صدر عن دار «الجمل» بيروت ديوان «درة التاج من شعر ابن الحجاج»، اختيار هبه الله بديع الزمان الأسطرالبي (أو الأصطرلابي)، وتحقيق علي جواد الطاهر، بمساهمة من جليل العطية من خلال المراجعة وزيادة الحواشي. ابن الحجاج (الحسين بن أحمد البغدادي، 391هـ / 1001م)، أبرز شعراء المجون و{السخف» في القرن الرابع الهجري، ذكر المؤرخون أن ديوانه كان يقع في عشرة مجلدات، وصلت إلينا منه أجزاء عدة لا تزال مخطوطة، وكان العالم العراقي علي جواد الطاهر حقق «درة التاج من شعر ابن الحجاج»، لهبة الدين الاصطرلابي، كجزء من رسالته العلمية (الدكتوراه) التي نوقشت في جامعة السوربون في باريس (1956).هجا ابن الحجاج المتنبي ومدح الملوك، مثل عضد الدولة وبنيه والوزراء، وله باعٌ طويل في الغزل. أما التفحّش والهجاء، فهو حامل لوائه، والقائم بأعبائه. نال الجوائز، وكان ماجناً، مزاحاً، هجاءً، وخفيف الروح، وله معرفة بالفنون والتاريخ والأخبار واللغات. قيل إنه بعث ديوانه بخط منسوب إلى صاحب مصر، فأجازه بألف دينار. يفتخر بعضهم بأن ابن الحجاج كان من الشيعة، وكأن ولاء الشاعر بالنسبة إليه هو الأساس قبل شعره. يمدح الشريف الرضى الجانب المهذّب من شعر ابن الحجاج بينما ينفي شعره الآخر الماجن الذي يعتبر مصدر شهرته في النسيج الثقافي.لابن الحجاج قصائد ومقطوعات عدة. كان يجمع ما يكتبه في ديوان، ولقيت قصائده إقبالاً عظيماً وانتشرت في البلاد بسرعة فائقة. يقول الثعالبي: «بلغني أن كثيراً ما بيع ديوان شعره بخمسين ديناراً الى سبعين»، بل إن رجلاً تقياً مثل أبي شجاع السهروردي نسخ قصائد ابن الحجاج سبع مرات. يدين ابن الحجاج بشهرته الى شعر السخف، باعتباره نوعاً خاصاً من شعر الهزل. استُعملت كلمة سخف، في البداية، للدلالة على رقعة الثوب أو السحاب. عموماً، تتضمن هذه الكلمة معنى الخفة وانعدام الكثافة. استعملها أيضاً أبي ذر الغفاري، للدلالة على الوهن الذي يستشعره الجائع. حين يقول الأصمعي عن شعر ابن العباس بن الأحنف إنه «سخيف اللفظ» فواضح أنه ينتقد أسلوبه، وبالتحديد، الطابع النثري الذي يغلب على قصائده.حماقةفي العصر الأموي، نجد صاحب الأغنيات أبو الفرج الأصفهاني ينعت شعر ابن عبدل بالسخيف. يعود ذلك الى أن ذلك الشعر طابعه فاحش ولاأخلاقي. لكن ليس مستحيلاً أن يكون المقصود بذلك النعت الأسلوب وليس المضمون.خلال القرن الرابع للهجرة، أصبحت كلمة «سخف» محصورة في الجانب الأخلاقي: فهي تشير، إما الى اعتماد الكلام الفاحش الذي يثير الضحك أو الاستهجان، أو الى مضمون محدد، كما هي الحال في نقد الصاحب بن عباد لبيت المتنبي.فحش المضمون هو ما يعنيه نقاد مثل الثعالبي حين يتكلم عن شعراء مثل إبن سكره او ابن الحجاج والقصار، وبحسب مقدمة ديوان ابن الحجاج، فإن شعره هو الذي يستحق هذه التسمية. السخف كما يتبدى من شعره، يشمل التفحش والتحامق والسخرية اللاامتثالية.كذلك يرتبط السخف بوقائع ذات طابع جنسي. وواضح أن ابن الحجاج مهووس بهذا الصنف من الوقائع. من باب الدعابة يؤنس الأمور الباهية ويجعلها تتكلم وتغني، فهو يبتعد عن البذاءة في ميله الى الدعابة التي تنتهي الى القهقهة الصاخبة، مستخدماً معجماً تتراوح ألفاظه بين الأكثر كلاسيكية والأشد بذاءة. لا يبدو أنّ ابن الحجاج كان يهتم بالقيمة الشعرية للكلمات بقدر ما كان يعتبر أنّ أياً منها يوظف في القصيدة. لاحظ الثعالبي أن ألفاظه «مشوبة بلغات الخلديين والمكديين وأهل الشطارة».
توابل - ثقافات
درة التاج من شعر ابن الحجاج... شعر السُّخف!
17-11-2008