تعقيدات التصويت على قانون الاستقرار المالي كثيرة، ويكاد لا يكون له مؤيدون بشكله الحالي، فيما يدور الهمس في الأروقة السياسية هذه الأيام عن توقعات بحل مجلس الأمة ما لم يتم إقرار القانون في جلسة 3 مارس المقبلة، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل التعديلات المقدَّمة على القانون.

Ad

بات واضحاً أن قانون الاستقرار المالي الذي يشغل بال العديدين هذه الأيام حتماً لن يمر كما كان يريد محافظ البنك المركزي وفريقه الاقتصادي «الإنقاذي»، إذ أقدمت الحكومة على تعديله أولاً، ثم أتت به إلى المجلس لتنهال تعديلات النواب عليه، وهي في غالبها تعديلات وجيهة، خصوصاً تعديلات كتلة «العمل الشعبي» التي رأى فيها البعض تعقيداً للمسألة، وهي فعلاً كذلك، لكن هذا لا يعني أنها ليست تعديلات وجيهة.

يبقى أن ما هو غير وجيه في تعاطي «الشعبي» مع مسألة تعديلاته، هو تهديد النائبين أحمد السعدون ومسلم البراك باستجواب سمو رئيس الوزراء إذا مر القانون بشكله الحالي، وهو أمر غريب عجيب خصوصاً من النائب أحمد السعدون، الذي أحسب أني عرفته من خلال متابعتي الحثيثة له خلال إعدادي وزميلي ضاري الجطيلي لسلسلة ديوانيات الاثنين، فكان السعدون هادئاً عقلانياً متمسكاً بالدستور، أما الآن، فهو يفتّش عن المؤامرة ويبتعد عن نصوص الدستور، ولي من قراءتي تلك مثالان:

المثال الأول، هو استنكار السعدون والبراك عدم حضور الحكومة لاجتماعات اللجنة المالية التي خُصصت لمناقشة تعديلات «الشعبي»، وهو استنكار في غير محله، إذ ليس من الضروري وجود الحكومة في الاجتماع حتى تناقش التعديلات، بل «ياما» اجتمعت لجان للاستماع لوجهات نظر مقدمي اقتراحات بتعديل قانون ما، ولم تكن الحكومة حاضرة، فلم يقل أولئك النواب إن الموضوع «مُبيَّت» أو «مطبوخ»، بل هو أمر طبيعي.

أما المثال الثاني، فهو التهديد الذي أطلقه السعدون باستجواب رئيس الوزراء إذا مر القانون دون الأخذ بتعديلات «الشعبي»، بمعنى «يا تسوون اللي أبيه... أو أزعل!»، وهذه ليست عقلية تدار بها الأمور، علاوة على أنه لا يدخل عقل عاقل أن يتم استجواب رئيس الحكومة على قانون أقره مجلس الأمة بأغلبية أعضائه!

لكن العتب في كل الأحوال ليس على «الشعبي» الذي- على الأقل- قدم تعديلات على القانون بغض النظر عن وجهة نظرنا حولها، بل العتب هو على النواب الآخرين كمحمد العبيد وضيف الله بورمية وجابر المحيلبي الذين يطلقون تصريحاتهم ضد القانون دون أن يوفروا بدائل. أما خالد السلطان، والذي نضعه في الخانة نفسها من منتقدي القانون فله «قصة ثانية»، لأنه ببساطة يريد إنقاذ الشركات كافة وليس البنوك فحسب، لكنه يعلم أن ذلك صعب المنال، فلجأ إلى مهاجمة القانون في اللجنة المالية إلا أن التزامه وزملاءه السلف مع الحكومة يرغمهم على التصويت مع القانون، فهو- على حد وصفه للبنك المركزي- «رِجْل قدام ورِجْل ورا».

تعقيدات التصويت على قانون الاستقرار المالي كثيرة، ويكاد لا يكون له مؤيدون بشكله الحالي، فيما يدور الهمس في الأروقة السياسية هذه الأيام عن توقعات بحل مجلس الأمة ما لم يتم إقرار القانون في جلسة 3 مارس المقبلة، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل التعديلات المقدَّمة على القانون سواء من «الشعبي» أو من آخرين كأحمد المليفي أو مرزوق الغانم وعلي الراشد، إلا أنه من الخطأ الاعتقاد أن حل مجلس الأمة- وهو حل دستوري كما تشير التوقعات- سيعني أن قانون الاستقرار المالي سيمر من خلال مرسوم ضرورة أثناء فترة حل المجلس، إذ إن المجلس سيعود ليصادق على المرسوم، وإذا كانت الآراء السائدة هي ذاتها السائدة الآن والرافضة للقانون بشكله الحالي، فحتما سيُرفض المرسوم، ونعود مرة أخرى إلى المربع الأول.