تطرح أسئلة كثيرة كل عام على عتبة شهر رمضان الكريم وفي قلب المناسبات الدينية المختلفة، تبحث عن جواب منطقي يفسر غياب الفيلم الديني وهجرته للشاشة العربية، وهل اصطدم بحائط صد منيع حجب ظهوره أم أنه واجه صخرة الرفض العتيدة من المؤسسات الدينية، أم أن الأمر متعلق بمنتجي السينما أنفسهم وخوفهم من التكلفة الإنتاجية الكبيرة من دون ضمان للإيرادات، وهم الذين يسعون غالبًا إلى الربح السريع، أم أن أزمة النصوص هي السبب في ذلك؟

Ad

تؤكد الأرقام أن السينما المصرية لم تقدم سوى اثني عشر فيلمًا دينيًّا فحسب في الفترة من 1951 وحتى 1972، هي «ظهور الإسلام» لإبراهيم عز الدين 1951 و«انتصار الإسلام» 1952 و«بلال مؤذن الرسول» لأحمد الطوخي 1952 و«السيد البدوي» لبهاء الدين شرف 1953 و«بيت الله الحرام» لأحمد الطوخي1957 و«خالد بن الوليد» لحسين صدقي 1958 و«الله أكبر» لإبراهيم السيد 1959و«شهيدة الحب الإلهي» لعباس كامل 1962 و«رابعة العدوية» لنيازي مصطفى 1963 و«هجرة الرسول»لإبراهيم عمارة 1964 و«فجر الإسلام» لصلاح أبوسيف 1971 و«الشيماء» لحسام الدين مصطفى 1972.

المثير أن السينما المصرية توقفت منذ هذا العام عن إنتاج ذلك النوع من الأفلام، ولم ينتج بعد هذا التاريخ سوى فيلم «الرسالة» للمخرج مصطفى العقاد السوري الأصل والأميركي الجنسية والذي يعد أضخم إنتاج سينمائي يتناول موضوعا دينياً عن الإسلام، وكذلك فيلم «القادسية» للمخرج صلاح أبو سيف، والمقاطع بحسب تعليمات الأزهر، ولا يمكن حسابه على قائمة الأفلام الدينية بل يمكن ضمه إلى قائمة الفيلم التاريخي بحسب التعريف المتفق عليه بين النقاد.

قرار

يقول الناقد طارق الشناوي: «غياب الفيلم الديني لا يتعلق بالمؤسسة الدينية فحسب، فقد صاحب هذا التحريم قرار وزارة الإعلام والثقافة المصرية رقم 220 لعام 1976 بشأن القوانين الأساسية للرقابة على المصنفات الفنية، والذي تنص أحد بنوده على«منع ظهور صورة الرسول - صلى الله عليه وسلم - صراحة أو رمزا أو صورة أحد الخلفاء الراشدين وأهل البيت والعشرة المبشرين بالجنة وسماع أصواتهم، وكذلك إظهار صورة السيد المسيح وصور الأنبياء بصفة عامة وعلى أن يراعى الرجوع في كل ما سبق للجهات الدينية المختصة».

يضيف الشناوي أن القرار في حد ذاته ساهم بصورة أساسية في ابتعاد المنتجين والمهتمين بذلك النوع من الأفلام عن إنتاجها خشية الوقوع في شرك قرارات المنع وتدخّل علماء الدين في تفسير كل شاردة وواردة مما يعوق حرية التفكير والإبداع في تناول المواضيع، وأيضا لما يتعرضون له من مشكلات تصل في كثير من الأحيان إلى تحريم عرض الفيلم ومقاطعته ومنع عرضه في صالات العرض الجماهيرية كما حدث مع معظم الأفلام الدينية العربية المنتجة في مصر فضلا عن أفلام مثل «الرسالة» لمصطفى العقاد و{القادسية» لصلاح أبوسيف و{المهاجر» ليوسف شاهين.

