إذا صح ذلك، هل يولد أشخاص بدماغ يجعلهم أكثر ميلاً إلى أن يصبحوا شاذين؟ أم أن دماع الشاذ جنسياً ينمو بطريقة مختلفة وفق التجارب التي يمر بها؟ أسئلة شائكة أثارتها دراسة جديدة مثيرة للجدل وجدت أن ثمة اختلافات واضحة بين دماغ مثليي الجنس والأشخاص الطبيعيين، سواء كانوا رجالاً أو نساء.يقول بعض العلماء إن تلك الاكتشافات الجديدة هي جزء من مجموعة أدلة تزداد إقناعاً يوماً بعد يوم، وتظهر أن التوجه الجنسي ينتج من اختلافات أساسية في النمو تعود على الأرجح إلى التعرض لنسب متفاوتة من الهرمونات في الرحم.في هذا السياق، تذكر ساندرا ويتلسن، بروفسورة متخصصة في الطب النفسي والعلوم العصبية السلوكية في جامعة ماكماستر في اونتاريو: «يشير هذا البحث إلى اختلافات أساسية في الدماغ بين مثليي الجنس والأشخاص العاديين، الذين يملكون على الأرجح النموذج الصحيح من الدماغ». توضح ويتلسن: «قد تعكس هذه الاختلافات نوعاً من العوامل الجينية أو الهرمونية التي تحدد مسبقاً توجهاتك الجنسية».البعض يرى أن البحث بعيد كل البعد عن أن يكون حاسماً. يقول وليام باين، بروفسور متخصص في الطب النفسي في كلية ماونت سايناي للطب بنيويورك: «ما زلت أشكك في هذه الاكتشافات. العاملون في هذا الحقل معروفون بتسرعهم في التوصل إلى الخلاصات وتحميل الاكتشافات مدلولات تفوق ما تتضمنه فعلاً».تشكيك وجد عدد من الدراسات السابقة ما بدا أنه اختلافات بين دماغ مثليي الجنس والأشخاص العاديين. في عام 1991، أفاد سيمون ليفاي، عالم متخصص في الدماغ، أن الوطاء (Hypothalamus)، الذي يُعنى بالسلوك الجنسي، كان أصغر حجماً عند الرجل الشاذ. كذلك أظهرت أبحاث أخرى أن دماغ مثلي الجنس والشخص العادي يتجاوب، على ما يبدو، بطرق مختلفة مع الصور الجنسية. سبق أن أشار الباحثان اللذان أجريا الدراسة الجديدة إلى أن دماغ الرجال المثليي الجنس والعاديين يتفاعل، على ما يظهر، مع فيرومونات مشتبه بها، وهي روائح يُعتقد أنها تؤدي دوراً في الإثارة الجنسية.البحث مليء ببيانات غير مؤكدة، فهو لم يتمكن حتى من استبعاد الفكرة القائلة إن هذه الاكتشافات كانت نتيجة تغييرات حدثت بسبب التفاعل مع التجارب والسلوك، بدل من أن تكون فطرية.توضح إيفانكا سافيك، من معهد كارولينسكا في ستوكهولم، وهي العالمة التي أشرفت على البحث الجديد: «كان السؤال التالي: «في حال تبين لنا أن ثمة اختلافاً، أيُعقل أن تكون هنالك اختلافات في أجزاء من الدماغ لا دخل لها بالسلوك الجنسي؟». يُذكر أن هذا البحث نُشر على الإنترنت الأسبوع الماضي في صحيفة Proceedings of the National Academy of Sciences. اعتمدت سافيك وزميلها بير ليندستورم في البداية على التصوير بالرنين المغناطيسي لمقارنة مدى تطابق الأدمغة بين 25 رجلاً طبيعياً و25 امرأة طبيعية و20 رجلاً شاذاً و20 امرأة شاذة. تبين أن الرجال الشاذين يميلون إلى امتلاك دماغ شبيه بدماغ المرأة الطبيعية أكثر منه بدماغ الرجل الطبيعي. كان الجانبان الأيمن والأيسر بالحجم نفسه تقريباً، حسبما أظهر البحث. أما دماغ المرأة الشاذة فكان أشبه بدماغ الرجل الطبيعي منه بدماغ المرأة الطبيعية، الجانب الأيمن أكبر بقليل من الأيسر.محفزات بيئيةبعد ذلك، استخدم هذان الباحثان التصوير المقطعي بالانبعاث البوزيتروني (PET) بهدف فحص كيفية اتصال جزء من الدماغ مسؤول عن معالجة العواطف، اللوزة المخية، بمناطق أخرى من الدماغ. مرة أخرى، وجدا أن الرجل المثلي الجنس يشبه المرأة الطبيعية، إذ يملك وصلة أقوى بين اللوزة المخية ومناطق في الدماغ تؤثر في العواطف. أما المرأة الشاذة، فتشبه الرجل الطبيعي بسبب اتصال لوزتها المخية بشكل أوثق بالوظائف الحركية.