أعلن زعماء الانفصاليين الكشميريين في نوفمبر 2003 أثناء صلاة الجمعة في المسجد الرئيسي بمدينة سرينجار العاصمة الصيفية للشطر الهندي من كشمير أنهم طرحوا «خريطة طريق» لحل الأزمة القائمة منذ وقت طويل، وأوضحوا أنهم صاغوا خطتهم الجديدة بعد مباحثات مطولة جرت بينهم، وقال عبد الغني بهت المتحدث باسم تحالف «مؤتمر حريات» أمام جمع المصلين «سنعرض خطتنا على العالم لنحصل على تأييد المجتمع الدولي، وسنعرض الخطة بعد ذلك على كل من الهند وباكستان» غير أنه لم يشرح تفاصيل خطته الجديدة التي صرح بها، كما صرح في حينها رجل الدين الكشميري وأحد زعماء الانفصاليين مير واز عمر فاروق بأنه مستعد للحوار بشرط أن توجه له الدعوة رسميا للمشاركة، وبأنه سيطرح وجهة نظر الكشميريين، وفي المقابل رفض المتشددون في الحركات الانفصالية الأخرى والجماعات التي تقاتل الحكومة الهندية في كشمير اقتراح فتح باب الحوار برمته، وفي الوقت نفسه شددت الهند على أنه لا مكان لباكستان في المحادثات المقترحة فيما رفض الانفصاليون وإسلام آباد ذلك الموقف الهندي.

ووصفت الهند مسألة كشمير بأنها مشكلة داخلية وتمس الوحدة الهندية، كما اتهمت باكستان بأنها تشعل فتيل العنف في كشمير، ومن جانبها نفت إسلام آباد اتهامها بأنها تدعم الناشطين الكشميريين، مؤكدة أنها تمدهم بدعم دبلوماسي ومعنوي فقط!!

Ad

يذكر أن مشكلة كشمير كانت سببا في إشعال فتيل حربين من الحروب الثلاث 47-48، 67، 1971، التي اندلعت بين الهند وباكستان، وفي وقت كان يحاول فيه الكشميريون الحصول على حق تقرير المصير، إما بالانضمام الطوعي الكامل والاختيار الحر مع باكستان وإما بإعطائهم حكما ذاتيا واسعا إذا لم يوافق الطرفان على قيام دولة مستقلة.

وبسبب هذا التعنت في المواقف شهدت كشمير دائما فترات صدام مستمرة وفترة هدوء سلمي وهدنة نسبية حتى يأخذ الحوار السياسي طريقه، غير أنه سرعان ما يفشل ويعود التوتر للسطح واشتعال فتيل الحرب، ففي حقبة الحرب الباردة تنازعت قضية كشمير الإشكاليات الإقليمية والدولية في الصراع وانعكس على واقعها ومصيرها، لهذا ترفض الهند استئناف المحادثات بشأن كشمير دائما قائلة إن باكستان عليها إن توقف أولا تدريب ودعم المتشددين، الذين ينفذون هجمات على الجزء الواقع تحت سيطرة الهند من كشمير، ولكن الرحلات الجوية المباشرة بين الهند وباكستان تم استئنافها في أوائل يناير 2004، وقد كانت نتيجة اتفاق بين البلدين، بالسماح بتحليق طائرات كل من البلدين في أجواء البلد الآخر بعد حظر دام سنتين بين الجارتين النوويتين.

وقد قال برويز مشرف إن هذه الخطوة تعد إشارة على حسن النوايا، حيث تسبب الحظر بخسارة مالية للخطوط الجوية الهندية نتيجة اضطرار الرحلات المتوجهة إلى منطقة وسط آسيا وأوروبا إلى الانعطاف عن مسارها مدة ساعتين، وجاء هذا الإعلان بعد أيام من اتفاق البلدين على وقف لإطلاق النار على طول خط المراقبة الذي يفصل بين الجزء الواقع تحت سيطرة الهند من كشمير والجزء الواقع تحت سيطرة باكستان منذ اندلاع الحرب الباكستانية الهندية الأولى عام 47-48 بسبب قضية كشمير، إذ رغبت كلتا الدولتين في السيطرة على تلك المنطقة الاستراتيجية المهمة، وانتهت الحرب بتقسيم كشمير، فيما بات يعرف الآن بولاية جامو وكشمير الخاضعة للسيادة الهندية وآزاد كشمير (كشمير الحرة) التابعة لباكستان.

وفي لقاء مهم مع نظرائه الهنود، أضاف مشرف أن باكستان كانت مخلصة في جهودها لإحلال السلام في المنطقة، وعبّر عن أمله في أن يؤدي الدفء في العلاقة بينهما إلى حل جميع النزاعات بين الجانبين، لكنه أكد في الوقت نفسه أن باكستان ربطت السلام بالاحترام المتبادل والكرامة والمساواة المطلقة، وبأنه من الضروري العودة إلى التطبيع بين البلدين لبناء الثقة والسلام في المنطقة.

في أبريل من العام 2003 بادر رئيس الوزراء الهندي إيتال بيهاري فاجبايي إلى عملية التطبيع، في حين دعت باكستان رئيس الوزراء الهندي فاجبايي لعقد قمة إقليمية في إسلام آباد في العام 2004، وكان البلدان تبادلا الحظر بعد هجوم على مبنى البرلمان الهندي اتهمت نيودلهي انفصاليين من كشمير مدعومين من قبل باكستان بارتكابه، مما أعاد إلى البلدين أجواء التوتر وتراشق الاتهامات، فكان ذلك التوتر يسعد قلوب المتعصبين والمتشددين في البلدين.

وقد رحبت الأمم المتحدة وواشنطن بعرض باكستان بشأن مشكلة كشمير، واعتبرته عرضا تاريخيا، حيث قدم الرئيس الباكستاني برويز مشرف في منتصف ديسمبر 2003 عرضا يقضي بتنحية مطلب إسلام آباد بشأن إجراء استفتاء في كشمير المتنازع عليها، وربما يمثل هذا الإعلان خروجا عن الموقف الباكستاني الثابت بضرورة إجراء استفتاء يقرر فيه الكشميريون ما إذا كانوا يريدون الانضمام إلى الهند أم باكستان... إذ من المعروف أن الأمم المتحدة أصدرت قرارات تدعو إلى إجراء استفتاء لتسوية النزاع، بين بلدين بات كلاهما أخيرا يمتلك قدرات نووية، وخاضتا حربين من بين ثلاث حروب بينهما على كشمير المقسمة، واعتبر في حينها ريتشارد باوتشار المتحدث باسم الخارجية الأميركية السابق أن -العرض الباكستاني- خطوة ستساعد الجانبين على تحريك عملية السلام، وأكد المسؤول الأميركي «أن التخلي عن مطلب إجراء استفتاء لتقرير مصير كشمير يعد خطوة بناءة».

من جهة أخرى قال كوفي أنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة «إنه سعيد جدا ومتفائل بالمبادرات الأخيرة من قبل كل من الهند وباكستان، وإنه لن يتم التوصل إلى حل لهذه القضية إلا عبر التعاون وإظهار المرونة وسعة الأفق»، فهل تشهد كشمير حلا على يد الأمين العام الجديد أم ستبقى كشمير معلقة لعقود أخرى دون حل، وكل ما تحصده هو تبدل في الأمناء العامين للمنظمة؟

* كاتب بحريني