لا أحد يفهم سر ارتباط الشهر الفضيل ببرامج المسابقات، فهي تتزايد بصورة ملحوظة عاماً بعد الآخر.

Ad

لماذا تحرص الفضائيات على وجود هذه البرامج بكثافة على شاشاتها؟ هل لتلبية رغبات الجمهور أم لأنها تدرُّ دخلاً لا بأس به من خلال اعتمادها على الاتصالات الهاتفية المباشرة والرسائل القصيرة؟

هل تتحمل الوكالات الإعلانية المسؤولية عن انتشار هذه البرامج، ذلك أن الغاية من ورائها هي الربح، خصوصاً أن الأسئلة المطروحة لا تهدف إلى تثقيف الجمهور أو حتى تنشيط معلوماته العامة نظراً إلى ضحالة مستواها؟

عن تقييم هذه البرامج وأسباب انتشارها خصوصاً في الشهر الفضيل كان هذا التحقيق...

ليست هذه البرامج إلاعمليات نصب مستحدثة، في نظر الناقدة حنان شومان، فهي تستخدم تطور التكنولوجيا وانتشار الفضائيات لمداعبة أحلام البسطاء وبيعهم الأوهام. تعتبر شومان أن سر انتشارها في رمضان يعود إلى أن صانعيها يعتقدون خطأ أنه شهر الترفيه ويحتاج الجمهور إلى البرامج الترفيهية الخفيفة، وأن نسبة المشاهدة تكون عالية جدا، ما يدفع القنوات إلى استغلالها لتحقيق أعلى معدلات الربح، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها نظرا إلى أن هذه البرامج قليلة التكلفة وتدر دخلا كبيرا في الوقت ذاته.

بيع الوهم

بدورها، تنتقد الناقدة خيرية البشلاوي هذه البرامج ومقدِّميها، مشيرة إلى أنها تثيرها وتشعرها بالاشمئزاز لأنها تتعامل مع المشاهدين بوصفهم أغبياء يسهل النصب عليهم، تضيف: «ما يغضبني أكثر هو تفاعل المشاهدين مع هذه البرامج على الرغم من علمهم مسبقا أنها لا تعدو أكثر من عمليات «نصب» لاستنزاف أموالهم».

يؤكد د.صفوت العالم، أستاذ في كلية الإعلام في جامعة القاهرة، أن الإحصاءات تشير إلى أن برامج المسابقات هي الأعلى مشاهدة وتحظى بجماهيرية واسعة، «لذا تحرص الفضائيات ومن قبلها القنوات المحلية على وجودها ضمن خريطتها سعيا وراء التمويل، بوصفها وسيلة من وسائل الربح من المكالمات الهاتفية والرسائل القصيرة والإعلانات، لذا اعتمدت عليها الفضائيات الضعيفة التمويل والتي تبحث عن وسيلة للاسترزاق».

ينتقد د. العالم بشدة البرامج التي تقدمها مذيعة تتمتع بإمكانات الجمال والدلال فحسب وتطرح على المشاهدين أسئلة تافهة، على خلفية مليئة بأرقام الهواتف، وفي الحالات كلها وحده المشاهد هو الخاسر الأول والأخير في هذا الموضوع. لكنه، في المقابل، يلاحظ وجود بعض برامج المسابقات المفيدة والمسلية والمحترمة، مثل «من سيربح المليون» الذي يقدمه جورج قرداحي، لما يتميز به من ثقافة عالية وجدية، ما يضعه على قمة برامج المسابقات، لذلك يرفض وضعه في سلة واحدة مع البرامج التافهة التي تقدمها فتيات شبه عاريات، ومن دون أي منطق أو هدف.

أحلام البسطاء

يرى د. أحمد عبد الله، أستاذ الطب النفسي، أن هذه البرامج تداعب الحالمين بالثراء السريع وما أكثرهم في هذا العالم، تلعب على غرائزهم ورغباتهم في تحقيق الرفاهية عبر المال وبوسيلة سهلة كما يتوهمون، يمنحهم مجرد اتصال هاتفي فرصة الدخول إلى الجنة، «خصوصاً أن الثقافة العربية المترسخة في أذهاننا تركن إلى الكسل والدعة، وساعد الحصول على الأموال من دون عناء في انتشار هذه البرامج وفي تحقيقها نسبة جماهيرية عالية».

يعلق الناقد نادر عدلي على هذه الموضة بالقول: «الثراء غريزة إنسانية واللعب عليها موجود منذ القدم، لكن يفترض بأن يكون الجمهور واعياً تماما بأن هذه البرامج تستنزفه ماديا ولا ينال منها شيئاً».

