تُروى نكتة في الغرب الأوروبي المتقدم، مفادها أن الفارق بين جنة الدنيا ونارها خيط رفيع من صناعة البشر. فهم يقولون بأن الجنة عندما يكون المدير ألمانياً والشرطي بريطانياً والطباخ فرنسياً والفنان إيطالياً، تنقلب إلى جهنم، لو أصبح المدير ايطالياً والشرطي فرنسيا والفنان بريطانيا والطباخ ألمانياً. ان الخيط الرفيع الفاصل بين النقيضين هو وضع الانسان المناسب في المكان المناسب، وإطلالة مقارنة بين كويت ما بعد عصر النفط مباشرة الى ستينيات القرن الفائت، وكويت الحاضر، لا تبعدنا كثيرا عن مغزى نكتة الغرب، غير انها مجسدة على أرض الواقع.

Ad

وما يصدق على المشروعات والدول، يصدق على العالم، على مر العصور، فعندما بدأ ماركو بولو رحلته في القرن الثالث عشر سيرا على الاقدام باتجاه الشرق من فلورنسا (وهي مدينة ايطالية حاليا)، دوَّن في كتابه بعد ان استغرقت رحلته 12 سنة، كل مشاهداته عن الشرق المتقدم «الجنّة»، مقابل جهنم الغرب المتخلف، فبينما كان الشرق غنيا وذكيا وضمن مخترعاته العَجَلة والطابعة والرافعة والبوصلة، كان الغرب غارقا في الظلام، وكان المدير والشرطي والطباخ والفنان فيه، هو «بابا» الكنيسة. وكانت لدى الكنيسة وكالة حصرية غير قابلة للعزل في كل شؤون الدنيا، وكانت وكالة مماثلة تعطيها حق اصدار الجوازات الى كل من جنة وجهنم الدنيا والآخرة. ومع ماركو بولو وأمثاله بدأ عصر التنوير في اوروبا الذي انتهى بسحب وكالة الكنيسة على شؤون الدنيا، ولكن الأمر استغرق نحو خمسمئة عام حتى دان التفوق في الدنيا لجنّة الغرب، وبدأ تحول الشرق الى جهنم، وجاء التحول بفعل فاعل، فبينما بدأت ثورة العالم الاولى -الثورة الزراعية او توطين الزراعة- في الشرق، كان للثورة الثانية في القرن الثامن عشر او ثورة الغرب الصناعية فعل السحر في نقل التقدم والثروة اليه. وفي الحالين، أي عندما كان الشرق الجنة، والغرب النار، أو عندما انعكست حالاهما، لم يتحقق ذلك لا لأن الحظ صادف او خالف كلا منهما، ولكن لأن نظام الادارة المناسب كان يرسم طريقيهما.

وفي أواخر الشهر الفائت، عندما احتفلت لندن بتسليم مسؤولية تنظيم اولمبياد عام 2012، ذكر كبار المسؤولين في الجنّة او الامبراطورية التي لم تكن تغرب عنها الشمس، انهم عاجزون اداريا وماليا عن تكرار اعجاز الصين في تنظيم اولمبياد 2008، التي كانت متخلفة جدا قبل نصف قرن فقط، وعالم اليوم على اعتاب ثورته الثالثة، او العولمة وثورة المعلومة، والشرق ممثلا في كل من الصين والهند ونمور آسيا، ملك قرون استشعار قرأت مستقبل هذه الثورة قبل حدوثها، وخلقت اداراتها البيئة المناسبة لاستعادة الجنة من الغرب، او مشاركته الجنة على اقل تقدير، وذلك ما سيحدث في حياة معظمنا.

هناك مقولة تتردد في الانتخابات الرئاسية الاميركية: عندما يكون الاقتصاد في ازمة، يقولون: «انه الاقتصاد يا غبي»، اي لا معنى للكلام في قضايا اخرى ما دام الناس يعانون البطالة والتضخم. والكويت تعيش ازمة خانقة، وليس بامكاننا اختزالها في الاقتصاد، ولا يمكننا ايضا تبرئته، ففي الزمن القصير على الاقل، كل مؤشرات الاقتصاد ايجابية، اي ان معدلات النمو مرتفعة وكل موازينه في فائض، ولكنه ايضا في ازمة حقيقية لأبعد من هذا المدى. والازمة او جهنم كما في نكتة الغرب، أو في امثلة نماذج التاريخ عند تبادل المواقع بين الغرب والشرق، «هي أزمة ادارة يا غبي» كما في المقولة الاميركية.

لقد جاءت حكاية «درب الزلق» الرائعة بنصها وبالعباقرة من الفنانين الذين مثلوها من رحم كويت الجنة، ولكن عندما استسلم بوصالح لنزوته او عشقه، وأوكل بيع ثلجه السريع الذوبان لابنه صالح، باع صالح الثلج واستخدم كل حصيلته في شراء السبال -الفول السوداني- وأكل كل ما يملك، أليست كويت اليوم لا تفعل أكثر من بيع ثلجها الذائب لتأكل حصيلته «سبالاً» فقط؟ رحم الله الفنان القدير خالد النفيسي «ابو صالح»، والرحمة مستحقة لنا ايضا، فحاضرنا ومستقبلنا مرهونان باجتهادات صالح.