يستطيع المتشائم الذي يتوقّع الأسوأ دائماً أن يثبت أنه الأكثر علماً وموضوعيةً من الآخر الذي يأمل ويتمنى ويحلم، رغم اعتماده أيضاً على المنطق والحسّ السليم، ليس عنده وحده فحسب، بل عند الآخرين أيضاً الذين يتسببون بسياساتهم في الأزمات والمآزق العامة. هذه خلاصة في الوضع العربي، وفي قلبه النابض سورية أيضاً.

فهنالك عامٌ آخر ينقضي الآن، ولا مؤشّرات كافية أو جوهرية تدلّ على تغيير المسار أو الخروج من الدوامة المستمرة، لا في الاقتصاد ولا السياسة الخارجية أو الداخلية، بشكلٍ متفاوت بالطبع، ومع التأكيد خصوصاً على المضمون الداخلي الأساسي في أي حكم على الوضع.

Ad

فاقتصادياً، يتناهى الاعتماد على النفط- على قلته منذ البداية- وتتحول سورية إلى بلد مستوردٍ له أكثر من أن تكون مصدراً، كما يستمر الفساد والهدر والبيروقراطية والتأخّر البنيوي أسباباً عضوية ذات انعكاسات كبيرة على نزيف الثروة الوطنية وعجز الميزانيات السنوية.

صدرت في العام المنصرم قوانين ومراسيم عديدة على علاقة بالتطوير الاقتصادي بغضّ النظر عن راسم هذه السياسة وأهدافها، وبقيت صعوبة التنفيذ هي العقبة دائماً، فمقاومة الجسم المترهّل القديم للنظام، الذي عاش على الإيديولوجيا والمنافع الصغيرة والمعارك الجانبية وتهميش قيمة العمل ومفهوم الإنتاج، مازالت قادرة على كبح أيّ إرادة أو قرار يبقى «شفوياً» حتى لو صدر بمرسوم.

في الشهر الأخير تمّ التوقيع على اتفاق الشراكة السورية-الأوروبية، ولا يجرؤ السوريون على التفاؤل.

وفي السياسة الخارجية، مازالت الانتظارية وكسب الوقت منطقاً سائداً مع البقاء على السطح والاستعداد للتراجع أو تغيير الاتجاه، فالتعويل كان في العام الماضي منصباً على انشغال الإدارة الأميركية بصعوباتها في العراق وأفغانستان، ثم على الغرق في مفاعيل الأزمة المالية العالمية، خصوصاً على الانتخابات الأميركية ونتائجها والوقت الضائع بين انتهائها وبدء عمل الإدارة الجديدة.

رغم ذلك، كانت هنالك تطورات مهمة في السياسة الإقليمية، تجلّت في لبنان أولاً ثم في الصراع مع إسرائيل.

فقد استطاع لبنان تجاوز منعطف كبير، بانعقاد مؤتمر الدوحة ثم توقيع اتفاقها، وبانتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل الحكومة ثم توصلها إلى بيانها الوزاري ونيلها الثقة، وبزيارة الرئيس اللبناني إلى دمشق والاتفاق على إقامة العلاقات الدبلوماسية، الأمر الذي يبدو حقيقياً في الأيام الأخيرة، وفي ذلك موقف إيجابي من الحكومة السورية، ينتظر الكثيرون بترقب أن يتجسد المزيد أكثر. كما انعقدت محادثات يبدو أنها جدية بين الإسرائيليين والسوريين، تتفاعل الآن اتجاهات متباينة لتأجيل تطويرها إلى محادثات مباشرة أو تسريع ذلك، انطلاقاً من عوامل لا تتعلق كلها بسورية، بل بإسرائيل وأوروبا أيضاً.

لكن الوضع الداخلي يبقى أساساً للحكم على الحالة. فمازال مفهوم احتكار السلطة طاغياً بحيث لا يُسمح لأيّ عمل معارض جدي بالظهور إلاّ ليبادر بقمعه، ومازال مفهوم الدولة الأمنية سائداً، بحيث لا يلتقط النظام في أي رأي آخر أو تعبير أو مجتمع مدني، إلاّ صورة العدو.

يستمر ذلك رغم موقف القوى والشخصيات المتمثلة في إعلان دمشق (وهو ائتلاف يضم أغلبية قوى المعارضة) الإيجابي والمتفهم لسياسة السلطة الإقليمية، في بيانٍ لها في أوائل سبتمبر.

فالعام الماضي كله كان عام إعلان دمشق، أمضى اثنا عشر قيادياً منه كلّ شهوره في السجن، وأحيلوا إلى محاكمة مليئة بالثغرات القانونية وتثير تساؤلات عميقة ومحبطة حول استقلال القضاء وسيادة القانون، وحين تمّ الحكم عليهم بعامين ونصف من السجن، انتظر البعض اختيار السلطة جانب المنطق السليم والإفراج عن المعتقلين، ومازال انتظاره أدراج الرياح، حتى الآن. كما انتهت مدة الحكم على ميشيل كيلو ومحمود عيسى منذ أغسطس الماضي، في حال تطبيق الإعفاء من ربع المدة كما هو القانون والعرف حتى في ما يخص المجرمين العاديين، وتحولت المسألة إلى شدٍّ وجذب انتصر فيهما العامل الضاغط «المجهول»، المستمر في عناده في مسألة ميشيل، بحيث هنالك خشية من ألاّ يتمّ الإفراج عنه حتى في مايو القادم، عند انتهاء المدة نهائياً.

فكان العام الماضي كئيباً في كلّ ما يخصّ حقوق الإنسان، من حيث الاعتقالات والاستدعاءات والضغوط الأمنية ومنع حرية الرأي والتعبير وحجب المواقع المختلفة - حتى قليلاً- عن رأي السلطة في أكثر تجلياته عناداً وتحجّراً واحتكاراً... ونتحدث عن العام الثامن من الألفية الثالثة.

فلم يعد ممكناً توقّع ما سيكون عليه العام القادم، أو أنه أمر محرج على الأقل، وأن يكون منطلق التفاؤل هو اتجاه الريح والتيار العالميين، خطأ جسيم، لأن الأصل هو التفاؤل بما لديك، وما تستطيع أن تفعل، لا التعلّق بأهداب بساط الريح... وحلم الكسول.

* كاتب سوري