يطالب د. صفوت العالم بوجود جمعيات من شأنها حماية المشاهد من هذا الإحتيال، مشيراً إلى وجود جمعيات لحماية المشاهد والمستهلك على السواء في الدول المتقدمة، «مثلا لو اتصل مشاهد ببرنامج وتعرض لإحدى طرق النصب، مثل التطويل المفتعل وغير المبرر في المكالمات الهاتفية، يستطيع أن يشكو إلى جمعيات حماية المستهلك وهي تحميه، لكن إذا تعرض في دولنا للنصب، لا يجد من يشكو له أو يحميه، إنما يلام لأنه استسلم للخداع».

استنزاف

لا يختلف الناقد نادر عدلي مع ما طرح سلفاً، مشيراً إلى أن البرامج الترفيهية في وطننا العربي لا تقدم التسلية والمتعة، إنما برامج تافهة، وطرق الاسترزاق وجمع المال بأساليب غير محترمة. يرجع عدلي سر انتشارها في رمضان إلى تحقيق هذا الشهر أعلى نسبة مشاهدة، مضيفاً: «نحتاج إلى تكاتف الجميع، لا بد من أن يشعر النجوم الذين يشاركون في هذه البرامج بمسؤوليتهم تجاه الجمهور ويعزفوا عن المشاركة في تلك «السبوبة» التي لا تهدف إلا إلى النصب على المشاهدين».

وعي

من ناحيته، يضع طارق علام البرامج الترفيهية، سواء منوعات أو مسابقات أو غيرها، في سلة واحدة، وينتقد الهجوم على برامج المسابقات والتعميم بأنها للنصب واستنزاف أموال المشاهدين، مشيرا إلى أن هذه الأحكام غير منصفة نظراً إلى وجود برامج مسابقات محترمة وإلى وعي المشاهد العربي لمن ينصب عليه ومن يحترمه.

لا ينفي علام أن بعض هذه البرامج يستغل الجمهور، تحديدا من يحلمون بالثراء السريع ويرى أن من غير اللائق وصف كل المواد الإعلامية بالنصب، تنتشر هذه البرامج أكثر في رمضان، في رأيه، لأن الشهر الفضيل يحقق أعلى معدلات مشاهدة واهتمام من قبل الجمهور لكل ما يعرض، رافضاً مقولة أن هذه البرامج مقامرة، مؤكداً أنها أسئلة يجيب عنها الجمهور ويحصل على جائزة مقابلها، وهي تدفع من دخل الإعلانات والاتصالات، ما ينفي تماما أن تكون نوعا من المقامرة.

فتوى

جاء في فتوى لدار الإفتاء المصرية في ديسمبر (كانون الأول) 2006: «الأصل في المسابقات أنها جائزة شرعًا إذا كانت هادفة وتعود على المجتمع بالنفع العام وتحقق فيه الخير والنماء، وكانت بعيدة عن القمار والميسر والمراهنة والتدليس والغرر أو الجهالة؛ لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: سابقت الرسول صلى الله عليه وسلم فسبقته، فلما حملت من اللحم سابقني فسبقني، فقال: «يا عائشة، هذه بتلك» رواه أحمد وأبو داود.

   يجوز شرعًا تحديد جائزة لمن ينجح ويسبق غيره في حل المسابقات الهادفة والمباحة شرعًا شرط أن تكون الجائزة من أموال المنظمين لهذه المسابقة أو من أي جهة تقدمها للفائزين. لا يجوز باتفاق الفقهاء أن يكون مال الجائزة من جميع المتسابقين، بأن يدفع كل منهم القليل ليحصل بعضهم على الكثير الذي يشمل ما قام بدفعه هو وما دفعه غيره من المتسابقين؛ لأن ذلك من باب المراهنة والمقامرة والميسر الذي نهى عنه الإسلام في مثل قوله تعالى: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّما الخَمرُ والمَيسِرُ والأَنصابُ والأَزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ}[المائدة :90].

وبناء على ذلك فإننا نفيد بأن المسابقات الهاتفية عبر الإذاعة والتلفزيون وغيرهما إن كانت موافقة للشروط والضوابط الشرعية المشار إليها سابقًا فلا مانع منها شرعًا.

أما إذا اشتملت على الخداع أو التدليس أو القمار أو المراهنة وكان قصد الشركات المنظمة لها التربح من ورائها وجعل المسابقة مشروعا استثماريًّا والحصول على أموال الناس بطريقة تحايلية وتقديم جزء قليل من هذه الأموال في صورةِ جائزة فتكون هذه المسابقات محرمة شرعًا».