الفقر وحده يجمعهم. تفرّقهم ولاءاتهم السياسية، وانتماءاتهم المذهبية، وأحقاد متوارثة وخط تماس معروف باسم شارع سورية. خط تثبّته الجغرافيا والديمغرافيا والسياسة على الأرض، وتنحته ترسُّبات وتجارب مرّة في قلوب قاطني حارتي باب التبانة وجبل محسن في طرابلس. قليلة هي الأمتار التي تفصل بين جبل محسن «العلوي» وباب التبانة «السنية» في طرابلس، عاصمة الشمال اللبناني، وكثيرة هي عوامل الفرقة التي تطفو الى الواجهة «كلما دقّ الكوز بالجرّة» وفقاً لطريقة التعبير اللبنانية الشعبية.ما يعرفه معظم اللبنانيين عن جبل محسن أنه نقطة تمركز العلويين في لبنان، المعروفين بولائهم المباشر لسوريا، وهم يتذكرون فوراً أن الرصاص، عندما يتحدث الرئيس السوري بشار الأسد، «يلعلع» في هذا المكان دون سواه من الأراضي اللبنانية. وللمفارقة فإن النائبين اللذين يمثلان العلويين في البرلمان فازا على لائحة تيار المستقبل في الشمال (مصطفى حسين وبدر ونوس). وأول ما يتبادر الى ذهن اللبنانيين عند الحديث عن باب التبانة هو الوضع الاجتماعي المأساوي لقاطنيه، ونمو تيارات سلفية وإسلامية وأصولية عدة متشددة. في بيروت، عندما باشر حزب الله عملياته المسلحة احتجاجاً على قراري الحكومة اللبنانية المتعلقين بأمن المطار وشبكة اتصالات حزب الله، كانت أولى انعكاسات التوتر الأمني اندلاع مواجهات مماثلة في طرابلس، وتحديداً بين سنّة باب التبانة وعلويي جبل محسن. مواجهات لم تتوقف إلاّ بعد اجتماعات متتالية واتصالات على أكثر من مستوى أدت الى التوافق على ثلاث نقاط بين الطرفين برعاية آمر سريَّة طرابلس العقيد بسام الأيوبي: التزام بعدم اطلاق النار، نزع جميع المظاهر المسلحة، إضافة الى تسليم مسؤولية الأمن للجيش والقوى الأمنية.لاقت اشتباكات الطرفين معارضة واسعة في صفوف القياديين والمسؤولين السياسيين والحزبيين في طرابلس، ولسان حالهم جميعا: «الوضع هنا مختلف وشديد الخطورة، فإذا استمرت المواجهات وسقط قتلى «يفلت الملقّ».تساؤلات كثيرة طرحت نفسها في هذا الإطار، فلماذا هذا الخوف، وما هي حقيقة الصراع القائم؟ ماذا يقول الأهالي والمعنيون من الطرفين؟ الى أي حد يساهم ولاء جبل محسن التاريخي لسوريا في استفزاز المحيط السني بمجرد وقوع أي إشكال؟ أسئلة كثيرة حملتها «الجريدة» الى طرابلس، في محاولة لاستطلاع خصوصية المحلَّتين المتجاورتين وفهم العلاقة القائمة بينهما.زحمة وحرّ ونقاط أمنيَّة«عاصمة الشمال ترحِّب بكم». سيارات وباصات كثيرة وسائقو تاكسي في شوارع طرابلس. زحمة خانقة لا تنتهي، وضجيج يصدر من كل ناحية وصوب. الحرّ شديد قبل موعد الصيف والعرق يتصبب على الجباه السمراء.على جانبي الطريق المؤدية باتجاه الضنية، محلات حلويات ومأكولات وصيرفة وموبيليا، ومتاجر ألبسة وأدوات كهربائية تضيق بقاصديها. كذلك تضيق الجدران وأعمدة الكهرباء وواجهات الأبنية أيضاً بالصور المرفوعة عليها، الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونجله سعد، الرئيسان نجيب ميقاتي وعمر كرامي، النواب سمير الجسر ومحمد الصفدي ومحمد كبارة.