ثمة خطابان في فيلم «دكان شحاتة»، أولهما يحاور القلب والعاطفة، والثاني يخاطب العقل والوعي. ونظن أن الأول تفوّق على الثاني الذي أعاقه بعض الثغرات والتسرّع.يطمح «دكان شحاتة»، أخرجه خالد يوسف وكتبه ناصر عبد الرحمن، إلى تقديم خلاصة تأملات حول عصر امتد من 1981 إلى 2009، فترة حكم الرئيس حسني مبارك، في إشارة واضحة شير إلى إمكان استمرار الحكم سنوات أخرى. على امتداد الأحداث، يضع صنّاع الفيلم البراءة والحب في مواجهة الجشع والعنف. يمثل البراءة «شحاتة» الذي يتابع الفيلم رحلته مذ كان طفلاً يرعاه والده (محمود حميدة) ويخشى على سلامته من أخوته، غير الأشقاء، (كأنهم يوسف وأخوته في صياغة جديدة). فيما يمثّل الحب عاطفة جميلة نشأت بين شحاتة الشاب (عمرو سعد) و{بيسة» (هيفا وهبي).ارتبط الحبيبان، لكن المعوقات لم تتركهما في حالهما، بل كانت لهما بالمرصاد، على نحو ميلودرامي حاد.أمّا الجشع فصوره المخرج من خلال قسوة أخوة شحاتة وشقيق بيسة (عمرو عبد الجليل)، ليدور الصراع بين البراءة والشر وكأنه، رمزياً، الصراع في مصر المعاصرة بين جوهرها الحقيقي (البراءة والحب)، وكل الذين يتطلعون إلى استغلالها ونهش لحمها، سواء الذين استولوا على القرار فيها ونهبوا رأس المال والسلطة، أو الذين غزوها من الخارج.ويقول الفيلم: «عدونا الحقيقي الذي نهب الأرض وسفك دم الأبرياء منّا هو العدو الصهيوني، والصراع بيننا وبينه مستمر». ويوضح المخرج في مؤتمر صحافي أعقب عرض الفيلم الخاص الأول: «العلم الإسرائيلي الذي ظهر في الفيلم رمز السفارة الإسرائيلية المدنسة لأرضنا».مراراً، يرمز الفيلم بصورة قائد ثورة يوليو جمال عبد الناصر إلى مجمل القيم الإيجابية، خصوصاً الدفاع عن الوطن وكرامته، وعن الإنسان الحقيقي البسيط وحاجاته المشروعة. إنه فيلم ناصري فعلاً.وفي مشهد مؤثر حاور العاطفة بقدر مخاطبته العقل، وفي ظل آلام شحاتة ودموعه وإحساسه بالظلم بعدما تكالب الطامعون لنهشه وسرقة دكانه وأرضه، في أعقاب رحيل والده، نجده يحتضن بحنان صورة جمال عبد الناصر التي كان الأب يحرص على سلامتها.رحل الأب وبقيت صورة القائد، وذكريات وإرادة قدر في مواجهة ظلم بلغ حدّ تلفيق تهمة لشحاتة، فسجن وتعذّب لسنوات، حتى إن أحد أخوته سرق «بيسة» وتزوجها إجباراً وتجبّراً، باتفاق شيطاني بينه وشقيقها، وقد كانت تشعر على امتداد الزواج بأنها مغتصبة ولم تمنح نفسها للزوج برضاها أبداً.وامتد الظلم إلى أخت شحاتة أيضاً (غادة عبد الرازق) فحُرمت من الميراث لأن «البنات لا ترث عندنا»، وحُرمت طويلاً من أخيها شحاتة ولم تستطع مساعدته.خرج شحاتة من السجن، ليذكّرنا بـ «سعيد» في «اللص والكلاب»، فقد وجد أن من ظلمه نهب كل شيء وسرق حتى شريكة حياته.اعتقد الأخوة أن شحاتة خرج لينتقم منهم، فاستعدوا ليسبقوه بالإجهاز عليه، لكن المفاجأة أنه سامحهم، فرغم كل شيء كان يبحث عن دفء الأخوة والعائلة، لكنه دفع ثمن محبته وبراءته واتجه نحو حتفه.بدت النهاية غير معقولة، ولم تخاطب العقل بإقناع، فشحاتة ليس سعيد مهران ولا حتى يوسف الصديق!وظّف المخرج مختلف العناصر ببراعة، من تصوير أيمن أبو المكارم ومونتاج غادة عز الدين، إلى ديكور حامد حمدان وموسيقى يحيى الموجي وأحمد سعد، ناهيك إن التمثيل جاء مقنعاً في مجمله، لا سيما أداء محمود حميدة وعمرو سعد وغادة عبد الرازق. أما هيفا في أول ظهور لها على شاشة السينما فقد بذلت جهداً حقيقياً واضحاً يشير إلى أنها ممثلة واعدة.لكن في بعض المشاهد لم ينس المخرج أن هيفا نجمة الغناء اللامعة المحبوبة، فأظهرها بإطلالة لا تتوافق مع المشهد أو الموقف، وبطبيعة الحال لم يصبّ ذلك في مصلحة الفيلم ولا في مصلحة هيفا.ورغم اجتهاد أحمد سعد في تأليف الكلمات واللحن، إلا أن طريقته أو نبرة صوته في الغناء لم تلق استحسان الجمهور، لكن يبقى أن هذه الأمور تخضع لرؤية المخرج الخاصة.
توابل - سيما
دكان شحاتة... حرب البراءة والشر
22-05-2009