أما وقد توالت الخطابات الرنانة في فاعليات مؤتمر الحزب الديمقراطي في دنفر يبدو أنّ المرشح الديمقراطي باراك أوباما ومناصريه تنفسوا الصعداء بنجاح الرجل في تخطي أول عقبة في درب «جلجلته» الى رئاسة البيت الابيض عبر حصاده تأييد سيناتورة نيويورك هيلاري كلينتون التي دعت أنصارها بالفم الملآن الى الاصطفاف وراء المرشح الديمقراطي الشاب وتغاضي النزاعات الضيقة وهي «دفشة كبيرة الى الامام» يبدو أن آل كلينتون والديمقراطيون عموماً اتفقوا عليها لمواجهة صعود نجم الجمهوري جون ماكاين.

Ad

مجهودٌ جبار انضم فيه إليها رفيق عمرها الرئيس الاسبق بيل كلينتون، فكان للخائفين على مصير أوباما من "التناحر الداخلي" ما أرادوه قولاً على الاقل، عبر ما تفوّه به الديمقراطي الاوحد الذي فاز بولايتين في البيت الابيض منذ فرانكلين روزفلت "بالخط العريض" مشبّهاً مسيرة أوباما وما يتخبّط به من صعوبات بما واجهه هو شخصياً إبان انتخابات العام 1992 "معاً نجحنا في الصمود في معركة ادّعى فيها الجمهوريون أنّنا يانعان للغاية وعديما الخبرة لتولّي أيّ منصب رفيع"، وأكّد بنبرةٍ حاسمة: "لم يفلح الجمهوريون آنذاك لأننا كنا في المقلب التاريخي الصحيح ولن ينجح هؤلاء اليوم لأنّ باراك أوباما هو في المقلب التاريخي الصحيح كما كنا نحن في الامس!".

بانت إمارات التناغم الديمقراطي منذ لحظة وصول الرئيس كلينتون الى الغرفة الزجاجية المخصصة له في مركز "بيبسي" حين كان حاكم مونتانا بريان شويتزر يصيح بالجمهور: "من تريدون رئيساً لكم؟"

«باراك أوباما!!!» صاحوا بحماسة مفرطة. وبدا كلينتون مردداً اسم أوباما هو أيضاً من دون أن يضع هذه المرة يده على أنفه وهي حركة اتخذها خصومه مأخذاً عليه أثناء أزمة مونيكا لوينسكي حيث ضُبط متلبساً بالحركة ذاتها كلّما "فلتت كذبة تفوّه بها من عقالها".

وغاب عن الانظار الرئيس الذي وصف معارضة أوباما للحرب على العراق بـ «الطرفة الخيالية» والمستخفّ بنجاح شابٍ أسود طموح في معادلة كانت لتبدو شبه مستحيلة قبل 8 سنوات، ليحلّ مكانه رجلُ دولة لم يفته شحذ همم أنصار زوجته خصوصاً مع انتشار معلومات حول إمكان تصويت بعض مؤيديها للخصم جون ماكاين فأوضح محاولاً عكس الاتجاه: «أكّدت لنا هيلاري أنّها ستبذل كلّ ما بوسعها لدعم باراك أوباما وهكذا نكون اثنين» وتدارك مكملاً: «بالأحرى سنكون 18 مليوناً لأّني وهيلاري نريد أن تنضووا جميعاً تحت لواء أوباما مرشحنا الأوحد».

لم يفشل أوباما في انتهاز فرصة منحه إياها آل كلينتون على طبق من فضة، خصوصاً أنّ اختياره لجوزف بايدن الخبير في الشؤون الخارجية نائباً للرئيس لم يحرّك ساكناً في نتائج استطلاعات الرأي، فأرسل تحيةً الى هيلاري وأنصارها وأصاب عصفورين بحجرٍ حين أكّد في اللحظة ذاتها من إظهاره الاحترام لسيناتورة نيويورك: "ليس من ولايات متحدة بيضاء أو سوداء بل هناك فقط الولايات المتحدة الأميركية!" ردّ محنّك على من يحاولون "الاصطياد في مياه التمييز العرقي الآثمة".

أما الامتحان الحقيقي الذي نجح اوباما في تخطيه فتمثل في انتقال الرجل من البلاغة "الكلامية" الى "الحنكة الواقعية" في خطابه أمام 75 ألف شخص في ستاد "اينفسكو فيلد ات مايا هاي" بعد 45 عاماً من خطاب زعيم الحركة المدنية للدفاع عن حقوق السود مارتن لوثر كينغ الشهير بعنوان "حلمت"، خطاب انتقل فيه المرشح الطموح من اللهجة "العاطفية" الى البلاغة "الملموسة" متناولاً قضايا حيوية على غرار الاقتصاد والأجور وأزمة الطاقة وكيفية الاهتمام بشؤون "الطبقة الوسطى" عبر إيلائها الاولوية على حساب الشركات الكبرى وليس العكس لأنّ أوباما يؤمن بأنّ الأمل بـ"أميركا أفضل" إنّما يُحقّق بسواعد السواد الأعظم من الناس فيها، أي "الطبقة الكادحة" تلك المناضلة التي تكافح لإثبات ذاتها وأحلامها... الطبقة ذاتها التي ينحدر هو منها!