القفز على المؤسسات ومواد الدستور والأعراف الإدارية والفنية كلها فيه الكثير من الريبة. صحيح أن هناك مسؤولية سياسية تقع على منصب رئيس مجلس الوزراء بحكم منصبه، لكن استعمالها بهذا التعسف يضعنا أمام انفلات دولة المؤسسات ومركزية إدارة الدولة.

Ad

الهجوم الشرس على رئيس مجلس الوزراء ومن جبهات عدة وبتناغم غير مسبوق وبوتيرة تصاعدية، يؤكد لنا أن القضية ليست تقصيرا في أداء وزير أو عدم استحقاقه للوزارة، ولكنها تبدو وكأن الديمقراطية لا تحلو ولا تكتمل إلا بإقالة رئيس مجلس الوزراء أو صعوده المنصة.

إذن مديح الأمس لشخص سمو الرئيس كان مدروسا بعناية، بحيث إذا هاجموه اليوم يبررون فعلهم بأنهم ليسوا ضد أشخاص بل ضد أداء.

هذه الحرفة السياسية في الهجوم لم تكن وليدة الساعة ومحض المصادفة، بل فريق عمل يعرف ما يريد مستعملا الأدوات المتاحة أمامه كلها من نواب، وكُتّاب، وأصحاب نفوذ ممن ضُربت مصالحهم أو لم يجدوا طريقا لمبتغاهم.

مشاريع التنمية «حيرانة» بين المطالبين بإقرارها وواضعي العراقيل.

اعتماد مبدأ الشفافية واطلاع الناس على ما يدور من مساومات هو ما نحتاجه لتقويم الاعوجاج السياسي.

فكل فعل يقابله ردة فعل مدروس بعناية... يضغطون حتى يُستجاب لهم ثم يظهر فريق آخر يستعمل الأدوات نفسها لإثبات حالة التخبط التي رُسمت سلفا.

إن وجد تجاوز أو تقصير... فهل استجواب الرئيس هو الطريق الوحيد للحيلولة دونه؟

القفز على المؤسسات ومواد الدستور والأعراف الإدارية والفنية كلها فيه الكثير من الريبة.

صحيح أن هناك مسؤولية سياسية تقع على منصب رئيس مجلس الوزراء بحكم منصبه، لكن استعمالها بهذا التعسف يضعنا أمام انفلات دولة المؤسسات ومركزية إدارة الدولة.

وصحيح أيضا أن سمو الرئيس هو من يرشح وزارته وفق ما يراه، آخذا في الاعتبار ترشيحات الكتل السياسية والاجتماعية في البلد. هذه المعادلة نفسها استخدمت من أصوات التصعيد نفسها التي تنادي بحكومة متجانسة تمثل الأغلبية، وكأن الكويت حاضرة وجاهزة لتلك المعادلة.

يا مَن تنادي بالتغيير، لم تضع في الحسبان أن معظم المواطنين الكويتيين لا يعرف غالبية دساتير الأحزاب السياسية الموجودة على أرض الواقع، وأننا نحتاج إلى ثقافة في أبجديات العمل الحزبي قبل أن ندخل في دهاليزه.

نحن السواد الأعظم من أبناء الشعب نمارس حقنا الانتخابي آملين أن نختار مَن يمثلنا كأفراد وليس كتنظيمات حزبية، وإلا بماذا نفسر سقوط الكتل السياسية جميعها حيث لم تجرؤ إحداها على إعلان ممثليها في الدوائر الانتخابية جميعها؟ وهذا يؤكد عدم قناعة الأحزاب والكتل السياسية بنفسها... فكيف يؤمن السواد الأعظم بها؟

إرادة سمو الأمير حفظه الله يجب أن تحترم، ولم يكن ربان السفينة ليضلها، فهو أب وأخ للكويتيين كلهم يحمل أمانة عظيمة في قلبه، وهي الكويت.

استمرار هذا الهجوم ولأتفه الأسباب لم يعد ينطلي على أحد فأنتم لا تمثلون إلا أنفسكم أو من تمثلون بأمره.

وضع النقاط على الحروف وعدم القفز على الدستور واستخدامه بما يتناسب مع حجم الضرر، هو ما نرجوه.

فلا يمكن أن نحمِّل سموه الشاردة والواردة من أفعال يقدم عليها موظف وزارة قد يجتهد ويخطئ.

أخيراً، يأتي دور الصحافة... فقد كان لقاء الصراحة، الذي أداره باقتدار المقدم الإعلامي صالح المطيري وضيفه الدكتور أنس الرشيد والسيد وليد النصف في برنامج «أضواء» بتلفزيون الكويت، أكثر من رائع في تشخيصه لمواقع الخلل، مبرزا أن الصحافة تلعب دورا سلبيا في تهييج الرأي العام أحيانا ليس لضعف الأداء الحكومي، ولكن لعدم تسويق الحكومة لما تقدمه من خدمات وغيابها عن إبراز دورها، وأن الساحة لا يوجد فيها إلا صاحب فكر «خالف تعرف».

فهل تترفع الصحافة عن إثارة الأزمات خصوصا ذات الهوى الطائفي والطبقي والقبلي؟

ربي احم هذا البلد من كل مكروه.

ودمتـــــم سالميــــــــــــن.