استحداث شركة الاتصالات الثالثة (VIVA) يثير تساؤلات عدة بشأن مدى تأثيرها في السوق، وهل ستنعش المنافسة في السوق وتدفع الشركتين القديمتين إلى تحسين خدماتهما؟ في حين توضح الأمور على أرض الواقع ان إنعاش المنافسة لا يمكن تحقيقه من دون تحرير وزارة المواصلات ملكية الأرقام وإنشاء هيئة عليا لتنظيم الاتصالات. مع بدء عمل «الوطنية للاتصالات» كمنافس للشركة التي احتكرت خدمة «الموبايل» منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي استبشر الناس خيراً بعد ان تحسنت خدمات الشركتين بشكل واضح مقارنة بما كانتا عليه أيام الاحتكار، لكن المنافسة وصلت الى طريق مسدود بسبب استحواذ الطرف الأقدم على أكبر قطعة من الكعكة، مما يعني استمرار الاحتكار بشكل غير مباشر. ما ذكرناه قد يتكرر ويكون أكثر سوءاً من ناحية الاحتكار عندما تدخل الشركة الثالثة «VIVA» على خط المنافسة، إلا في حالة واحدة فقط هي تحرير ملكية أرقام الهواتف، بحيث يصبح الرقم ملكاً للمستخدم وليس للشركة، ويستطيع أن ينقله من شركة الى أخرى، مع الاخذ بعين الاعتبار ان شركات الاتصالات توسع نشاطها في الأسواق العربية والعالمية مما يجعل السوق الكويتي صغيرا جداً مقارنة بحجم استثمارتها في الخارج، الامر الذي قد يدفعها الى عدم تقديم خدمات أفضل، متناسية ان المنافسة ووعي المستهلك هما المحركان الاساسيان لتحسن الخدمة في الاقتصاد الحر، يضاف اليهما وجود نظم وآليات تحمي المستهلك وتنظم المنافسة مع منع الاحتكار.تخلف الخدماتوبالعودة الى خدمات الشركتين المتنافستين، فانه يلاحظ تخلف الكثير من الخدمات، فمثلا المواقع الإلكترونية للشركتين بطيئة جدا، ولا يوجد سبب يمنعهما من تطوير هذه المواقع وزيادة طاقة استيعابها وتسريع الأجهزة المستخدمة فيها، فالشركتان تملكان إمكانات مالية وتقنية عالية من الضروري أن تنعكس على جودة مواقعهما الإلكترونية.الاتصال المجاني اما فيما يخص احدى الخدمات المتخلفة ايضا التي تقدمها الشركتان، وهي خدمة الاتصال المجاني للزبائن 107و121، فلا يمكن للزبون الاتصال على هذه الأرقام في حال فصل خطه عن الخدمة إلا بعد ان يدفع المبالغ المستحقة عليه، على الرغم من انها مجانية!، والمشكلة الأكبر في هذا الامر ان الزبون لا يمكنه الاتصال من الخارج على أرقام الخدمة المجانية حتى ولو اضاف رقم الدولة 00965، اذ إن هناك رقما خاصا على الزبون حفظه في مكان آمن خارج هاتفه كي يستطيع الاتصال لقطع الخدمة في حال فقد الهاتف!. هذا ما حصل لي في أثناء سفري أخيراً حيث لم اصل الى نتيجة عندما حاولت وأنا في الخارج الدخول الى موقع إحدى الشركتين للحصول على رقم الخدمة للمتصلين من خارج الكويت، فبعد حصولي على رقم مسجل في خانة «اتصل بنا» وإذا بي اتصل على خدمات مطار الكويت أي أن الرقم المذكور في موقع الشركة رقم خطأ!، ولم أتمكن من الحصول على الرقم الصحيح إلا بالاستعانة بصديق في الكويت اتصل على الرقم المجاني وطلب رقم الاتصال الدولي!.