لا تفارقه صورة طفولته وعوالمها الغامضة التي يسيطر عليها الجن والعفاريت، لكنه استطاع تحرير عقله بالكتابة التي رأى فيها خلاصه. إنه الأديب الشاب أحمد خالد توفيق، الذي تفيض كتاباته بفزع الطفولة.حول كتاباته المسكونة بالأساطير، كان الحوار التالي. هل كنت تميل إلى قراءة روايات الرعب في طفولتك؟ كنت طفلاً جباناً، مرعوباً، وواسع الخيال. اكتشفت أن مَخرجي الوحيد من الخوف، تحويله إلى رعب ميتافيزيقي، فكتبت مخاوفي كلها في ورقة، ووضعتها في فتحة في سور المدرسة، ولكني إلى اليوم أخاف المرور بجانب السور!الكتابة بالنسبة إليك تطهير أم تنفيس عن المخاوف؟ عندما تكتب تكتشف أن مخاوفك جميعها لا تستحق هذا العناد والقلق كله. وهذا هو مبدأ التطهير وتحويل الرعب إلى خرافة، فأنا أقف وراء المدفع ليس أمامه. يؤكد علماء النفس أن لأفلام الرعب ورواياته تأثيراً سلبياً على عقول الشباب المراهقين؟ يكتشف علماء النفس حتى الآن أن القتلة أو السفاحين كانوا يقرأون روايات الرعب قبل تنفيذ جرائمهم، فالسلوك التقليدي الذي توحي به هذه الأفلام يولّد أخطر النزعات السادية وهي نماذج مرضية، ولكني أكتب الرعب بمفهوم تشويقي يتعلق بالخيال، فهو لدي رياضة للخيال للاستمتاع بالوقت. لكنّ السحر والرعب تكريس للخرافة داخل عقول الشباب؟ لا أتكلم عن السحر باعتباره حقائق علمية، أقدّم الرعب بفكرة الأسطورة، وأذكر أحياناً أن بطل القصة ربما يكون كاذباً، نصاباً، وبذلك أصنع خط التراجع أمام عقلية القارئ كي لا يصدق القصة، لكنّه يطلق لخياله العنان ويهرب قليلاً من واقعه. ما سر جاذبية الرعب لدى الأطفال والشباب؟الرعب جذاب جداً منذ الطفولة، وحكايات أمنا الغولة والعفاريت. وعلى رغم خوفنا منها، نصرّ على سماع القصة أكثر من مرة، وينجذب الشباب إلى أفلام الرعب التي انتشرت في السينما المصرية في الفترة الأخيرة، لأن هؤلاء يعيشون في رعب حقيقي، ومشاكل لا حصر لها. في النهاية، تجد الناس قصصاً وحكايات خارج سباق الزمن والحياة العادية والطبيعة، فتذهب إليها لتنسى مشاكلها الحقيقية. أين أدب المغامرة والخيال العلمي في الأدب المصري؟ تاريخنا في كتابة الرواية حديث، يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، ولم نتطرق سوى الى مجالات محدودة في الأدب الروائي. أما الغرب فتطرّق إلى فروع عدة، مثلاً فيلم «حرب الكواكب» نجح في العالم كله إلا في مصر لأن المشاهد المصري الذي تُسحق كرامته، ويعيش تحت وطأة ضغوط عدة لا يهتم بهذا الخيال، وبالأشخاص الذين يعيشون داخل حجرة بعيدة. لماذا يرغب المُشاهد المصري في متابعة أفلام وقصص مرعبة؟ لأنه يعيش داخل رعب حقيقي اسمه الحياة، بالإضافة إلى أنه تربى على مجموعة موروثات ثقافية وفكرية تغلغت داخل شخصيته، وهي الإيمان والخوف من السحر والجن والعين والحسد والشر، هذه الأفكار كلها أو المعتقدات قريبة من شخصية المواطن المصري الذي نشأ وترعرع في ظل حياة مرعبة وأفكار خرافية. أما الخيال العلمي فيتعلق بالقراءة والثقافة وبمجتمع علمي متحضر، وبعمق التجربة الخيالية الإبداعية، وهذا لا يتوافر لدينا. روايتك «يوتوبيا»، هل تنتمي إلى الخيال العلمي أم الى الواقعية السحرية؟ تنتمي إلى ما يسمى أدب ما بعد المحرقة. فأنا أتخيل فيها المستقبل أسود.لماذا هذه السوداوية والعنف كلّه؟ هذا ما سيحدث بعد الكارثة، وهذا هو التطور الطبيعي للأحداث التي نعيشها. وإذا كانت نسبة العنف التي نعيشها الآن 60% وفقاً لقانون التطور والتراكم، ستصبح في عام 2020، 100%. ربما يحدث تغيّر ما في المستقبل؟ كتبت «يوتوبيا» وأنا مرعوب وخائف من المستقبل، لأنه لا يوجد لدينا قانون ونظام يحكم الأشياء، ربما قد تجتهد أي دولة أخرى وتصل إلى نتيجة، لكن في مصر كل ما نبنيه نهدمه ونبدأ من جديد إعادة البناء، مجهود استنزافي يرجعك الى نقطة الصفر. لماذا اخترت الجنود والمارينز الأميركان ليقوموا بحماية يوتوبيا؟ أتخيل ما سوف يحدث في المستقبل، إذ تجد الأثرياء العرب محميين من المارينز، وكذلك لا يجد الأثرياء الجدد أدنى مبرر لكراهية إسرائيل، لأن بيننا علاقات اقتصادية ومصالح متبادلة وأعمال وأموال. لذا كان طبيعياً أن يعامل أصحاب «يوتوبيا» الإسرائيليين بلطف ومودة. تركت النهاية مفتوحة، يتحرك فيها الفقراء لمواجهة أهل يوتوبيا؟ الصورة رمادية، ولا بد من المواجهة ما بين الإثنين. تركت خيال القارئ حراً يوجهه حسبما يريد، فهل التكنولوجيا تغلب الكثرة أم العكس، المهم أن هناك احتجاجاً وحركة ما، وربما يضع خيال القارئ نهاية أفضل من رؤيتي شخصياً. أنت عاشق للسينما، هل قدّمت لها أحد أعمالك؟ حظي سيئ مع السينما، فقد قامت شركات بشراء سيناريوهات كثيرة لي ولم تنتجها حتى الآن، وهو ما يُطلق عليه تسقيع الأفلام، أي شراء الفيلم أو السيناريو وبقاؤه حبيس الأدراج.
توابل - ثقافات
الأديب أحمد خالد توفيق: العفاريت تحمل إبداعي إلى الورق
11-05-2009