على جادة «الرئيس الشهيد رفيق الحريري» المؤدية من مستديرة النور في طرابلس الى مستديرة الملولة، المحطة الأخيرة قبل الوصول الى النقطة الساخنة، سيارات كثيرة متوقفة وتطلق العنان لأبواقها، عناصر جيش وقوى أمنية كثر يحملون حقائبهم ويتوقفون على الطريق بالإتجاهين. بعد مستديرة الملولة، تكثر الحواجز الأمنية التي يقيمها الجيش وعناصر مكافحة الشغب والقوى الأمنية، وتزداد كثافة الآليات العسكرية كلما توغلت أكثر.أمن ذاتي في «الجبل» دخول الغرباء الى جبل محسن ليس بالأمر السهل، يتمركز الجيش اللبناني عند المدخل المؤدي إليه وقرابة شارع سوريا، خط التماس مع باب التبانة (آليتان فحسب). أمن ذاتي في داخل «الجبل». لا وجود لعناصر الجيش وإن كانوا موضع ترحيب، بخلاف «الفهود والدرك الممنوعين من الدخول الى جبل محسن لأنهم يحرضون ويثيرون الخلاف»، كما يوضح بنبرة حازمة أحد المسؤولين الأمنيين المحليين.يقطن 50 ألف علوي «الجبل»، غالبيتهم عمال ويعيشون جميعاً ظروفاً اجتماعية سيئة، سرعان ما تتلمسها مع اختراقك الأحياء الفقيرة. أبنية قديمة مكتظة، كثافة كابلات وأشرطة معلقة في السماء تكاد تحجب نور الشمس. مقاه شعبية منتشرة أينما كان. محال تجارية تندر المحتويات الموضوعة على رفوفها. مراكز طبية ومستوصفات عدة منتشرة، إضافة الى مدرسة واحدة «مدرسة أبي فراس الحمداني»، لا تزال أبوابها مغلقة منذ بداية اندلاع الاشتباكات لأن جميع أساتذتها يأتون من الجوار السنّي.صور كثيرة، تبدو بمعظمها قديمة العهد، إذ تآخت مع الجدران الملصقة عليها وبهتت ألوانها بفعل مرور الزمن. صور للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وأخرى للرئيس الحالي بشار، مذيلة بعبارة «كلنا معك»، إضافة الى النائب السابق علي عيد، رئيس الحزب العربي الديمقراطي الذي يتوحد جميع العلويين في الجبل تحت رايته. كذلك يثير الانتباه بعض الصور للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والوزير السابق سليمان فرنجية. استنفار ليلاً وسكون نهاراً تكاد الطرق داخل الجبل تكون خالية إلاّ من بعض العجزة والنساء والأطفال، إضافة الى عناصر أمنيَّة محليَّة تجوب المكان بين الحين والآخر، يُعرفون من الأجهزة اللاسلكية الموجودة بحوزتهم. «الشباب والرجال يستريحون في منازلهم عند الصباح لأنهم يتولّون الحراسة والمراقبة طيلة الليل»، حسب ما يوضح أحد المسؤولين هناك.في مقهى شعبي في عمق الجبل، يتجمع بعض الشبان وهم يدخنون النرجيلة. يبدو السؤال عن مشاركتهم في «حرب» الأيام الأخيرة سخيفاً أمام أجوبتهم، فالأمر يتعلق بالحفاظ على كرامتهم والدفاع عن أنفسهم ونسائهم وأطفالهم.«نحن لبنانيون وندعو للعيش المشترك وكلنا أهل» يقول خضر ابراهيم. يفكر قليلاً ثم يردف: «لا نحبذ العبارات الطائفية ونريد أن نعيش بكرامة. اضطررنا لحمل السلاح والدفاع عن وجودنا». يقاطعه زميله على الطاولة حسن حسن لينتقد بشدة أداء رجال الدين الذين «لم يتخذوا مواقف موحَّدة وعمل بعضهم على التجييش المذهبي». ويسمي منهم مؤسس التيار السلفي في طرابلس الداعية حسن الشهال «الذي دعا الى الجهاد والنفير وحاول إشعال الفتنة»، ويستطرد ليوضح أن «للسلفيين علاقات وثيقة مع فتح الإسلام وهم شاركوا في أحداث الضنية».