عادت موجة الأغنية الرومنسيّة لتحتل سوق «الكاسيت» أخيراً، بعدما سيطرت الأغاني الإيقاعية والسريعة عليها لفترة طويلة، فبدأ الفنانون يتسابقون في ما بينهم لاختيار الكلمات التي تحاكي الحبيب والألحان التي تلهب بإيقاعاتها قلوب العشّاق.

Ad

إذا عدنا إلى الماضي، نجد أن الأغنية الرومانسية عرفت عصرها الذهبي في الخمسينات من القرن العشرين، وسمعناها بأصوات ام كلثوم، محمد عبد الوهاب، عبدالحليم حافظ، فريد الأطرش، ليلى مراد، أسمهان، وردة، فيروز وميادة الحناوي... كانت مضامينها تعصف بالأحاسيس المرهفة وتحلّق في جوّ من الرومنسيّة الشفّافة. لكن اختلاف العصر الذي أصبح إيقاعه أكثر سرعة، انعكس على الأغنية كونها ترجمة للواقع المعاش، بحسب ما يقول الإختصاصيون في عالم الموسيقى، إلا أن الازمات والحروب والمشاحنات التي تعصف بالمواطن العربي اليوم دفعت بفنانين كثر، خصوصًا اللبنانيين، الى العودة الى الأغنية الرومنسيّة التي يجد فيها الفرد متنفسًا لتفريغ همومه والإرتقاء الى عالم العاطفة الغائبة راهناً.

تعتبر اليسا، التي تربّت على شعر والدها، من أكثر الفنانات حضوراً على الساحة الفنية، يغلب على مجمل أغنياتها الطابع الرومنسي حتى اقترن اسمها بالرومنسية ولقّبها البعض بـ «ملكة الاحساس»... تشير اليسا إلى أن هدفها هو إيصال إحساسها الى الناس من دون ابتذال، وتردّد في أكثر من مناسبة: «أعتقد أنني متفردة تماماً باللون الرومنسي في الغناء وأظن أنني أجيد أداءه لأنني لا أفتعل الرومنسية، فهذه شخصيتي وطبيعتي التي أعبّر عنها في أغنياتي تلقائياً من دون تعمُّد».

إذا راجعنا أرشيف اليسا الغنائي نجد أن الطابع الرومانسي يغلب عليه، كانت «أجمل إحساس» وجه الخير عليها وثبّتتها فنانة متميزة على الساحة الغنائية، كذلك لم يبق عاشق إلا وردّد «حبّك وجع» التي احتلّت المراتب الأولى في بورصة الأغاني فترات طويلة. كانت «لو تعرفوا» المفاجاة الأكبر التي قدمتها اليسا وأكدت من خلالها أنها ملكة الرومنسية من دون منازع، وما زالت تحصد نجاحها حتى اليوم، تقول: «أعتبر هذه الأغنية من أجمل أغاني ألبوم «بستناك»، لهذا أصريت على تصويرها حتى ولو بعد سنة كاملة من ظهور الشريط، لأنها ستعيش في وجدان الناس سواء في الألبوم أو في الكليب».

في المقابل، لا يمكن التحدث عن الأغنية الرومنسية راهنًا من دون التوقف عند فضل شاكر الذي أصبح اسمه مرادفا لكلمة «احساس» ويثبت تاريخه الفني ذلك، غنّى «معقول انساك» و{خدني معك» بمشاركة يارا وغيرهما... أطلق أخيراً أغنيته الأخيرة «روح» التي لاقت رواجًا استثنائيًا لدى الجمهور العربي. يعترف شاكر، المقلّ في إطلالاته الإعلامية، في إحدى حواراته الصحافية أنه ليس مثقّفاً موسيقيًا، إلا أن الغناء موهبة أعطاه إياها الله ويترجمها بإحساسه، يقول: «تتحدث المواضيع التي أقدمها عن الرومنسية والحب، فهذا لوني الذي عُرفت به، وإن حاولت في بعض ألبوماتي السابقة أن أغيِّر {شوي»، كانت النتيجة «شي نجح معي وشي ما نجح».

قائمة

عُرفت باسكال مشعلاني بأدائها الأغنية الشعبية والجبلية مثل «طلب ايدي من اهلي» و{آخد عقلي» و»نور الشمس» وغيرها. على رغم أنها صرحّت سابقا انها تفضّل تقديم الأغنية السريعة والإيقاعية كونها تجاري العصر وتدخل الفرح الى القلوب، إلا أنها غيرت رأيها في الفترة الأخيرة وحاولت تغيير لونها الغنائي بعض الشيء تماشيًا مع زملائها، والاتجاه نحو الأغنية الرومانسية، فكانت أغنيات «اكبر كذبة بحياتي»، «عم يمضى الوقت» وأخيرًا «أنا لما شفتك».

ارتأت الين خلف، التي غابت فترة طويلة عن الساحة الفنية، أن تعود بأغنية «بعدك عل البال» وهي من اللون الرومنسي وتتضمن حالة شجن عالية، صوّرتها فيديو كليبًا، جسّدت خلاله قصة امرأة ارتبطت بعلاقة سابقة وتجهل السبب الذي أدى الى انتهائها، فسعت إلى تغيير حياتها من خلال ثلاثة مشاهد صمِّمت لتروي حالتها النفسية عبر المشاعر وطريقة الغناء. تؤكد خلف أنها تؤيد الأغنية الرومنسية ذات الكلام واللحن المميزين وأن نجاح «بعدك عل البال» والصخب الذي أحدثته بين الناس دليل على أن الأغنية الرومنسية ما زالت ناجحة جدا ومطلوبة بكثرة من المستمعين.

لم تكن أمل حجازي لتشتهر لولا غنائها في بداية مشوارها الفني «زمان» التي كان لها الفضل الأكبر في شهرتها. تقول: «اشتهرت باللون الرومنسي وسأكمل به، لكن هذا لا يمنعني من التنويع في الألوان الغنائية»، وهو ما حصل فعلا، فأدّت حجازي الأغاني السريعة والإيقاعية تاركة مساحة لا بأس بها للأغاني العاطفية الهادئة، فكانت أغنيتها الأخيرة «أحلى ما في الأيام»، إلا أنها لم تلقَ الأصداء نفسها التي لقيتها «زمان» .

لا تنتهي قائمة الفنانين العائدين الى أداء الأغنية الرومنسيّة، ولا ننسى نانسي عجرم في «اللي كان»، مايا نصري في «جايي الوقت»، كارول صقر في «حاكيني»، كارول سماحة في «داعمري»، رامي عياش في «حبيتك انا»، راغب علامة في «بعشقك» وغيرهم.

لا شك في أن الأغنية الرومنسيّة بكلماتها وألحانها تخاطب العقل والقلب وترتقي بنا الى عالم الحب والجمال، ونجاح الأغنيات الرومنسيّة الحديثة دليل صريح على أن عبارة «الجمهور عاوز كده» ليست صحيحة وأن الناس تواقون الى سماع الأغنيات الهادئة والمليئة بالمشاعر والأحاسيس، لكن يبقى السؤال: «الى متى ستستمر هذه الموجة وهل ستبقى الأغنيات الرومنسية منتشرة؟ أم يظل الفنان خاضعًا لشركات الإنتاج التي تركّز على الأغنية الخفيفة والربح الكبير؟