للمترجم المصري محمد حسن عبد الولي صدرت الترجمة العربية لرائعة الكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبري «الأمير الصغير» The Little Prince.

يخترق «الأمير الصغير ببراءة الأطفال الذات الإنسانية التي حوّلها الكاتب إلى كوكب صغير تارة وكبير تارة أخرى، تختلط فيه رموز الكتابة بين الحرف والتشكيل.

Ad

لا يتوخى الكتاب الأطفال فحسب، بل القرّاء كلهم في كل مكان وزمان، إذ يخاطب العقول بلغة وإيقاع لافتين، فتتحول الكائنات إلى كواكب ونجوم في مدار اللغة والحلم والحقيقة.

«الأمير الصغير» طفل من كوكب آخر، صغير جداً مقارنة بسكان كوكب الأرض، يهبط إلى الأخير لإصلاح عطل في طائرته (كان الراوي/ المؤلف بالمُصادفة يقوم بإصلاح طائرته أيضاً)، وخلال الرحلة يناقش الكبار بمنطقه الطفولي النقي والغريب جداً، ليكشف ويوضح أفكاراً تتعلق بالوجود الإنساني، نابعة في الوقت نفسه من تأملات المؤلف ومعاناته، أفكاراً تتراوح بين ماهية الحب والصداقة والسلطة والعلم والجمال، وهي قضايا يراها أهم بكثير من مشكلات عالم الكبار الساذجة. إنه عالم الطفولة الصادق، وأسئلته وأفكاره الكونية الغريبة والعميقة في آن.

على غلاف الطبعة العربية الخلفي، نقرأ للمترجم عبد الولي: «لعلك قرأت قصة «الأمير الصغير»، تلك الرواية الرائعة التي اختيرت كواحدة من أعظم مئة عمل أدبي ظهر في القرن العشرين. منذ سنين عدة أهدتني صديقتي النمساوية كورنيليا القصة خلال إقامتي القصيرة اللذيذة في فيينا، وحين عدت إلى مصر بدأت قراءتها، فشدتني إليها بساطتها وعمقها وعفوية الأحداث، فوجدتني أُبحر في سماوات بكور الطفولة وبراءتها. سحرني سانت إكزوبري بعالمه الطفولي الساحر، ورَدَّنِي إلى حنين مواطن أوشكتْ أن تندثر في قلوبنا».

ويتابع: «شرعت أحاول مع أميري الصغير ما صنعه «رامي» مع «الخيّام»، وسرت في هذه الطريق الشاقة المُثمرة. سهرت معه أعالج في رفق وتمهل قصته، تغلغلت في نفسه حتى أكاد أزعم أني لامست روحه الشفافة الصافية، جلست مع محبوبي الصغير في الصباح الباكر بين غَبَش العتمة وانبلاج الصباح، تلك السويعات التي لا تزال الروح فيها صافية لم تتلوث بعد بأدران النهار. كنتُ أسمع صديقي «الأمير الصغير» يبثني غرائبه مع عالم الكبار، كنت أُنصت إلى نجواه وشكواه مع محبوبته الوردة الفاتنة المغرورة التي آثرت كتمان حبها لأميري الصغير في طيات أثواب الغرور الساذج حتى رحل عنها صغيري حزيناً مُلتاعاً، ثم صارت تُلهب روحه أشواق اللقاء، أُنصتُ وأُنصتُ، وتشبعت وأحببت... ورحتُ أحاول أن أنقل حكايات صديقي الأمير إليكم، لعلكم تحبونه كما أحببته، وتصادقونه كما صادقته، وتحتفظون في قلوبكم لأميري، محبوبي الصغير، بلذيذ الذكريات».

رغم مرور أكثر من 65 عاماً على إصداره، لا يزال «الأمير الصغير» على قائمة أكثر الكتب مبيعاً حول العالم، وقد تُرجم إلى نحو 160 لغة ولهجة، وحُوّل إلى أفلام كارتونية، ونُقل إلى المسرح، وبيعت منه أكثر من 80 مليون نسخة، رغم أن مؤلفه لم ير الكتاب بين يديه.

كذلك صدرت حوله دراسات كثيرة، أبرزها كتاب عن دار «فلاماريون» في باريس للمؤلف آلان فيركوندوليه، الذي يستعرض الظروف التي صاحبت كتابة الرواية.

ولد دو سانت إكزوبري في ليون بفرنسا عام 1900، ورحل عام 1944، في حادث سقوط طائرته خلال القيام بمهمة استطلاعية في الحرب العالمية الثانية، ولم يتم العثور على رفاته إلا عام 1988. كتب مؤلفات كثيرة أبرزها «أرض البشر، طيار حربي، طيران الليل، أرض للرجال، رسائل الشباب، بريد الجنوب». كذلك صدرت له «الأعمال الكاملة» التي نشرتها «غاليمار» في سلسلة «لا بليّاد».

كانت حياته موزعة بين عشقه الهائل للطيران والكتابة التي لجأ إليها في مراحل حياته الأولى كسباً للعيش. بدأ العمل في رواية «الأمير الصغير» هرباً من المنفى والوحدة والقلق والاغتراب. كان يكتب بحثًا عن طفولته الضائعة، وكانت ساحة العمل شقة صغيرة حملت اسم «منزل الأمير الصغير»، حيث يكتب ويدخن وينام قبيل الفجر، وحكايات الأمير الصغير تشاركه الفراش، مبعثرة من حوله، إلى أن سلمها للناشر عام 1942.