وفقاً لسليمان درويش، الذي يفضل مناداته بلقبه «الأشقر»، فإن «أهالي الجبل والتبانة إخوة وجميعنا لا يريد مشاكل، وما أن تهدأ النفوس سنستعيد علاقاتنا العادية معهم وكأن شيئاً لم يكن. والحمدلله أن الأضرار اقتصرت على الماديات عند الطرفين».توحّد سنّي في وجه العلويينما أغضب شبان جبل محسن ويلمحون إليه بطريقة غير مباشرة، وما يحاول مسؤول العلاقات السياسية في الحزب العربي الديمقراطي رفعت علي عيد الإلتفاف عليه بشكره المعارضة السنية على مساهمتها في التهدئة، يهمس به أحد المسؤولين الأمنيين في الجبل. إذ يشير الى أن كل ما يحكى عن صراع بين أكثريي التبانة ومعارضي الجبل لا يمت للحقيقة بصلة، والصحيح أن الإشتباكات منذ شرارتها الأولى تحولت الى مواجهة سنية- علوية، بحيث توحدت كل التيارات السنية من سلفية وجماعة إسلامية وحركة التوحيد الإسلامي وأنصار الرئيس عمر كرامي وتيار المستقبل تحت راية واحدة بهدف الحفاظ على الهوية السنية في مواجهة العلويين في الجبل. وهذا ما أغضب الأهالي الذين حملوا جميعهم السلاح ليدافعوا هم أيضاً عن هويتهم العلويَّة ووجودهم.التبّانة.. مخيَّم فلسطينيٌّ جديدتنحصر الإجابة عن حجم الأضرار في جبل محسن بالإشارة الى أنها كثيرة، على رغم أن لا دلائل حسّية خلال الجولة الميدانية أظهرت ذلك، حتى ان بعض الأهالي لا يعرف أين بالإمكان إيجاد منازل متضررة.وهذا ما يبدو مغايراً في باب التبانة، فبعد اجتياز شارع سوريا أو خط التماس في حارة الجديدة، سرعان ما تستوقفك الأبنية المتشظية والجدران المنخورة والنوافذ المحترقة، حتى ان الأطفال يتهافتون لإرشادك الى أماكن القنابل التي لم تنفجر ويجمعون ما تبقى من عبوات الرصاص المنتشرة في كل مكان.عند الدخول الى باب التبانة، كما هو الحال في جبل محسن، يخال الزائر نفسه في أحد المخيمات الفلسطينية. فقر مدقع يبدو واضحاً من المكان والقاطنين فيه وشكل الأبنية ومحتويات المنازل. بخلاف الجبل، الحركة هنا كثيفة، شبان يفترشون المفترقات، والمقاهي الشعبية تغصُّ بروادها. محال كثيرة منتشرة أينما كان وأبوابها مفتوحة وكأن شيئاً لم يكن. وعلى خلاف الحال في جبل محسن، عناصر الجيش وآلياتها والقوى الأمنية متواجدة بكثافة في التبانة، وتجوب دورياتها الشوارع والأزقة.تملأ أعلام الجماعات السلفية الخضراء والسوداء جميع الشوارع، والبحث عن عناصر سلفية أمر عسير. يتحاشى الأهالي الإرشاد اليهم، «هم الآن مستنفرون ويفضلون عدم التعاطي معهم»، يقولها رجل في العقد الخامس من العمر. ويضيف: «هم يتوارون عن الأنظار لكنهم يحضرون حين تستدعي الحاجة». الداعية الشهال وسواه من قادة السلفيين والمسؤولين عن التيارات المتشددة يقطنون ، حسب ما قيل لنا، خارج التبانة، في القبة وأبو سمرا والعبدة... صور كثيرة معلقة، الرئيس الحريري ونجله سعد، الرئيس فؤاد السنيورة وصور أخرى لقائد الجيش العماد ميشال سليمان مذيلة بعبارة «لا للفراغ، نعم للرئيس». «الشيخ سعد يعوّضنا»الأهالي في هذا المكان غاضبون من استهدافهم بقذائف الـ «أر.بي.جي» والـ«B-7»، على ما يروون من تفاصيل عن مواجهات الأيام الأخيرة. يحملون على الولاء السوري لجيرانهم ويتساءلون كيف سيعوَّض عن الأضرار التي لحقت بهم. «أصيب منزلي، من سيلتفت الينا ويعوّض أضرارنا؟»