على طريقة « تحبني... لا تحبني»، لم يكن المعنيّون فعلاً بالشراكة السورية-الأوروبية قادرين على التأكّد من مصير هذا المسار، وبتعبير «المعنيّون فعلاً» لا أقصد هنا الحكومة، بل أولئك الذين سوف تنعكس هذه الشراكة بعمق على أعمالهم وحياتهم.يُقال إن التوقيع الأوليّ بين ممثّلي المفوضية الأوروبية والحكومة السورية سيتمّ في الرابع عشر من هذا الشهر، وهذا التاريخ سوف يكون سابقاً على موعد نشر هذه المقالة، وإن تمّ هذا الأمر عملياً، فسوف يحتاج أيضاً إلى مسارٍ معقّد لاعتماده من قبل الدول التي تشكّل الاتحاد الأوروبي كلاًّ على حدة، لكن توقيعه الأوليّ هذا مرحلة رئيسة، وينبغي التوقّف عنده قليلاً، من زوايا معيّنة، قد لا يكون الاقتصاد المجرد صبغتها الأساسية. في السلطة والمعارضة، في الصناعة والتجارة، هنالك من يقف مع هذا المسار ومن هو غير مرتاح إليه أو لا يرغب فيه، ولكلٍّ منهم أسبابه التي تتركّز على السياسة فتخطئ في الاقتصاد، وتتركّز على الاقتصاد فتخطئ في السياسة، ولو انطلق الناظر في الأمر من علم الاجتماع لأصاب في موقفه، من أي جهة من الجهتين نظر. ولدى الأوروبيين مثل هذا التنوع في الموقف أيضاً، فبعضهم يرى في بلادٍ ضعيفة التطور عبئاً عليه لا يرغب في تحمّله، ولا يريد أن يتنازل عن شيء من ميزاته المباشرة من أجل مردودٍ غير مضمون في مستقبل أبعد.تنطلق اتفاقية الشراكة من رغبة في «تأسيس وتطوير حوار سياسي منتظم في المسائل الثنائية والدولية ذات الاهتمام المشترك» وإدراك للفروق في مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي بين الجماعة وسورية، ورغبة «في العمل معاً لتخطي هذه الاختلافات والوصول إلى أهداف الشراكة» وهي، بعد تحديد الأهداف في المادة الأولى، تُفرد مادة خاصة «الثانية» تقول فيها: «سوف يلهم احترام المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان السياسات المحلية والخارجية للطرفين وسوف تشكّل عنصراً جوهرياً من هذه الاتفاقية».من حيث منطقها وجوهرها، تركّز الشراكة الأوربية المتوسطية «أو عملية برشلونة» على ثلاثة أهداف أساسية، أصبح من المعتاد الإشارة إليها كفصول أو سلال:- إنشاء منطقة سلام واستقرار مبنية على أساس احترام حقوق الإنسان والديمقراطية (شراكة السياسة والاستقرار أو «السلة الأولى»).- تأسيس منطقة للازدهار المشترك عبر إنشاء يتقدم تدريجياً نحو منطقة تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبي والأطراف المتوسطيين وما بين الأطراف نفسها (الشراكة الاقتصادية والمالية «السلة الثانية»).- تحسين الفهم المشترك ما بين شعوب المنطقة وتطوّر مجتمع مدني مزدهر (الشراكة الثقافية والاجتماعية والإنسانية «السلة الثالثة»).فيبدو لنا أن جمع السّلال الثلاث في سياسة واحدة، يؤمّن أساساً مضموناً لقطف ثمار الشراكة بتكامل إيجابي ليس على المدى البعيد فحسب، بل على المديين المتوسّط والمباشر العمليّ القريب أيضاً. ذلك صحيح، رغم أن هنالك كثيرين لا ينظرون إلى الأمر إلاّ من خلال انعكاساته السياسية المباشرة هذه، وأحياناً على أساس المكاسب الآنية للطرف المعني، أو حرمان الخصم من أي نتائج مشابهة، وهذه أخطاء شائعة في بلادنا.بطريقة أخرى: تتيح الخبرة بالنظام السوري لنا أن ندرك أن هدفه المستعجل من هذا المسار هو ضمان «استقراره» بعد تجربة مريرة مرّ فيها في الأعوام القليلة الماضية حتى الآن. مثل هذا الإدراك هو الذي يدفع ببعض المعارضين إلى حالة من التوتّر والغضب من تراجع الاتحاد الأوروبي وعودته إلى طريق الحوار وتسهيل تمرير اتفاق الشراكة.إلاّ أن الوعاء الذي يشمل أكثر أطراف المعارضة الديمقراطية في داخل سورية وهو «إعلان دمشق»، قد أكّد في أوائل سبتمبر الماضي بكامل الوضوح أنه لم يكن في نهجه «وليس من أهدافه تعزيز عزلة النظام ومحاصرته، بل إن مشروعه الديمقراطي يركّز أساساً على الدفع نحو انفتاح النظام على الشعب السوري قبل أو بالتزامن مع انفتاحه المطلوب على العرب والعالم، خصوصاً أن تجارب الحصار السابقة قد علّمتنا أن الشعوب هي التي تتضرر منها أولاً وأخيراً، وليست الأنظمة الاستبدادية وحدها، كما أن الانتقال بسورية نحو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان سيبقى هدفاً ثابتاً للشعب السوري والمعارضة الوطنية الديمقراطية بغضّ النظر عمّا ستؤول إليه حالة الانفتاح الجارية، خصوصاً إذا لم تنعكس فعلياً في الواقع السوري. وهذا تقدم في الوعي وممارسة السياسة لا يركّز على جراح «الآخر» أو تغرق في جراحها الخاصة القديمة، فمادام لنا أكثر من سلتين من سلالٍ ثلاث في اتفاق الشراكة، فأهلاً بها وسهلاً.لكن هذا لا يعني الكفّ عن الضغط من أجل ما يهمّنا. * كاتب سوري
مقالات
سورية وسلال اتفاق الشراكة
16-12-2008