تميز الأول من مايو عام 2008 بخصوصية ونكهة بحرينية، بعد ست سنوات من الاعتراف الرسمي واعتبار هذا اليوم عطلة للجميع، فقد تمازج الأول من مايو التاريخي باليوم العالمي لحرية الصحافة، فما كان من جمعية الصحفيين البحرينية إلا إطلاق حملة وطنية تحت شعار «صحفيون ضد الطائفية» وهو تكملة لما حدث قبل أسابيع من حوار وطني مثمر مناهض للطائفية، ويدعو إلى ضرورة التماسك الاجتماعي والوطني والحفاظ على النسيج البحريني من دون السقوط في متاهات الطائفية والعرقية والقبلية، والتي تؤثر في المشروع الإصلاحي، الذي بدأ بتدشين الأسس الأولى للديمقراطية والحريات العامة، وبأهمية أن تنتقل البحرين نحو الحداثة والتنمية والاستقرار، فكان على قوانا الوطنية وشعبنا استيعاب التجربة العصيبة وتراكمها التاريخي، فمهما تعثرت فإنها بالنتيجة تحتاج إلى مراحل انتقالية شتى للتطوير والتغيير، خصوصاً بعد محاولة الملك قبر المرحلة الاستبدادية السابقة، محاولا أن يجعل من الشراكة السياسية والانفراج أهم مرتكز في مشروعه الإصلاحي، ومحاولة البحرين مجاراة التحولات السريعة في عصر العولمة. وبمناسبة اليوم العالمي للصحافة وقف الملك بقوة متضامنا مع الصحافة والصحافيين، مؤكداً على قانون عصري لا يسمح فيه بسجن الصحافيين ولا حتى بسجنهم الاحتياطي، وخلق مساحة واسعة للنشر والتعبير والكتابة. وقد راهن الكثيرون على أن الديمقراطية في البحرين مؤقتة وقصيرة، وأنها ليست إلا ديكوراً لمشروع الإصلاح، ولكن الملك أخذ يفاجئ الشارع السياسي بخطوات تاريخية كبرى نقلت البحرين نحو التحديث وبناء مجتمع مدني يعي دوره ويؤسس لدولة القانون، فكان على الطرفين «الشعب والحكومة» أن يستوعبا دورهما ويتفاعلا مع جانبين بكل وعي، هما مسؤولية المجتمع والدولة وحقوق وواجبات الدولة والمجتمع، فمن دونهما يختل التوازن، ويدخل الصراع مراحل معيقة للتطور. وخلال الدورتين النيابيتين كانت تصريحات الملك ومفاجآته تبرز في الخطب أو في إعلان المواثيق والمراسيم والقوانين، فقد كان دائماً يدافع عن الصحافة والصحافيين ويلتقي معهم بانتظام، ويؤكد لهم عن أن مشروع الإصلاح والديمقراطية يصبح مهماً مع حرية التعبير والحريات العامة، وأنه سيقف سندا ومدافعا عن تلك الشريحة الحيوية والمهمة للمجتمع، بل يراها العين الراصدة والنقدية لكل مظاهر الفساد والأخطاء والمتابعة والموضوعية في علاج ظواهر لا يمكن مسكها من العمق إلا عبر الصحافة الحرة. وعندما تبدأ الأصوات المعادية لحرية الكلمة والنقد والتنوير بملاحقة الأقلام الحرة من الصحافيين والمثقفين، كان الملك يقف مدافعاً بقوة عن حقوق الصحافيين وحق الصحافة، وعندما حاولت أصوات نيابية ظلامية تمرير مشروعها المستبد بحبس الصحافي كان الملك يرفض هذه العدائية، ويعلن أنه لن يقبل قوانين وتشريعات مستبدة ضد الصحافة. في مثل هذه المناخ الديمقراطي الوليد، أخذت فيه الصحافة البحرينية تنتعش بفضاء حر وتفتح صفحاتها لكل كاتب ومثقف بإمكانه أن يثري حياتنا السياسية والفكرية، وكلما حاولت قوى الظلام عرقلة مسيرة الحريات كان الملك يؤسس بقوة مشروعه من خلال أفكار ومراسيم جديدة، فكان الأول من مايو إجازة رسمية، فتحت فيه أفقاً لم تكن تتوقعه الحركة النقابية، وفي هذا العام أصدر الملك توجيهاته بإقامة نصب تذكاري للعمال في أحد الشوارع الكبيرة لكي يؤكد أنه مع التحولات في لحظة تاريخية يتأسس فيها الاتحاد العام لعمال البحرين، ويعلن بصورة موازية ليوم الصحافة العالمية في خطابه النبيل بأهمية الصحافة وتأثيرها في مجتمع حر ديمقراطي. ولكي ننتقل عبر التراكمية والتجربة الجديدة ومواجهة كل عقبات الماضي والحاضر من دون خوف تصبح الصحافة نافذتنا النقدية، وكمثقفين وصحافيين نتلمس مظاهر التغيير، ونلمس إمكان متابعة النقد من دون خوف، والكتابة لكل ما يدور وسط الشارع السياسي، وبفتح ملفات ساخنة لم تكن في العهد القديم إلا ظلالا من شبح الخوف والكتمان، فهناك مؤسسات ولدت وظيفتها الدفاع عن هموم الناس ومعالجة كل التحديات السياسية والاقتصادية بروح جماعية. ذلك المناخ السياسي المفتوح جعل من صحافة النقد مفتوحة بمساحات أوسع في التحليق نحو الممكن، طالما هناك رؤية إصلاحية ترى في الصحافة وحريات التعبير هي الواجهة الحقيقية للديمقراطية الوليدة في البحرين، حيث يتوقع الجميع أننا لن نعبر المرحلة السابقة بسهولة أو من دون مواجهات، فكان على المجتمع المدني والصحافة أن تقبل الدخول في حلبة المواجهة، طالما أن الإطار القانوني يسندها والرؤية الملكية تستوعب معنى التحولات ورغبة التحدي في مجتمع متحول ممتلئ بالتناقضات والمشاكل، فكان الملك والصحافة عمودنا الفقري، لحركة الأقلام الحرة والنبيلة في مواجهة هذا الداء الساعي «لطأفنة» مجتمعنا ووحدتنا الوطنية، حيث تحارب الصحافة والصحافيون بقوة هذا السرطان الشرس.* كاتب بحريني
مقالات
يومان تاريخيان في حياتنا
08-05-2008