، يسأل محمد أحمد وتأتيه الإجابة من جاره: «الشيخ سعد سيعوض علينا وسيمسحون الأضرار قريباً». يبدو أن المعلومة هذه لم تكن قد وجدت طريقها الى مسامع محمد بعد، يبتسم ابتسامة عريضة ويقول من بعدها «أيا كانت الجهة المهم أن يعود منزلي كما كان».قبلان أحمد، رجل خمسيني من سكان أحد الأحياء «المعدومة» في التبانة ، ينتقد السياسيين من دون استثناء، ويجد أن الحل لإنهاء أزمات لبنان يكون «بإغلاق نقطة المصنع الحدودية ومطار بيروت، ليبقى قادة لبنان في قطر». وفقاً لمحمد «السياسيون اذا اتفقوا يتفقون علينا، واذا اختلفوا يختلفون علينا»، ويمهر هذه العبارة بالقول :»إنها من أقوال الكادحين في التبانة».من الشارع الى السياسةيجعل الانتقال من الشارع الى أروقة المسؤولين الميدانيين في المحلتيين صورة الصراع القديم - الجديد بين سنة التبانة وعلويي الجبل أكثر وضوحاً.«فالقصة مش قصة رمانة، القصة قصة قلوب مليانة». تراكمات من ماض ليس ببعيد ورغبة في الانتقام والثأر، وعوامل مذهبية وسياسية واجتماعية متداخلة، تجعل فتيل الصراع حاضراً في كل الأوقات، وجلّ ما يحتاجه شرارة صغيرة كي ينقلب الوضع رأساً على عقب وتشتعل نار الفتنة. أسباب النزاع إذاً دائمة الوجود وتداعيات مواجهات بيروت التي امتدت الى طرابلس شكلت عود الثقاب هذه المرة.في فيللا «المعلم»، كما يطلق العلويون عليها، ينهمك رفعت عيد، نجل النائب العلوي السابق علي عيد، في تلقي الاتصالات وحل المشاكل العالقة بين هذا وذاك والتأكد من طلب كميات كبيرة من الخبز وتأمين توزيع الحصص الغذائية على قاطني الجبل. يتولى، بتكليف من والده، مسؤولية العلاقات السياسية في الحزب العلوي المعروف بالحزب العربي الديمقراطي. يبدو مكتبه في الطابق الأرضي من الفيللا بمثابة غرفة عمليات وتنسيق، في خارجه حرس مسلحون عند المدخل وعناصر كثيرة في غرفة الاستقبال وفي داخله أجهزة لاسلكية، هواتف ثابتة ونقالة، جهاز كومبيوتر، وحركة لا تهدأ ولا تكل.يبدأ عيد بالحديث عن أن المواجهات الأخيرة لم تكن مبررة والاعتداء على جماعته من دون سبب ليس بدوره مبرراً. «نحن لم نغلق طرقات بيروت والمطار، ولم نكن في حلبا» يقول منفعلاً، ويتابع من بعدها : «المشكلة هنا مشكلة قديمة ولم تعالج طيلة السنوات الماضية».مجزرة التبانة جرح يستحضره أهاليها عند كل مفصل ويتحدث المسؤولون فيها عنه مباشرة. إنها المجزرة التي ارتكبتها القوات السورية في العام 1986، وراح ضحيتها قرابة 600 شخص من مختلف الفئات العمرية، قُتلوا بطريقة وحشية بعد أن عذِّبوا ونكِّل بهم، حسبما يقول أحد الملتحين في باب التبانة.ويضيف: «المجزرة التي اقترفها الوجود السوري بمساعدة علويي الجبل وحال طيلة السنوات الماضية دون نبش تفاصيلها، لم يشف أهالي التبانة من جروحها بعد». رغبة بالانتقام والثأرالرغبة بالانتقام والثأر ماثلة دائماً في أذهانهم، في ظل عدم اجراء مصالحة أو معاقبة المتورطين.يشرح عيد: «الجرح قديم لم يبلسمه أحد وتعمل أجهزة تابعة للسلطة على تعميقه. جلس سمير جعجع مع المفتي قباني ونحن هنا لم نحلّها بعد»، ويشير الى أن «ثمة عملاء وأناساً مأجورين يسعون لافتعال الاشكالات كلما تسنح الفرصة». في المقلب المواجه للجبل، يبدو تيار المستقبل الأكثر حضوراً في التبانة. يتابع محمد خلف، أحد المسؤولين الميدانيين، الوضع من «الميني ماركت» التي يملكها. يتلقى بعض الشكاوى من المواطنين ويجري اتصالات لازمة لحلها سواء عبر هاتفه النقال أو عبر جهاز لاسلكي موضوع بجانبه، ويبقيه على بينة من كل شاردة وواردة في المحيط.