لم يكُن تعامل الحكومة مع مطالب القضاة عادلاً، وأكثر من هذا لم يكُن لائقاً تعاطيها مع السلطة القضائية التي بيدها ميزان العدالة وضمان أمن المواطن وطمأنينته.

Ad

إن العدل أساس المُلْك، ولا يستقيم حكم بلا عدالة، وحكومات الظلم ودوله لم تدُم، يذكرها التاريخ كتجارب سادت وأبادت ثم بادت.

وإذا كان منوطاً بالقضاة رفع الظلم عن الناس وحماية حقوقهم وضمان سواسية التعامل بينهم، فمن منوط به صيانة حقوق القضاة وحفظها، غير الحكومة والمؤسسة التشريعية التي لم تعِرهم هي الأخرى أي اهتمام؟

إنها سابقة نادرة أن نسمع عن قضاة يلجأون إلى المحاكم لتحقيق مطالبهم، أو أن يلجأوا إلى التصعيد بدرجاته المختلفة حتى يلتفت المسؤولون إلى تلك المطالب ويعطوها حقها من الاهتمام والنظر.

تلك سابقة نادرة وخطيرة، وسببها أننا أمام حكومة لا تُبادر ولا تستمع إلى المطالب بغير قنوات التصعيد وأدواته، فها هي الآن رضخت ووعدت ببحث مطالب السلك القضائي، شريطة أن يسحب القضاة دعواهم المرفوعة ضد رئيس الوزراء.

فما لسان حال بقية قطاعات المجتمع وشرائحه إذا كان القضاة لا ينالون مطالبهم بغير التصعيد والدعاوى القضائية؟! ولماذا تضع الحكومة نفسها في هذا الموقع، وتكون هي الداعي والمشجع على التصعيد واللجوء إلى المحاكم، ثم تعِد بحل المشكلة؟، بل لماذا لا تُبادر وتدرس من خلال وزرائها وأجهزتها أوضاع القطاعات التابعة لها وتكون مبادِرةً وليست مجبرة أو مُلزَمة؟

إن أسلوب التسويات الذي نهجته الحكومة مع مجلس الأمة أصبح منهجاً عاماً، تعمل به مع كل القطاعات. فمع المجلس مطلوب سحب الاستجواب حتى تتحقق المطالب. ومع أجهزتها التابعة مطلوب سحب الدعاوى أو وقف التصعيد، ثم يتم تحقيق ما هو مطلوب. ولا نظن أنه أسلوب ناجح لإدارة دولة، لأن قوام أي دولة هو مبادرة الحكم التي تترجمها الحكومة بالتنفيذ والمتابعة. ونحن على ثقة بأن الحكم حريص كل الحرص على أن تنعم قطاعات المجتمع وشرائحه كافة بحقوقها كاملة بإنصاف وتقدير.

بالأمس كانت مطالب المدرسين والأطباء والمهندسين ورجال الإطفاء وغيرهم، واليوم جاء القضاة... فمَنْ القادم غداً؟!

الجريدة