حينما خطوت اولى خطواتي على بلاط صاحبة الجلالة (الصحافة) كان امامي نموذجان لما سأصبح عليه، او اصبو اليه، فالنموذج الاول كان الصديق حسين العتيبي لجرأته وتحليلاته وتميز مفرداته وتفرد موضوعاته ومغامراته الصحافية الجريئة، اما النموذج الثاني فقد كان الزميل الكبير سليمان الفهد لما يملك من روح ساخرة وشهرة شعبية وجرأة في الطرح، ولما كان الزميلان يعملان في الجريدة التي كنت اتدرب فيها على العمل الصحافي الا وهي جريدة السياسة، فقد اتيح لي ان اتعرف اولا على حسين العتيبي، فأصبحنا صديقين، لأن كلانا قد جاء من مجتمع قبلي متخلف، وله مشاكله وهمومه التي لا تنتهي، وحينما رشحني الاستاذ احمد الجارالله للكتابة اليومية عبر زاويتي الشهيرة «هذرلوجيا» اخذت اتداول الموضوعات بسخرية مُرة، كما كان يفعل سليمان الفهد واحيانا (اشطح) وأنسى القيود العملية الخاصة بي واتناول موضوعات ساخنة على طريقة حسين العتيبي، ولكن مع طول الوقت يبدو ان الأسلوب الساخر قد تغلب على الاسلوب المباشر الحار، الذي يتميز فيه حسين العتيبي وكان هنالك من جهة اخرى يكتب عبداللطيف الدعيج نصف صفحة متى ما شاء وكثيرا ما تثير هذه الكتابة «الفرقعة»، لذلك حينما صدرت احدى الصحف اليومية في اواسط السبعينيات وضعت نصب اعينها مهاجمة جريدة السياسة باعتبارها هي الجريدة الاكثر اثارة، وهي الوحيدة التي كانت «تلعب في الساحة الصحافية»، كما كان اغلب كتابها مثيرين للجدل، لذلك صبت جام غضبها على السياسة وكتابها الذين وصفتهم بالصعاليك والقرود والملاحدة والمرتزقة وغير ذلك من الالفاظ الحادة، لذا ولان المثل يقول ليس «دون الحلق سوى اليدين» فقد شمرنا عن يدينا للدفاع عن حلوقنا، بل عن اللقمة التي تأتي الى الحلق وبادلناها العبارات الاقذع، مما وضعتنا بها، مما حدا بالمرحوم الشيخ جابر العلي الذي كان يحب الصحافة الى ان يتدخل لإيقاف هذه الحرب الورقية التي نالته (شخصيا)، بعض شظاياها الطائشة باعتباره كان وزيرا للاعلام آنذاك، بعد تلك المعركة تعرض حسين العتيبي الى تهديد مبطن ان لم يوقف كتاباته (النارية) لذلك انسحب من المشهد بكل هدوء واتجه الى العمل بالتجارة ما بين الكويت والبحرين ثم أخذت تنقطع اخباره بالتدريج الى ان كاد القارئ الكويتي ينسى كاتبه المثير للجدل.

Ad

وذات مرة نمى الى علمنا ان حسين قد استأجر طائرة خاصة كما تقتضي ظروف عمله التجاري وكانت تلك (السالفة) بمنزلة الطامة الكبرى التي نزلت علينا نزول الصاعقة، وذلك بالطبع يعود الى «المراهقة الفكرية»، فاصبحنا نندد بـ«حسين» الى ان رأيته ذات يوم وبمحض الصدفة في فندق الشيراتون، مع ثلة من الاصدقاء المشتركين فأمطرته بوابل من التهم التي ما انزل الله بها من سلطان، فقال لي بكل بساطة «يا سُلم» انني لم استأجرها بقصد «البرجزة والفشخرة» بل ان الذي قام بتأجيرها لي هو صاحب الشركة التي اعمل بها لإنجاز عمل مهم يقتضي السرعة واختصار الوقت فهل تعتبرون ذلك جريمة؟

وهنا توجه بعض الجلوس من الثلة وادانوا موقفي السخيف هذا (!!)، ثم بعد ذلك لم ار حسين لسنوات عديدة الى ان عاد مستشارا في جريدة القبس، وكان قبلها قد عمل في الديوان الاميري، وحينما عاد حسين للصحافة مستشارا لا كاتبا رأيته لعدة مرات في جريدة القبس، ثم اختفى مرة اخرى سمعت خلالها انه يعمل مستشارا في الـ CNN وبالطبع حينما صدرت جريدة الجريدة قيل لي ان حسين قد عاد للصحافة المحلية كقيادي يساهم في بنائها الى جانب رئيس التحرير والزملاء طاقم «الجريدة».