تعلمنا قصة أهل الكهف الكثير، لكن أبرز ما نتعلمه منها ـ ونحن في شهر الصيام ـ الصبر والأمل.ومعنى الأمل: انتقال من حال إلى حال أفضل. والصبر: هو الصمود والثقة في وجه الله ورحمته سبحانه.ـ وهنا قد يثور سؤال مهم: لماذا يفقد الناس الأمل؟ ● إن ذلك يقع عندما يظنون أن إمكانياتهم لن توصلهم إلى أهدافهم، ويرون أن الوقت أو الجهد لا يكفي لتحقيق الأمل. وهنا لاَ حَلَّ أمامنا إلا أن نربط الأمل بالتوكل على الله.● { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} (البقرة: 249).● إنه لابد من الأمل والتوكل معاً لامتلاك الأسباب, حتى نصل إلى نهاية عالم الأسباب، فيكمل الله لنا ما تبقى من العوامل التي تنأى عن نطاق إدراك عقولنا.● وكيف لإنسان أمي يحمل رسالة الرحمن للعالم.. أن يقود أمة ترعى الغنم إلى أمة ترعى الأمم إذا لم يكن على قمة التوكل وذروة الأمل... ***لقد آمن أصحاب الكهف بالتوكل على الله ولم يعرفوا اليأس أبداً حتى في أشدّ اللحظات... إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى»...فحقق الله لهم وفيهم معجزة من دلائل النبوة...ولم تكن هذه القصة معروفة إلا للقليل جداً من أحبار اليهود، فلم ترد في أي كتاب مقدس أو غير مقدس, لأنها كانت بعد ظهور المسيحية بقرن أو أكثر.ونحن نعلم أن مكة المكرمة هي مهبط الوحي، وأن أهلها قوم وثنيون، وقد دعاهم الرسول إلى الإسلام فكذبوه، وآذوا أصحابه الذين آمنوا بالله وبه، وكان أكبر ما يروجونه عنه أنه كذاب جاء بأساطير، مثل أساطير الفرس.وقد هداهم شيطانهم إلى الاستعانة باليهود أهل الكتاب، علهم يجدون عندهم تدعيماً وتأكيداً لتكذيب النبي وإظهاراً لما يدعونه من أنه يدعي النبوة، وليس نبياً حقيقياً.وتروي كتب السيرة والتاريخ عن ابن عباس قوله: «بعثت قريش النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي مُعيط إلى أحبار اليهود بالمدينة، فقالوا لهما: سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته, فإنهم أهل الكتاب، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء. فخرجا حتى أتيا المدينة، فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا لهم أمره، وطلبوا منهم مساعدتهم على إظهار كذبه بامتحانه بأشياء لا يعلمها إلا الأنبياء، وذلك لفضحه وكشف حقيقته لكل من يتبعه، فقالوا لهم: سلوه عن ثلاث, لا يعرفها من أهل هذا الزمان إلا نحن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإلا فهو رجل متقول كذاب فتروا فيه رأيكم... سلوه عن فِتية ذهبوا في الدهر الأول: ما كان أمرهم؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طوَّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها. فما كان نبؤه؟ .وسلوه عن الروح ما هي؟ فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه.فعاد النضر وعقبة حتى قدما على قريش فأخبراهم بما قال أحبار اليهود.. فجاءت قريش وسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال لهم صلى الله عليه وسلم:»أخبركم غداً عما سألتم عنه» ونسي الرسول أن يقول: «إن شاء الله»، انتظر الرسول الوحي، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يأتيه جبريل بالوحي حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غداً واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه، وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل ـ عليه السلام ـ من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجل الطوّاف والروح.وهنا بهت الكفار واليهود، ووقعوا في شرّ أعمالهم... فهذه الواقعة وحدها معجزة كبرى في حق الرسول، ونحن فقط القادرون على معرفة إعجازها..فهي معجزة ومن دلائل النبوة لعدة أسباب: أولاً: قصة أهل الكهف غير موجودة في التوراة والإنجيل, لأنها حدثت بعد الميلاد بكثير، يعني بعد التوراة والإنجيل... حدثت لأتباع المسيح وقت الاضطهاد الروماني للمسيحية، وسجلها فقط الأحبار والرهبان سراً، وتداولوها بينهم سراً, خوفاً من الاضطهاد الروماني، ولو لم تكن غائبة وسرية لما تحداه اليهود بها.ثم إن هذه الأسئلة جاءته وهو في مكة وليس في المدينة قبل, أن يصبح قائد دولة وعنده رجال يأتونه بالأخبار من العالم.لقد كان في مكة مضهداً مطارداً ضعيفاً، ومكة بلا كتب أو يهود بل إن أهلها قوم وثنيون, ووصول هذه القصة إليه دليل أنه نبي مرسل, بل وسورة الكهف كلها.لقد تحقق أمل الرسول.. ونصره الله في التحدي وعلمه ما لم يكن يعلم...كما حقق رعايته ونصره لأهل الكهف بطريقة أخرى.وهذا هو الدرس الأول... وقد كان أهل الكهف عند المستوى اللائق بهم من الإيمان... فعندما آووا إلى الكهف شكروا الله...وكان أول ما قالوه في هذا الموقف العصيب: { رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً} (الكهف: 10)، وبهذا شكروا الله، وأعلوا من قيمة الدعاء (الدعاء في رمضان بالمناسبة من أفضل القربات إلى الله)، { أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} (النمل : 62) ، (لا تسأموا من الدعاء فإنه لا يعجز مع الدعاء أحد).وفي الحديث القدسيّ: «ابن آدم اطلبني وجدتني فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فُتَّني فتُّك، وإن فتك فاتك الخير كله».وعندما اختار الشباب الكهف أثبتوا أنهم في قمة الصبر والتوكل على الله, لأن التوكل معناه: أن تعمل حتى لا تبقي في يدك وسيلة أخرى، ثم تتوكل على الله بثقة كاملة، فأنت في رعاية أرحم الراحمين، القادر على كل شيء، وهو فوق كل الأسباب!
توابل - دين ودنيا
قصص القرآن أهل الكهف قصة أصحاب الكهف... والثقة في الله واللجوء إليه
07-09-2008