للتدليل على استفادتي الشخصية من تعليقات القراء حول مقالي عن «حزب الله»، فقد ذهب أحد المعلقين الذي لم يستسغ المقال على الإطلاق، إلى أنني أُكثِر من استخدام كلمات «السياق» و«تروم» و«المقاربة» بصورة غير مبررة الأمر الذي دفعني إلى إعادة قراءة بعض مما كتبت للصحافة وثبت لي صحة وجهة نظر القارئ.

Ad

حسناً تفعل اليوم العديد من الصحف العربية والجرائد والمنتديات الإلكترونية بإتاحة الفرصة لقرائها للتعليق على ما ينشر بها من مواد إخبارية ومقالات رأي وأعمدة. ومن واقع المتابعة الدورية لتعليقات القراء العرب على قضايا السياسة الداخلية والخارجية بعالمنا، تبلورت لدي ثلاثة انطباعات أحاول في ما يلي صياغتها أملاً في التواصل المباشر مع القراء:

أولاً، القراء العرب أكثر اهتماماً ودرايةً بشؤون مجتمعاتهم الداخلية إذا ما قورنت بالأحداث الإقليمية والدولية، والأمر لا يقتصر على المعيار الكمي، أي عدد التعليقات، بل يمتد إلى معايير كيفية أبرزها تنوع الأفكار المطروحة بالتعليقات الواردة على الشؤون الداخلية ودقتها وابتعاد الكثير منها عن التعميم، وكذلك عن مواقف الـ«مع» و«الضد» الحدية (مع النظم أو ضدها، ضد المعارضات أو معهم). وعلى الرغم من أن القراء العرب هنا ليسوا استثناء من قاعدة أولوية الداخلي على الخارجي المعروفة لجميع المشتغلين بالصحافة، إلا أن الشعور العام بأزمات مستمرة تمر بها المجتمعات العربية سواء في العراق أو لبنان أو فلسطين أو مصر يدفع ولا شك للمزيد من الاهتمام بالداخل والتفكير بسبل الحل ومداخل التغير بعيداً عن القوالب الجاهزة.

استمتعت بالفعل بمطالعة تعليقات العراقيين على أحداث البصرة الأخيرة واللبنانيين على مفاوضات ثم اتفاق الدوحة والمصريين على طوابير الخبر والإضرابات المتكررة وتعلمت منها الكثير.

ثانياً، وعلى نقيض ما سبق، غالباً ما تتسم التعليقات على الأحداث الإقليمية والدولية بصبغة تعميمية وأيديولوجية تحول دون تخطي ثنائيات مع-ضد. على سبيل المثال، جاء مجمل تعليقات غير الفلسطينيين حول القضية الفلسطينية والممارسات الإسرائيلية وغير العراقيين حول العراق وتعليقات الجميع حول سياسات الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط شديد الحدية وتواترت بين ثناياها مقولات التخوين واتهامات العمالة ضد بعض الكتاب بل بعض القراء المعلقين. وبلغ الطابع الحدي مداه في التعليقات على الأحداث الأخيرة التي عصفت بلبنان وبها اختزل الأمر عند البعض إلى دفاع مستميت عن «حزب الله» وتخوين لكل من تجرأ على انتقاد استخدامه لسلاح المقاومة بالصراع الداخلي (وكنت أنا من بين من اتهموا بالخيانة والعمالة للولايات المتحدة علماً بأنني أعمل في مؤسسة بحثية خاصة مشهود لها بالموضوعية) أو انقلب عند البعض الآخر إلى هجوم طائفي الهوى على الحزب بتصويره كأداة إيرانية-شيعية لإخضاع العرب السنة. وفي الحالتين غابت الموضوعية والقدرة على التعاطي بتسامح مع الرأي الآخر، وقناعتي أن واجبنا ككتاب (فالبعض للأسف الشديد انزلق إلى خانات خطاب التخوين البغيض) وقراء أن نرتقي بنقاشاتنا للأحداث الإقليمية والدولية بحثاً عن الدقة في الوصف والتنوع في الرأي الحاضرين حين التحاور حول الشؤون الداخلية. فالشيء الوحيد المؤكد هو أن أياً منا لا يحتكر الحقيقة كاملة.

ثالثاً، يثري القراء النقاش العام ويسدون في نفس الوقت خدمة جليلة للكتّاب. تساعدنا التعليقات على اكتشاف أوجه القصور في تحليلاتنا، كما أنها تنقل لنا صورة واضحة عن اهتمامات القراء وتساؤلاتهم، وكذلك اتجاهات الرأي العام، وللتدليل على استفادتي الشخصية أشير إلى أصداء مقالي في الأسبوع الماضي حول «حزب الله»، فقد ذهب أحد المعلقين، والرجل لم يستسغ المقال على الإطلاق، إلى أنني أُكثِر من استخدام كلمات «السياق» و«تروم» و«المقاربة» بصورة غير مبررة الأمر الذي دفعني إلى إعادة قراءة بعض مما كتبت للصحافة وثبت لي صحة وجهة نظر القارئ. وهو أن وجد بنفسه صبراً على قراءة هذا المقال لن يجد أياً من كلماته الثلاث مستخدمة. هكذا نتعلم منكم أعزائي القراء فشكراً لكم.

* كبير باحثين بمؤسسة كارنيغي- واشنطن