لكن سافيك وليندستورم شددا على أن من الضروري تدعيم اكتشافاتهما بمزيد من الأبحاث. كذلك أكدا أن تأثيرات تلك الاختلافات في السلوك لا تزال غير واضحة.مع أن باحثين آخرين يوافقونهما الرأي، يقول البعض إن اللوزة المخية تساهم في توضيح سبب تفاعل الرجال المثليي الجنس مع الأوضاع العاطفية كالنساء وسبب تفاعل النساء الشاذات كالرجال، ويمكنها أيضاً أن تؤدي دوراً في توجههم الجنسي.عن هذه المسألة كتب قاضي رحمان، الذي يدرس التوجهات الجنسية في كلية كوين ماري في جامعة لندن، في إحدى رسائله الإلكترونية: «تؤدي هذه البنية القديمة دوراً في «توجيه» انتباهنا إلى محفزات بيولوجية مهمة في بيئتنا (مثل شركاء جذابين...)».يقول آخرون إن ذلك التفسير يعتمد على التخمين. إلا أن تلك الاكتشافات تدعم على الأقل الفكرة القائلة إن ثمة اختلافات أساسية في بنية الدماغ، مما يدعم بدوره فكرة أن التوجه الجنسي يأتي بالفطرة.يذكر ليفاي: «يُظهر هذا البحث أن أمراً ما يحدث خلال النمو يؤثر في الميول الجنسية والدماغ. كذلك يشير على نحو أكثر إقناعاً إلى بعض الاختلافات البيولوجية الباكرة».هرموناتعلاوة على ذلك، يوضح ليفاي وغيره من الباحثين أن الاكتشافات تتلاءم مع دراسات أخرى أظهرت أن مثليي الجنس يميلون إلى امتلاك معدلات مختلفة في طول الأصابع ووتيرة الطقطقة غير المسموعة في الأذن.يقول ريتشارد ليبا، بروفسور متخصص في الطب النفسي في جامعة ولاية كاليفورنيا في فولرتون: «لدينا مجموعة من الاكتشافات المتكاملة، وهي كلها علامات بيولوجية تشير إلى أن أمراً ما حدث بالتأكيد خلال مراحل النمو الأولى». يُذكر أن ليبا قدم أدلة على أن شعر الجهة الخلفية من الرأس عند الرجال المثليي الجنس يميل إلى الالتفاف بعكس دوران عقارب الساعة أكثر منه عند الرجال العاديين. كذلك أوضح أن هذه الاكتشافات تتناسب مع دراسات تُظهر أن الرجل الشاذ يميل إلى اختيار مهن تثير اهتمام النساء، مثل التعليم والعمل الاجتماعي، وأنه يملك مهارات كلامية وغيرها من مهارات الفهم والإدراك مماثلة لما تتمتع به المرأة.يوضح ليفاي: «نشهد نوعاً من التغيير العالمي في صفات الجنس عند الشاذين والأشخاص العاديين. لا يؤثر هذا التغيير في توجههم الجنسي فحسب، بل في أمور أخرى أيضاً».يعتقد باحثون كثر أن التغييرات قد تكون نتيجة معدلات الهرمونات، مثل التيستوستيرون، التي يتعرض لها الجنين في الرحم. عن المسألة يقول مارك بريدلوف، باحث متخصص في العلوم العصبية في جامعة ولاية ميشيغان: «نرى الاختلافات نفسها في أدمغة الفئران والجرذان. في حالة هذه الحيوانات، يبدو أن التيستوستيرون يتحكم فيها قبل الولادة».لكن الباحثين يؤكدون أن كل هذه الأبحاث تثير عدداً كبيراً من الأسئلة. كذلك يشيرون إلى وجود اختلافات بين أفراد المجموعة، التي تملك التوجه الجنسي نفسه، توازي الاختلافات بين المجموعات ذات التوجهات الجنسية المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، شمل البحث الجديد أشخاصاً راشدين. لذلك ما من سبيل لنعرف يقيناً متى تكونت هذه البنى والوصلات وما سبب تكوُّنها.تقول آن فوستو ستيرلينغ، بروفسورة متخصصة في علم الأحياء ودراسات الجنس في جامعة براون: «يتناول هذا البحث عيِّنة من مجموعة أناس في سن محددة. حتى لو أكد أن ثمة اختلافات حقيقة في الدماغ، فهو لا يخبرنا بأي أمر عن كيفية تكونها».
توابل - Fitness
هل من وجود لِما يُسمّى عقل مثليّي الجنس؟
01-07-2008