إن كانت الولايات المتحدة تعتزم مع الإدارة الجديدة، سواء فاز أوباما أو ماكين، كفَّ أيديها عن أصدقائها العرب وعدم الدفع في اتجاه الديمقراطية وترغب في إخراج عنصر الضغط الشعبي الوحيد المتمثل في تيارات المعارضة من المعادلة خوفاً من تداعيات مشاركتها في اللعبة السياسية، فما دوافع بل محفزات نظم الحكم للإقدام على بناء دولة المؤسسات وحكم القانون؟ جمعتني خلال الأيام القليلة الماضية سلسلة من اللقاءات مع مستشارين سياسيين وأكاديميين قريبين من حملتي أوباما وماكين ومهتمين بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي جاءت حصيلتها مخيبة للآمال.فالقناعة الراجحة داخل الحملتين ترى في التحول الديمقراطي عربياً حلماً عصي التحقق لا تستطيع الولايات المتحدة تحمل تكلفته الباهظة. أفرد مَن التقيت جميعهم مساحة زمنية واسعة للتشديد على أن الديمقراطية هي عملية شاملة تستدعي تقدماً اقتصادياً واجتماعياً وتنبني على مؤسسات دولة حديثة ورابطة مواطنة عصرية ومجتمع مدني علماني يحيَّد الولاءات الأولية من دينية وعرقية. وذلك كله، كما يرون، بين غياب شامل أو ضعف بيَّن في المجتمعات العربية. أشاروا أيضاً إلى أن آلية الانتخابات غير صالحة لإنجاز التحول الديمقراطي إن لم تتوافر الشروط السابقة، بل ربما سمحت لقوى دينية متطرفة باختطاف مجتمعاتها والانقلاب على الآلية الديمقراطية التي أتت بها لقلب اللعبة السياسية ثم الدفع في اتجاه حكم رجال الدين.أما الاستراتيجية المقترحة من حملتي أوباما وماكين، فهي أن ترفع الولايات المتحدة يدها العقابية عن مسألة الديمقراطية بأن تكف عن الضغط على نظم الحكم السلطوية الصديقة سواء في المغرب ومصر أم في الأردن واليمن، خوفاً من زعزعة استقرارها في لحظة إقليمية شديدة الدقة (ملفات إيران والعراق والحرب على الإرهاب والقضية الفلسطينية)، وأن تعمل واشنطن في ما دون ذلك على إقناع النخب العربية بأهمية التحول الديمقراطي التدرجي عن طريق بناء دولة المؤسسات وحكم القانون وبلورة رابطة المواطنة العصرية وتمكين القوى المدنية من التطور لمواجهة التغلغل الديني.المحبط في هذه القراءة هو قصورها المنهجي والسياسي. فإن كانت الولايات المتحدة تعتزم مع الإدارة الجديدة كف أيديها عن أصدقائها العرب وعدم الدفع في اتجاه الديمقراطية وترغب في إخراج عنصر الضغط الشعبي الوحيد المتمثل في تيارات المعارضة من المعادلة خوفاً من تداعيات مشاركتها في اللعبة السياسية، فما دوافع بل محفزات نظم الحكم للإقدام على بناء دولة المؤسسات وحكم القانون؟ هل يأمل أوباما أو ماكين في لحظة استنارة يمر بها الحكام أم يعولان على نخب اختُبرت على مدار حقب زمنية طويلة وفشلت في إنجاز تحول نحو مواطنة عصرية ومجتمع مدني قوي؟ وإن قيل إن دبلوماسية الحوار هي الأداة الأمضى في إقناع النظم السلطوية بحتمية الإصلاح التدريجي المنظم، فأين هي أدوات الولايات المتحدة للإقناع الحواري؟ حول هذه القضايا كلها لا موقف للحملتين الرئاسيتين سوى الصمت التام.تدلل خبرة الديمقراطيات المستقرة اليوم، سواء في الغرب أم خارجه من الهند إلى البرازيل، على أن حكم القانون والمواطنة العصرية ليس لهما أن يتطورا إن غابت التعددية السياسية واحتكرت نخب بعينها السلطة وحالت دون تداولها. يستند حكم القانون إلى الفصل بين سلطات الدولة الثلاث وحياد المؤسسات العامة ومسؤولية الحاكم وإمكان محاسبته كمضامين أساسية تقتضي لتفعيلها على أرض الواقع وجود نخب بديلة وحكومات ظِل تراقب وتسائل.تلك هي الخبرة العالمية التي روَّجت لها الولايات المتحدة طويلاً ولم تختلف بشأنها الإدارات الديمقراطية عن الجمهورية، فلماذا التخلي عنها حين تناقش فرص الديمقراطية عربياً؟ هي حماية المصالح الإقليمية الحيوية بكل تأكيد، من تأمين النفط إلى أمن إسرائيل وتحجيم إيران، والخوف من تداعيات تحولات ديمقراطية عربية عليها.* كبير باحثين بمؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي
مقالات
حول أوباما وماكين
28-07-2008