سيحتفل الفلسطينيون وحدهم بالقدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009، أو بالأحرى ما تبقى منهم في المدينة، بعد أن قاطع المثقفون العرب هذه المناسبة، وفي ظل استمرار سياسة قوات الاحتلال الإسرائيلية القمعية في القدس، إذ ألغت عدداً من التحضيرات للاحتفاء بهذه الفاعلية واعتقلت بعض القيّمين عليها... هل تستطيع عاصمة فلسطين المحتلة أن تكون عاصمة الثقافة العربية، وهل ينجح الفلسطينيون في إحياء هذه المناسبة كما هو مقرّر في يناير (كانون الثاني) المقبل؟ لم تكتمل فرحة الفلسطينيين بحصول عاصمتهم على لقب ثقافي رمزي يجمعهم بالعرب، هذه الفرحة نغّصها عدم اكتمال إجماع المثقفين العرب للمشاركة في هذه المناسبة قبل أن يفسدها الاحتلال الإسرائيلي. إذ رفض معظم المثقفين الذهاب الى هذا الاحتفال باعتبار مشاركتهم «تطبيعاً» مع إسرائيل، غير آبهين بأن هذه الاحتفالية هي للقدس وليس بالقدس. وما قالته وزيرة الثقافة الفلسطينية تهاني أبو دقة بأن «زيارة القدس ليست تطبيعاً لأن من يزور السجين لا يتطبّع بالضرورة مع سجّانه»، وبالإضافة الى نداءاتها المتكررة للمثقفين وإصرارها على أن حضورهم سينجّح المناسبة ويغيّر مفهوم التطبيع الخاطئ، ذلك كله لم يثنهم عن المقاطعة، فأعلن رئيس اتحاد الكتّاب والأدباء العرب محمد سلماوي رفض الاتحاد مشاركة أي مثقف عربي في الاحتفالات التي ستقام في الأراضي الفلسطينية المحتلة بمناسبة اختيار القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009. وقال في بيان أصدره باسم الاتحاد إن «الاتحاد يهيب بالمثقفين على امتداد الوطن العربى المشاركة في فاعليات الاتحادات العربية والمؤسسات الثقافية الخاصة بالقدس، وأن يظلوا على قناعاتهم الوطنية بعدم التطبيع مع إسرائيل، رافضين وجودهم على الأرض نفسها مع الاحتلال الصهيوني في أي جزء من الوطن العربي». وكشف سلماوي أن الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب ألزم أعضاءه خلال اجتماعات مكتبه الدائم في تونس في يوليو (تموز) الفائت إقامة أنشطة ثقافية في بلدانهم احتفالاً بالقدس كعاصمة للثقافة العربية عام 2009، وربما رأى سلماوي أن هذه الخطوة سترضي الفلسطينيين من جهة وتبعد تهمة التطبيع عن المثقفين العرب من جهة أخرى. وفي الوقت الذي حسم فيه سلماوي المشاركة بالرفض الكامل بحجة عدم التطبيع مع اسرائيل فإنه لا يزال يشغل منصبيْن رسمييْن في الدولة المصرية المطبّعة مع إسرائيل، فهو أحد وكلاء وزير الثقافة المصري فاروق حسني ويشغل منصب رئيس تحرير «الأهرام أبدو» الناطقة بالفرنسية، علماً أن رئاسة تحرير الصحف المملوكة لمجلس الشورى تتم بقرار من رئيس الجمهورية باعتبار أن رؤساء تحرير هذه الصحف موظفين في الدولة أو لديها. قيد النقاش لم يحسم جميع المثقفين العرب موقفهم من المشاركة بعد، كما يعكس بيان اتحاد الكتّاب والأدباء العرب، فانقسموا بين مستعدّ للذهاب الى القدس وبين رافض وآخر لم يتخذ قراره بعد. فريق من الأدباء رأى أن لا مشكلة في المشاركة والذهاب إلى القدس، حتى لو استلزم الأمر الحصول على تأشيرة دخول إسرائيلية، معتبراً أن المقاطعة لم يعد لها تأثير. فيما رأى مثقفون مقاطعون أنه على رغم أن اختيار