«ماتت قلوب الناس، ماتت فيها النخوة، يمكن نسينا في يوم أن العرب إخوة»، صرخة أطلقها أوبريت «الضمير العربي» ربما تعبر عن احتياج الشعب العربي في كل مكان إلى صحوة ضمير تعيده إلى مكانه الحقيقي بعيداً عن أي شقاق أو خلاف أو حرب أو همٍّ من الهموم السياسية اليومية التي تصيب الجميع في مقتل.

Ad

هل عبر هذا الأوبريت، الذي شارك فيه فنانون من الدول العربية كافة أمثال اصالة، ايهاب توفيق، صابر الرباعي، عبدلله رويشد، وائل جسار وأحلام، عن واقعنا فعلاً؟ أم أنه جاء ليعيد الينا التساؤل القديم حول هذا اللون الفني ومدى تأثره بالأحداث السياسية المحيطة؟ هل يكون جرس إنذار أم هو وليد ظروفنا الراهنة؟ خصوصا أن فكرة تقديم أوبريت غنائي وطني في مجتمعنا ارتبطت بانعكاس الظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط بالعالم العربي، فدائماً ما كان يعبر هذا النوع من الفن عن أوجاع الوطن الأكبر ويسعى الى تجميع العرب أو بالأحرى تحفيزهم كي يقفوا جنباً إلى جنب ضد العدوان والخطر الذي يداهم الوطن، فكان أوبريت «الوطن الأكبر» و»الجيل الصاعد» الذي ضم مجموعة من نجوم الغناء في زمن الفن الجميل، زمن الأحلام والتطلعات إلى مستقبل أكثر إشراقاً، مروراً بأوبريت «الحلم العربي» الذي يعبر عن أحلام عربية أخرى في خمسين عاماً وما حدث فيها من حروب وتناحر.

الآن وبعد أعوام طويلة، يأتي أوبريت «الضمير العربي» الذي يرصد الأعوام العشرة الماضية بأحداثها الحافلة، شارك فيه أكثر من مائة نجم عربي، فكرة ورؤية وإخراج أحمد العريان، تأليف سيد شوقي وكريم معتوه، الأمر الذي أعاد طرح السؤال حول أهمية مثل هذه الأعمال الغنائية والدور الذي تؤديه على المستوى الفني والشعبي.

في هذا السياق يقول العريان لـ»الجريدة»: «الضمير العربي من أضخم الأعمال الفنية العربية من حيث التجهيزات وعدد الفنانين العرب المشاركين فيه، بالإضافة إلى تأثيره القوي في الشعوب العربية من خلال طرحه لفكرة غياب الضمير العربي الذي أدى إلى التهاون في حقوقهم وإعطاء الفرصة للاستيلاء عليها. أتمنى أن يتخذ الشعب العربي خطوات جادة لتحقيق آماله وطموحاته في الحصول على الأمن والسلام والاستقرار.

بدوره يوضح المغني حكيم أحد المشاركين في الأوبريت: «الأعمال الفنية ضرورية لتسجيل الوقائع البارزة التي يتعرض لها العالم العربي»، وهو ما يؤكده سيد شوقي مؤلف الأوبريت قائلاً: «قدمنا عملاً يجسد حالة الشعب العربي وآماله وطموحاته في التمتع بالحرية والاستقلال والعيش في حياة هادئة وسلام من دون حروب يذهب ضحيتها الآلاف من النساء والأطفال والشباب والشيوخ، ويروي بأسلوب غنائي ودرامي تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي ويفضح مخططات إسرائيل في المنطقة والدمار الذي سببته وآلاف الضحايا الذين سقطوا شهداء وهم يقاومونها في فلسطين ومصر وسوريا ولبنان».

مرارة الواقع

يرى الناقد طارق الشناوي أن «هذا النوع الفني يجب أن ينطلق من حدث معين بوصفه يطرح مجموعة أفكار تعكس مشاعر فئات كبيرة من المجتمع العربي، وتترنح بين واقعهم المرير وأحلامهم التي لا تأتي»، ويقول: «الكلام عن التضامن والأخوة والمحبة والمصير الواحد في العالم العربي عبر الأغاني لم يستطع غالبا تجاوز الإسلوب الإنشائي والدخول في صلب الموضوع ، بتعبير أدق ظل مجرد «كلام أغاني» لا يحل ولا يربط. وهو ما يتكرر دوما من أوبريت الى آخر حتى تهدد هذا اللون بالاندثار تماما ونهائيا، ليس لأن كلماته لا ترقى إلى مستوى الأغنية الوطنية التي نعرفها فحسب، بل والأهم أنه بات قالبا ثابتا في شكله الفني الذي يظهر به، لذا يفقد حماسة الجمهور لمتابعته بعكس أعمال سابقة نجحت في أن تحتفظ بمكانتها في ذاكرة الفن ووجدان الجماهير، على رغم ما بذل فيها من مجهود كبير.

يؤكد الشناوي أن هذه الأعمال لا تحقق نجاحا لجودتها بقدر اعتمادها على الحملات الإعلانية والإعلامية المكثفة التي تسبقها وتواكبها، لذا يأمل في أن يكون هناك عمل وطني جيد على غرار الأغاني و»الأوبريتات» الوطنية التي شاهدناها قديماً مثل «الوطن الأكبر» و»الجيل الصاعد» والتي حققت صدى كبيراً.

يوافق الناقد د.رفيق الصبان الشناوي ويوضح: «نحن في حاجة إلى جرس من حين الى آخر يوقظ فينا المشاعر التي دفنت على جراحنا، لكننا نحتاج أيضاً إلى شكل فني لائق كما في الأيام القديمة والزمن الأجمل، ونحتاج إلى عمل فني مكتمل وليس مجرد تكرار يتم اجتراره من أعمال أخرى سبقته، لا بد من التجديد وتقديم أوبريت يكون عبارة عن عمل تمثيلي غنائي فيه حوار وإلقاء وألحان وموسيقى خلفية وأغان تتوافق مع سير العمل الدرامي، وليس مجرد أغنية تحتوي على عدد من المقاطع الغنائية».

في هذا الإطار أيضا يقول الموسيقار حلمي بكر صاحب لحن «الحلم العربي»: «الصدق الفني للعمل هو عنوان نجاحه والوصول الى الناس، لكن للأسف الشديد غالبية هذه الأعمال تعتمد على لعبة المتاجرة والمزايدة، وهو ما تؤكده التجارب الأخيرة التي أشبه بـ»صوان للعزاء» ينوحون فيها عن مآسينا. «الأوبريتات» الآن مثلها مثل الأغاني الهابطة، يتصدر الـ»بيزنس» المشهد فيها، وغالباً ما ينكشف هذا العمل سريعاً أمام الجمهور الواعي المتذوق للفن الجيد، والذي يتفاعل معه بمشاعره كلها».

ويعلق بكر على أوبريت «الضمير العربي» بقوله: عندما نفذنا «الحلم العربي» بدأنا بفكرة «الحلم» الذي ينتظره الجميع كدعوة للتفاؤل ولمّ الشمل، أما فكرة اللعب على وتر المشاعر الإنسانية برؤية ما يحدث في الشارع العربي من سفك للدماء والتعبير عنه في كلمات وصورة في هيئة أوبريت غنائي كما هو في «الضمير العربي»، أعتقد أن الناس تشاهد كل هذا على الفضائيات بشكل يومي لذا لا يجب اللعب على هذا الوجع الإنساني .