لا جدال في أن هوية «حزب الله» الطائفية هي وليدة حالة طائفية عامة في لبنان امتدت إلى جميع القوى الرئيسة. على الرغم من ذلك يكاد الحزب اليوم أن يكون هو القوة الوحيدة التي لا تتحرج من أن تقدم ما تراه مصلحة الطائفة على مقتضيات الدولة.

Ad

شكل توظيف «حزب الله» سلاح المقاومة في صراعه الداخلي مع قوى 14 آذار وقيامه بالسيطرة على بيروت الغربية سقطة كبيرة وخطيرة لحركة شددت طويلاً على قدسية عدم استخدام سلاح المقاومة في الداخل وحرمانية الدم اللبناني على المقاومين. والأمر هنا لا يتعلق فقط بالخروج على قانون العيش المشترك والآليات السلمية لصناعة التوافق في لبنان، فتلك عطلت بفعل القوى اللبنانية المتنازعة بعد حرب 2006 وبكل تأكيد منذ أن بدأت أزمة الرئاسة، بل يطول في العمق رفض «حزب الله» الانضواء تحت لواء الدولة اللبنانية (شديدة الضعف اليوم) والاعتراف بحقها في إعادة بناء احتكار الاستخدام المشروع لمركب القوة-العنف وقبول الدمج التدرجي للمقاومة بالجيش الوطني اللبناني. هذا هو جوهر التحدي الذي يمثله «حزب الله» وعليه تترتب وعنه تتفرع كل القضايا الأخرى.

نعم لـ«حزب الله» علاقات تحالف قوية مع إيران وسورية، اعتمد عليهما الحزب ومازال لبناء قدراته التنظيمية والعسكرية ويدافع بالمقابل عن مصالحهما بلبنان في سياقات السياسة الداخلية والخارجية. بيد أن الحزب لا يختلف في هذا الإطار عن غيره من القوى اللبنانية، فجميعها يمتلك تحالفات مع أطراف إقليمية ودولية ذات مصالح حيوية بالبلد الصغير أو حوله. حلفاء قوى 14 آذار، وفي القلب منها تيار المستقبل، يتوزعون بين الرياض والقاهرة وباريس وواشنطن، بل إن تل أبيب ليست ببعيدة عن بعضهم. على الرغم من ذلك، يبقى الفارق الجوهري بين «حزب الله» والآخرين هو استعداد الحزب، سواء على مستوى القيادات أو الكوادر التنظيمية، أن يضرب عرض الحائط بمنطق ومقتضيات الدولة اللبنانية حين يتناقض مع مصالح حلفائه وأن يتبنى سياسات باهظة الكلفة للمجتمع، فقط كونها مرغوبة من طهران أو دمشق أو كليهما.

ففي حين لم تكن هناك مصلحة حقيقية للبنانيين بطوائفهم المختلفة في الاندفاع نحو مواجهة عسكرية مع إسرائيل 2006، يرتب رفض أو بالأحرى تعويق المحكمة الدولية في قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري إلحاق ضرر مباشر بالدولة اللبنانية ومصداقية مؤسساتها الرئيسية. ولا شك في أن التحليل الموضوعي لسلوك وأفعال «حزب الله» في الحالتين، ودونما انتقاص من بطولة المقاومة في 2006 بعد أن بدأت الحرب ودارت الآلة العسكرية الإسرائيلية دورتها المدمرة، يظهره في موقع أقرب لطهران ودمشق ومصالحهما إذا ما قورنت تلك بمصالح اللبنانيين.

لـ«حزب الله» هوية طائفية واضحة، فهو قد أضحى الممثل الأهم للشيعة اللبنانيين وأداة التعبير الرئيسية عنهم بالحياة السياسية وغيرها من القطاعات المجتمعية. وهو هنا يتفاعل كغيره من القوى اللبنانية مع الإطار الدستوري-القانوني والسياسي-العملي المستند إلى المبدأ الطائفي لإدارة تقاسم السلطة، وتحديد آليات ومستويات صناعة التوافق في مجتمع شديد التعددية. فقصة نشأة وتبلور «حزب الله» والارتباط الوثيق لدوره بالسعي نحو إنهاء مظلومية الشيعة ووضع حد لتاريخ طويل من تهميشهم السياسي والاجتماعي من جانب السنة ومسيحيي لبنان معروفة جيداً. لا جدال إذن في أن هوية «حزب الله» الطائفية هي وليدة حالة طائفية عامة في لبنان امتدت إلى جميع القوى الرئيسة. على الرغم من ذلك يكاد الحزب اليوم أن يكون هو القوة الوحيدة التي لا تتحرج من أن تقدم ما تراه مصلحة الطائفة على مقتضيات الدولة كما شاهدنا في بيروت ولا تمتنع عن الانقلاب باسم الطائفة على الآليات السلمية لصناعة التوافق.

* كبير باحثين بمؤسسة كارنيغي- واشنطن