وزراء الثقافة العرب القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009، قرار صائب، إلا أن توجيه مثل هذه الدعوة لهم للمشاركة هو إهانة للمثقفين والأدباء العرب. ويبقى قرار المشاركة غير الواضح لدى معظم المثقفين العرب الذين وضعوا موقفهم «قيد النقاش». مواقف المثقفين هذه، غير الواضحة في مجملها، جاءت بعد إعلان القدس عاصمة الثقافة العربية 2009، بمبادرة نالت الإجماع العربي أثناء دورة مجلس وزراء الثقافة العرب الخامسة عشرة في مسقط عام 2006، بعد أن طلب وزير الثقافة العراقي تأجيل دور بغداد كعاصمة للثقافة العربية إلى العام 2013، نظراً الى الظروف التي تمر بها المدينة، وعقب ذلك، بادر وزير الثقافة الفلسطيني آنذاك، د. عطا الله أبو السبح مباشرةً إلى اقتراح تبنّي القدس عاصمةً للثقافة العربية لعام 2009، فوافق الحضور بالإجماع على نقل شعلة الثقافة العربية من عاصمة محتلة الى أخرى محتلة أيضاً، وفي كلا الحالتين كانت نيران هذه الشعلة مهددة بالاحتلال والرصاص والمدافع والدبابات.قرار متسرّعأما مدينة القدس فتحدّت احتلالها من خلال اختيارها عاصمة الثقافة العربية لعام 2009، وإصرارها على إقامة فاعلياتها على رغم أن قوات الاحتلال لم تتأخر عن مهاجمة الاحتفالية بعد أن توعّد وزير الجيش الإسرائيلي بـ»عدم السماح بإجرائها».أولى المبادرات الإسرائيلية كانت منع مدير الاحتفالية باسم المصري، الذي ذهب الى الأردن، من العودة الى الأراضي الفلسطينية بعد أن كان دخل الضفة الغربية بتأشيرة دخول إسرائيلية. وفي ظل هذه الممارسات يرى بعض المثقفين أن ترتيبات الاحتفالية لا تسير على ما يرام، خصوصاً بعد مقاطعة المثقفين العرب الحدث، فيما يعتقد آخرون أن قبول فلسطين أصلاً تنظيم هذه الاحتفالية خطأ بعينه لأن الظروف الميدانية لا تسمح لهم حتى بدخول القدس المحاصرة بجدار عنصري والمحاطة بحواجز ومستوطنات وإجراءات إسرائيلية تعيق عمل المؤسسات الفلسطينية العاملة فيها.بغض النظر عما اذا كان إعلان القدس عاصمة الثقافة العربية قراراً {صائباً» أم «خاطئاً»، فإن وزيرة الثقافة الفلسطينية وصفته في حديث لها بـ{القرار المتسرّع» قائلةً: «تحميلنا هذه المسؤولية ونحن نعيش في ظل الاحتلال، وفي ظل ما تشهده المنطقة من عدم استقرار سياسي كان قراراً متسرّعاً»، وعلى رغم الصعوبات التي تواجهها الوزارة في تنظيم الاحتفالية وإطلاقها في موعدها المقرر في 19 يناير (كانون الثاني) 2009 أعلنت أبو دقة أن الفلسطينيين مصرّون على إحياء هذه المناسبة وإنجاحها لأنها أمست تحدياً حقيقياً أمامهم، واختتمت حديثها قائلة: «نحن لا نتحدث عن عمل خارق سنقوم به. ثمة ظروف سياسية صعبة جداً لا نُحسد عليها، لكن لا بد من الاحتفال بالقدس عاصمة الثقافة العربية وإشراك العرب معنا في ذلك». وهذا ما يوافقها عليه عدد من المثقفين الفلسطينيين الذين رأوا أن الاحتفالية بالقدس جزء من دعم الصمود الفلسطيني وتأكيد على أن القدس عاصمة فلسطين، وأن اختيارها عاصمة الثقافة العربية هو بمثابة إعادة مكانتها التاريخية والثقافية الى الصدارة.
توابل - ثقافات
المثقّفون أعلنوها عاصمة وقاطعوها القدس عاصمة الثقافة العربيّة لعام 2009... مصير مجهول!
03-12-2008