المجتمعات الخليجية وأسس لمنظومة كاملة من أسس الدولة والمجتمع المدني، وهو الذي نراه حقيقة حاضرة ومستقبلية، لهذا يصبح تراث وإرث الثقافة والفكر والأدب والسياسة أهم معيار لتقدمنا الجديد نحو حضارة الألفية الثالثة، بعد أن ترك القرن العشرين بيننا ملامحه وغرس أعمدته، وعلينا أن نشيّد عليها الأعمدة القادمة.

Ad

من هنا نرى أن يوم المرأة والأسرة والعامل وغيرها من المناسبات الدولية يجب ألا تنسينا إمكان إحياء مناسبات داخلية نؤسس لها، كاتساع المشروع من بعده السياسي إلى بعده الوطني بأن تتحول الفكرة الضيقة إلى مدى أوسع، كيوم المثقف الخليجي كحلقة ثانية ثم يوم المثقف العربي، غير أنها بهذا الاتساع حلم كبير يفقدنا إمكان التركيز على المرحلة الأولى، حيث تحتاج الكويت ومن سيتبنى المشروع في مجتمع مدني أن ينطلق من نواة صلبة، ويضع الإسمنت الصلب والمؤسساتي، فهناك أصدقاء الربعي ومحبوه من الطلبة، وقد صار الربعي ملكية كويتية، ومن خلال الفكرة المبسطة ينمو المشروع الأوسع لكل مثقف كويتي ساهم في خدمة الفكر والأدب والإبداع وجميع الحقول التي أدت دورا نهضويا وتنويريا في تقدم الكويت ومحيطها العربي، وما علينا إلا أن نضع الفكرة في قالبها العملي ونسهم في الآلية التي ينطلق منها يوم المثقف الكويتي.

ولكي يتحول المشروع الوطني واليوم الحقيقي إلى لبنة ثقافية، فإن الرأسمال لهذا المشروع المؤسساتي يصبح مرتكزا ضروريا، إذ على اللجنة أو الهيئة التي ستنطلق بهذا الحلم الوطني أن تنطلق من دون حدود وإيديولوجيات وإقصاء خارج المعايير التي تحددها تلك المؤسسة، بحيث تتحول كل قدرة مالية سواء من المواطنين العاديين الذين سيكون التبرع لديهم قيمة تربوية وأخلاقية ومستقبلية إلى أولئك الأثرياء والمؤسسات المالية، التي عليها أن تعي دورها الوطني في إعطاء الفكرة دفعات مستمرة كونها تمثل البعد الوطني، فهناك أموال تتناثر في شتى المجالات، فهل يصبح المثقف مجرد ذاكرة تاريخية ومقالات عابرة نعيشها لحظة الألم، ثم يغمرها طمي النهر الجارف مع الزمن؟!

ما يمارسه الأثرياء من إسهامات في مناسبات وجوائز تحمل اسمهم لا ينبغي أن يجعلهم يترددون في مساندة هذا النوع من المشاريع إلى جانب الدولة والمجتمع المدني بكل مستوياته الاجتماعية والفكرية، فهذا الحضور السنوي لإحياء ذاكرة وحياة ومساهمة دور المثقفين الكويتيين في بلدهم مسألة مهمة لن نلمسها عاجلا، ولكن التاريخ والمستقبل ينتظر أفعالا محسوسة هي رمز الذاكرة الوطنية والاستمرار والتكريس.

ما يدفعني إلى اختيار الكويت ليس ذلك الحضور الكثيف لعزاء أحمد الربعي، ولا تلك المقالات والبرقيات وغيرها من المفردات العميقة التي كتبت حوله وله، فكانت الكويت حاضرة لأنه ابنها، بل إنه سيكون البداية والانطلاقة لمشروع المثقف الكويتي ويومه، فهناك لفيف من المثقفين الكويتيين الذين أعطوا الوطن الكثير، ووضعوا كل اللبنات المهمة في نهضة الوطن وتقدمه. وباعتبار أن الكويت كانت أكثر ريادة في مشاريعها الثقافية والنهضوية، التي فتحت أبوابها لحرية التعبير والديمقراطية مبكرا، وأدت مشاريعها الثقافية دورا ملحوظا، فهي جديرة بأن تقبض تلك المبادرة وتنطلق منها كيوم للمثقف الكويتي على أمل أن تصبح الحلقات الأخرى انطلاقات أقوى، فكل فكرة تبدأ بالحلم وتتحول إلى حقيقة إذا ما قرر الرجال الأوائل أن ينطلقوا بتصميم وإرادة حقيقية، واضعين في الاعتبار أن كل مشروع وحلم كبير، لن يكون في بدايته إلا حلقة صغيرة ونبتة برية تنمو بين غابات موحشة، ولكن الضوء لا تحجبه كل الغيوم والغابات الكثيفة، فهل يمسك الأهل والأصدقاء الذين أحبوا الربعي بفكرة يوم المثقف الكويتي، لتزدان فيه ميدالية ذهبية صكها صورة مثقف من طراز الربعي وغيره من مثقفي الكويت في يومهم الوطني الخاص «يوم المثقف الكويتي».

* كاتب بحريني