خدمة محدودةوهنا لا بد لي ان اذكر انه عندما فقدت هاتفي وأنا خارج البلاد حاولت استخدام خط احتياطي، وإذا برسالة تبين لي أن الخدمة محدودة، بداية لم أستوعب ذلك، فدخلت على موقع الشركة الإلكتروني كي أدفع حساب ذلك الخط لعل الأمر متعلق بفواتير لم تدفع، وإذا بالموقع يرفض قبول الدفع بحجة أن الخط يتبع شركة وليس خطاً خاصاً! وفي هذا الموقف تناقض كبير لدى الشركة، يكمن في ان دفع الفواتير مضمون اذا ما كان الخط مخصصا لشركة معروفة، وبالتالي لا مبرر لمحدودية الخدمة، ولا مبرر أيضا لعدم قبول تسديد الفواتير من اي كان، فالأمر في النهاية... ضرر للمستهلك وللشركة معا.وفي هذا المقام يجدر بنا المقارنة بين شركة الاتصالات والبنوك، فاذا فقدت مثلا بطاقة ائتمان وانت خارج البلاد فما عليك إلا الاتصال بالبنك للتبليغ عنها ثم يتم اجراء اللازم فورا لاستلام بطاقة بديلة في اسرع وقت من خلال شركات أو بنوك في الخارج لها علاقة مع البنك الذي اصدر لك البطاقة، ومثل هذا الامر تفتقده شركات الهواتف على الرغم من وجود شركات مماثلة لها وربما شقيقة لها خارج الكويت.أسعار التجوالالجزء الاخر من موضوعنا هو اسعار التجوال العالية، فعلى الرغم من أن أغلب شركات الاتصال في دول الخليج ليست سوى فروع تتبع بعضها البعض، إلا أن تكلفة مكالمات التجوال فيها مرتفعة جداً، وبشكل غير مبرر من الناحية الفنية أو غيرها. وفي هذا الامر، كان لا بد للمعنيين الرسميين في مجلس التعاون الخليجي ان يدركوا أهمية التنسيق بين وزارات المواصلات للحد من جشع هذه الشركات. مقتدين بالاتحاد الأوروبي عندما قامت المفوضية الخاصة بشؤون الاتصالات في صيف 2006 بإجبار الشركات العاملة في أوروبا على خفض تكلفة التجوال لتقترب من الأسعار المحلية، ورفضت عرض الشركات بأن تقوم هي بالتنسيق فيما بينها لتحقيق ذلك، أما في الخليج العربي فـ «الطاسة ضايعة» فلا أحد ينظم عمل هذه الشركات لا على المستوى المحلي ولا الخليجي (باستثناء السعودية).هيئة عليابعد استحداث شركة الاتصالات الثالثة في الكويت، يطرح السؤال التالي نفسه: هل الشركة الجديدة قادرة على إنعاش المنافسة، وتوفير فرصة حقيقية لخدمة الزبون بشكل أفضل وبسعر أقل؟. البعض يؤكد ان هذا الأمر لا يمكن تحقيقه بشكل صحيح من دون تحرير ملكية الأرقام (كما وعدت الوزارة في ذلك) وإنشاء هيئة عليا لتنظيم الاتصالات تتولى إصدار رخص شركات الهواتف والبريد والإنترنت ومتابعة تطبيقها وتوزيع الترددات الهاتفية والتلفزيونية عليها، بحيث تكون هذه الهيئة مستقلة اسوة ببنك الكويت المركزي، أي لا تتبع وزارة المواصلات بل يمثلها الوزير أمام مجلس الوزراء ويتم اختيار مجلس إدارتها بشكل مهني بعيدا عن التجاذبات السياسية، كما يشترط أن يتولاها من لا مصلحة له في العمل الذي تنظمه وتشرف عليه.
محليات
تقرير الاتصالات الثلاث... بين التناقض والاحتكار والتنافس والتميز المنافسة بدخول VIVA لن تحصل إلا بتحرير الأرقام وإنشاء هيئة مستقلة للاتصالات
19-10-2008