يؤكد الشناوي أنه ليس ثمة تفسير محدد لظهور الأفلام في حقبة معينة ثم اختفائها، صحيح أن البعض يحاول أن يرد ذلك إلى التكلفة الإنتاجية والميزانيات، لكنه أمر مشكوك فيه لأن غالبية الأفلام لم تتكلف كثيراً مقارنة بأفلام أخرى أُنتجت أيضا في تلك السنوات.

ندرة

يرجع الكاتب محفوظ عبدالرحمن أسباب ندرة الفيلم الديني الى مشكلتين، «الأولى تخص جهاز الرقابة، خصوصاً أن الأزهر يضع قيوداً رقابية شديدة، صحيح أنها خففت في الفترة الماضية، لكن المطلوب راهناً تخفيضها أكثر، لا سيما أن الكتَّاب ابتعدوا عن تلك الحقبة واختاروا فترات زمنية أخرى للكتابة عنها منعاً لحدوث تصادم مع الرقابة».

أما الأزمة الثانية، بحسب عبد الرحمن، فتتمثل في ندرة كتاب الأعمال الدرامية الإسلامية، فعددهم لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة لأن الجهات الإنتاجية أصبحت تلهث وراء الاستسهال والربح السريع عن طريق إنتاج أعمال سينمائية دون المستوى لكنها تحقق الغرض الذي سعى إليه منتجه.

في السياق ذاته، يرى المنتج والموزع السينمائي محمد حسن رمزي «أن الأسباب عدة ومعقدة، وتبدأ بمشكلة الورق والرقابة ومجمع البحوث الإسلامية بوصفه السبب الرئيس في الابتعاد عن إنتاج الفيلم الديني، خصوصا أنها عملية مرهقة إنتاجياً وغير مضمونة، بالإضافة إلى أنها تواجه عقبات شديدة في الإعداد والترويج والتوزيع لها في ما بعد في ظل عدم ضمان القدرة على توزيعها في البلدان العربية بدءاً من اختلاف أذواق الجماهير إلى الخسارة المادية التي سيتعرض لها منتج العمل.

أما المخرج تيسيرعبود فيقول: «دور المخرج هو تحويل الورق إلى مشاهد متحركة تكاد تطابق خيال المؤلف، لهذا عند إخراج عمل ديني يجب توافر ممثلين على أعلى مستوى وديكورات ضخمة (قصور وأثاث وملابس وخيول ومعسكرات وفرق عمل مدربة لتنفيذ المعارك)، من هنا نصطدم مع الإنتاج الذي يريد التوفير دائماً، والنقطة الأهم في هذا الموضوع أن المخرج لا يملك حق العبث بالتاريخ أو حذف شخصية ما من الحدث، وهو ما يتم تحت وطأة الرقابة فحسب، مما يشوّه صورة تاريخنا الإسلامي الجميل على شريط السينما.

يؤكد عبود أن الأزمة في الأساس أزمة سينما مصرية، فالإنتاج ضعيف ودور العرض«محتكرة» والجمهور«بحالات»، وهذا ما يؤدي إلى اختفاء الأفلام الدينية.

الخوف

ترى الناقدة ماجدة خيرالله أن سبب اختفاء الفيلم الديني يرجع إلى أن أفلامنا الدينية عرضة للفشل، لأن المخرجين يتعاملون معها وكأنهم مجرد رواة يفتحون كتب التاريخ الإسلامي ويحكونها بالصور، من دون أية محاولة للفهم واستنباط المعاني النبيلة لإسقاطها على الحاضر، على رغم أن التاريخ الإسلامي مليء بالوقائع المذهلة التي تمتلىء بالقيم الفكرية والسياسية والدرامية العظيمة التي يمكن لفنان السينما الواعي أن يحوّلها إلى أفلام رائعة فنيًّا وفكريًّا.

تشير خيرالله الى أن الإمكانات الضعيفة وعدم الوعي ليست السببين الوحيدين لإحجام السينما المصرية عن الفيلم الديني، لأن السبب الأبرز والأهم هو ذلك المتعلق بتحريم ظهور الشخصيات الإسلامية الكبيرة على الشاشة، مما خلق مشاكل عدة أمام السينما المصرية في تناول المواضيع الدينية تناولاً كاملاً.