يتحدث خلف بإسهاب عن مجزرة التبانة التي «لم ينسها الأهالي بعد. لكل بيت وعائلة حكاية مع السوريين. طيلة 20 عاماً لم يتوقف السوريون عن التنكيل بأبناء المنطقة».يجزم الطرفان بأن لا اشكالات بين اهالي المحلتين، لكن لكل طرف دوافعه ومبرراته. واذا كان عيد يؤكد أن «لا اشكالات بيننا وبين أهالي التبانة، ولكن عندما توجه الينا القذائف والرصاص فلن نقف مكتوفي الأيدي وكرامتنا تستهدف»، فإن خلف يبدأ كلامه بالقول: «جميعنا يريد أن يعيش ولا نحبذ الحرب، ولكن الطرف الآخر موال للنظام السوري ويأخذ أوامره منه، وعندما سترتفع أسهم حزب الله في سائر المناطق فإنهم سيحاولون افتعال الاشكالات وانهاء الأزمة لصالحهم، نتيجة تعاطف كل المناطق المعارضة مع ما تمكن حزب الله من القيام به في بيروت».استنفار استباقي لتلافي الحربالمشكلة تتعدى الأكثرية والمعارضة، والخوف من أن تفلت الأمور من عقالها مدعاة قلق «نتحدى أيا كان أن يقول اننا بدأنا بإطلاق النار، لا نريد فتنة سنية-علوية، ولا أن ندفع ثمناً عن غيرنا، المواجهة كانت مع حزب الله، والضاحية معقله لا جبل محسن»، يوضح عيد.في المقابل، يؤكد خلف أنه «لو أسفرت الاشتباكات عن سقوط قتيل واحد في التبانة لانقلبت الأمور رأساً على عقب، لدرجة انه لو حضر النائب سعد الحريري بنفسه لما استطاع وضع حد للتدهور الأمني». ويلفت الى أن «التبانة دفعت دماً عن سنّة طرابلس ولبنان كثيراً، واستنفارنا طبيعي لتوقيف اي هجوم من حلفاء حزب الله، من العلويين والقوميين. ولدينا معلومات أكيدة أن مدفعية موجودة لدى تيار المردة في زغرتا وهي في حالة جهوزية». احادية القرار العلوي وتعدّده سنياًمن المؤكد أن مركزية المرجعية العلوية في جبل محسن، وتعدّد المرجعيات السنية وانقسامها بين معارضة واكثرية تساهم نوعاً ما في توتير الوضع أكثر. «عندما يتحدث الامين العام للحزب العربي الديمقراطي، فإن 50 ألف علوي يلتزمون بتوجيهاته. لا مشكلة لدينا اذا مات 25 ألفاً ليعيش البقية بكرامة».هذا التوحد العلوي يبدو مفقوداً في الجهة المقابلة، فالسنة منقسمون بين تيار المستقبل والجماعة الإسلامية وحركة التوحيد الإسلامي والتيار السلفي ومناصري الرئيس كرامي وسواه. وفي هذا السياق يلفت خلف الى « أنه متى اتخذ السلفيون قراراً بتدمير جبل محسن فلا يلزمهم الا نصف ساعة من الوقت. ونحن لا دعم لدينا لنقف على أرجلنا، الخطابات لا تحمينا ولا ترد عنا القذائف والرصاص، والقوى الأمنية متى حضرت وأقامت الحواجز فهي تلاحق من تعمل سيارته على المازوت...».مآخذ الطرفين كثيرة ولكل اعتباراته وحججه وأدلته... تفرقهم السياسة بماضيها وحاضرها، ويجمعهم الفقر والظروف المأساوية المترتبة عليه. «نحن في منطقة نسيها الزمان»، يقولها أحد مسنّي التبانة بحسرة وهو ينفث دخان سجائره ويتطلع الى فوق ، الى السماء.
دوليات
بين جبل محسن العلوي وباب التبّانة السنّي... فتيل أزمة دائمة في انتظار الشرارة يجمعهم الفقر.. ويفرِّقهم ولاؤهم ومذهبهم ومجزرة سوريَّة من الثمانينات
21-05-2008