أول العمود: تعمل الأحزاب في أي نظام سياسي على مفهوم القاسم المشترك لتمرير أفكار وبرامج يجتمع عليها الرأي وتفيد المواطن... في الكويت كتل سياسية لا تريد حتى الجلوس في مكان واحد!

Ad

**************

قرأت كغيري نص ما يسمى بـ«الوثيقة الحكومية الشديدة السرية»، وهي تحمل رؤية الجهاز الرسمي لما آلت إليه الأمور في أربعة قطاعات؛ الصحافة، والنقابات، والفضائيات، وأخيراً العائدون من الخارج من فئة المعتقلين. وتكشف الوثيقة السرية المنشورة مشاعر الضيق والضجر من سوء استخدام الحريات من المنتمين الى القطاعات الثلاثة الأولى.

فهي ترى أن بعض الصحف نحّا صوب الطائفية والتحزب الضيق، وأن بعض الصحافيين يسيء استخدام الحرية في كتاباته وآرائه التي تضر أحياناً، وترى الحكومة في وثيقتها أن الفضائيات الكويتية قد دخلت في مناطق غير مريحة في بعض أطروحاتها، ويسري هذا الضيق أيضاً على المنتمين إلى النقابات الحكومية (أي أبنائها من الموظفين في جهازها الإداري)، باستغلالهم الحريات النقابية، وخصوصاً الإضراب في تعطيل العمل.

 

هذا ملخص الوثيقة!

وهنا، نرى أن ضيق الحكومة في غير محله لسبب واحد بسيط، وهو أن القطاعات المذكورة تنظمها قوانين واضحة تبين الحقوق والواجبات والعقوبات في الانحراف عن القانون وروحه. فالصحافة تعمل بحسب قانون المطبوعات والنشر، والنقابات تعمل وفق قانون العمل في القطاع الأهلي، والفضائيات رخصت استناداً إلى قانون المرئي والمسموع الجديد، وهي في مجموعها قوانين جاءت إما بمبادرات حكومية وإما بمباركة تحركات نيابية جرى تمريرها بتوافق حكومي، وبالتالي فلا مجال للحديث عن ضيق وتذمر من الممارسات المرادفة لاستعمال الحقوق في القطاعات الثلاثة التي جاءت على ذكرها الوثيقة الشديدة السرية.

ويمكن للحكومة استخدام الجزاءات المنصوص عليها في القوانين تلك لمحاسبة من «تتضايق» منهم، هكذا وبكل سهولة! ولن تلام الحكومة بمحاسبتها مَن ينحرف في استخدام الحريات التي تقترن في أرقى الدول الديمقراطية بالمسؤولية، بشرط أن تكون الحكومة الراعية لتطبيق القانون هي نفسها قدوة في تحمل المسؤولية أيضاً!

أما موضوع الضيق من العائدين من المعتقلات الخارجية «من المتهمين بالإرهاب والبعد عن الوسطية»، فإنه ليس هناك من حجة للحكومة بإبداء هذا الضيق، لماذا؟ السبب واضح. فالحكومة لاتريد ولاتبذل أي جهد يذكر في احتضان هؤلاء العائدين ضمن برامج اجتماعية ونفسية علمية مدروسة، وفضلت على ذلك تفعيل الصيغة الأمنية، وهو أسلوب لن يجدي نفعاً وسيغرق الحكومة في مزيد من العائدين مع الوقت، وهذا ما نراه فعلياً ونسمع عنه في مصادر المعلومات المحلية والدولية.

أظن أن الحكومة تعي وترى وتسمع عن تجارب السعودية واليمن في تأسيس برامج الاحتضان لهؤلاء العائدين وتتدارس معهم عبر القضاة والمشايخ والمربين الاجتماعيين فتح قنوات جديدة في نظرتهم حيال الدين وتفسيراته، فضلاً عن توعيتهم بتطور العلاقات بين البشر على اختلاف أجناسهم، على ألا تودعهم السجن وتكتفي بذلك.

هل عرفنا الآن أن الحكومة غير موفقة في عتابها على الصحافيين والنقابيين والإعلاميين والعائدين من فئة «المشاغبين»، وهل تشاركونني الرأي بأن هذه الوثيقة فيها ضيق وعتب... «خبيث»؟!