في أواخر عام 1984، بدأنا العمل في جريدة «القبس» وكان الأخ محمد الصقر قد أمضى عاما منذ توليه رئاسة تحريرها، وكانت الأجواء السياسية في ذروتها تمهيدا واستعدادا لانتخابات 1985، واقترح عليَّ أن أكتب زاوية يومية في الصفحة الأخيرة، وكانت تلك الصفحة مكتظة بعدد من الزملاء والكتاب، واقترحت عليه أن تكون الزاوية باسم «صريح» من باب الاثارة والتشويق، لأن الناس بطبيعتهم فضوليون يحبون معرفة الكاتب قبل قراءة المكتوب...وكان الأخ محمد مقتنعا بذلك لاسيما ان المعنيين من مسؤولين ومتابعين يعرفون الأسماء المستعارة في الصحافة، واجهزة الأمن كانت أول من يعرف، وكانت تتفاخر بذلك كأنها اكتشفت الذَّرة. وتميزت «القبس» آنذاك بعدد من الزوايا الصغيرة مثل مختصر مفيد، وسهل ممتنع، وعيب، وغير معقول، ونداء... وكانت تلك تتطلب جرأة في الطرح وجرأة أكبر في النشر.جاءت انتخابات 1985 وكانت الاجواء السياسية في أوجها، وشهدت الساحة المحلية زخما لم تشهده منذ اوائل السبعينيات، فكان مجلس 1985 من أقوى المجالس النيابية، حيث لم يُقدَّر له الاستمرار لقوته وتميزه، فتم حله عام 1986، وكانت الطامة الكبرى ان الحكومة اقرت نظام الرقابة المسبقة على الصحف قبل النشر وأصبح رقيب الاعلام هو رئيس التحرير الفعلي، وهو وضعٌ عقَّد من سهولة نشر أغلب الأعمدة والزوايا اليومية، وخلق إرباكا لم يكن محسوباً... وقد واجهت التعليقات صعوبة في النشر لم تشهدها في تاريخ الصحافة الكويتية. واقترحت على الاخ محمد الصقر والاخ يوسف السميط الذي كان نائبا لرئيس التحرير ان نكتب زاوية صغيرة نتحايل فيها على الرقابة -إن استطعنا- واقترحنا أن تكون «بلاغة شف» وهي تعني الفضول، أو حب الاستطلاع لدرجة الفضول، وتذيل بتوقيع ملقوف، وتمكنت الزاوية من العبور على الرقابة في أكثر من مناسبة وأكثر من مرة (للأمانة كان الاخ خالد العنزي الرقيب المسؤول عن القبس متعاوناً، حتى كنا نعتبره واحدا منا، وليس ممثلاً للحكومة).الآن، وبعد ان تركنا «القبس» وبعد أن توقفت الزاوية هناك منذ سنوات نعيد إحياءه من جديد علَّنا بـ «بلاغة الشف» نستطيع استطلاع بعض من مشاكلنا وهمومنا واهتماماتنا في الشأن المحلي أو العربي أو الانساني، وعلَّه يكون فضولا ايجابيا، لتسليط الضوء على حقائق تحتاج الى الأضواء حتى تخرج من الظلمة الى النور.
أخر كلام
بلاغة شف للزاوية حكاية
04-09-2008