من المؤكد أن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب هو أولى خطوات النجاح، إضافة إلى أمور وأسس إدارية أخرى، منها اتخاذ القرار وسرعة التنفيذ، واعتماد الشفافية، وعدم فرض آراء مسبقة، بل البحث عن الحلول داخل الشركة، واحترام ثقافة الآخر، دون الخضوع لما تفرضه تقاليده، وهذا ما تميَّز به كارلوس غصن المشهور بالرجل الذي أنقذ شركة نيسان.• رئيس تنفيذي لـ«نيسان» و«رينو» وعضو مجلس إدارات «آي بي إم» و«سوني» و«آلكو» • في أقل من عام كان كارلوس غصن وضع «نيسان» من جديد في الموقع الذي افتقدته سنوات طويلة• تسلَّم إدارة نيسان في 1999 حين كانت شبه مفلسة وديونها 22 مليار دولار• أسهمت عوامل عدة في ترجمة هذه الإرادة في تسريع الأمور منها خلق حس الطوارئ وُلد رجل الأعمال كارلوس غصن في مدينة سان بولو البرازيلية من ابوين لبنانيين في عام 1954. عاش صباه في البرازيل وعاد الى لبنان ليتابع دراسته الثانوية في مدرسة الجمهور قرب بيروت، ثم سافر الى باريس للتحصيل الجامعي.تخرج غصن من مدرسة البوليتكنيك في باريس سنة 1974 حاملاً شهادة في الهندسة الكيميائية. ثم تابع دراسته في العلوم الإنسانية في «ايكول دي من» وتخرج منها عام 1978. بدأ العمل بعد تخرجه في شركة ميشلان الفرنسية لصناعة الإطارات. وبعد بضع سنوات أرسلته الشركة الى البرازيل ليعِدّ دراسة عن مصنعها هناك، ومنها ذهب الى الولايات المتحدة عام 1989 ليصبح مديراً عاماً ورئيساً لمجلس ادارة «ميشلان- أميركا الشمالية»، ثم عاد إلى فرنسا عام 1996 لينضم الى شركة رينو لصناعة السيارات، وأصبح نائب الرئيس التنفيذي للابحاث والتصنيع في هذه الشركة. ويشغل كارلوس غصن حاليا منصب الرئيس التنفيذي لشركتي نيسان ورينو. إذ تم تعيينه رئيسا تنفيذاً لرينو (شركة رينو هي الشريك الاستراتيجي لنيسان وأحد المساهمين فيها) عام 2005 مع الاحتفاظ بمنصبه في نيسان. وتم انتخابه لمركز رجل العام من قبل الفرع الآسيوي لمجلة «Fortune» لعام 2003، كما يشغل منصب عضو مجلس إدارة في كل من شركات «آي بي إم»، وسوني، وآلكو، وتم تسمية كارلوس غصن كفارس فخري للإمبراطورية البريطانية عام 2006. وضع نيسان المتدهور وقد واجهت غصنَ مجموعةٌ من المشكلات خلال وجوده في وظيفته كنائب للرئيس التنفيذي للأبحاث والتصنيع في شركة رينو، لأن الشركة آنذاك كانت تعاني مشاكل انتاجية وتسويقية كبيرة، الا انه نجح في ايجاد بعض العلاج لهذه المشاكل، مما شجع الشركة على دعوته للانتقال الى اليابان، حيث كانت شركة «نيسان» للسيارات، والتي تملك فيها رينو حصة كبيرة، ترزح تحت دين ضخم يهددها بالانهيار والافلاس. وهكذا ذهب غصن سنة 1999 الى اليابان وكله امل في اخراج الشركة من ورطتها ومأزقها المالي، وإعادتها إلى سابق أيامها الزاهرة. تسلَّم كارلوس غصن ادارة شركة نيسان سنة 1999 حين كانت في حالة شبه افلاس، تعاني خسائر دائمة وديونا تصل الى 22 مليار دولار، ومبيعات خاسرة، فضلاً عن صورة نيسان التي كانت مشوهة. فقد أظهرت معظم المؤشرات موقف الشركة الحرج من انخفاض المبيعات في كل الاسواق، ولاسيما في اليابان حيث تدنَّت بنسبة 30 في المئة خلال 3 سنوات، وأصبحت نماذج «نيسان» قديمة، وأمست صورتها باهتة فقلَّت قدرة انتاج السيارات بنسبة مليون سيارة تقريبا، وعانت خسائر متلاحقة وتكاليف غير موجهة، كما باءت كل خطط الاصلاح التي أُطلقت في التسعينيات بالفشل، إذ كانت تصطدم بالتقاليد اليابانية، لاسيما بتقليد العمل مدى الحياة، مما يحرّم أي تسريح للعاملين أو اغلاق للمصنع، لاسيما في «نظام كيرتسو» القائم بين نيسان وعدد من الشركاء والممولين ذوي الامتياز، ولو على حساب مصلحة نيسان الاقتصادية. وقد أبرمت شركتا نيسان ورينو في مارس 1999 اتفاق تحالف. وقد اكدت الدراسات الأولية قدرة هذا التحالف، اذ ان قوة الصانعين متكاملة، ففي حين تخرج رينو من خطة صارمة لتخفيض التكاليف وتتمتع بحالة مادية ممتازة مع أن مبيعاتها محدودة خارج أوروبا، يقتصر سوق نيسان على اليابان وأميركا الشمالية وتتمتع هي الأخرى بمؤهلات عظيمة في الصناعة، وبالتالي اذا نجح التحالف فسيجدي نفعا لكلا الطرفين، الا ان المخاطرة الكبرى تقع على عاتق رينو التي تسدد 33 مليار فرنك فرنسي في مقابل 36.8 في المئة من رأسمال نيسان، مما يعني أن أي فشل لنيسان سيكون بمنزلة الضربة القاضية لرينو، ومما يصعب من نجاح هذا التحالف اختلاف الحضارة اليابانية التي تعتمد على الشك في طرق الادارة الأوروبية. وكانت مهمة كارلوس غصن في اليابان صعبةً، حيث تختلف قواعد العمل هناك تماماً عما تعود عليه في اوروبا والولايات المتحدة. فالتقاليد والمفاهيم اليابانية لا تزال تلعب دورها الكبير في ادارة الاعمال، صغيرة أكانت أو كبيرة، والعلاقات بين ارباب العمل والعمال تحكمها امور تتعدى الاساليب والانظمة الصارمة والحازمة التي تطبق في الغرب.خطة غصن في إنقاذ الشركة وضع غصن خطة لانقاذ الشركة ترتكز على اعادة تأهيل هيكلية الشركة، فقام بتفكيك النظام المركزي الذي كان سائداً واعطى الاداريين التنفيذيين سلطات واسعة، حتى ان العمال سمح لهم بالاشتراك في تقديم الاقتراحات وأحياناً في تنفيذها، وهكذا أشرك الكل في العملية المتكاملة، فبدأ بوضع الخطط مروراً بالتنفيذ ثم تسويق الناتج والترويج له. وفي المقابل ألغى الوظيفة الثابتة مدى الحياة المعمول بها في اليابان، كما الغى نظام الترقية الآلي حسب الاقدمية وجعله خاضعاً للانتاجية، وصرف العديد من الموظفين من دون ان يستبدلهم بجدد. كما فتح غصن الادارة المالية على السوق الحر، ملغياً النظام السائد الذي يحول دون اكتتاب الاجانب بكميات كبيرة من الاسهم، وبذلك ادخل «نيسان» في عالم العولمة الجديد، وضخ فيها اموالاً قادمة من خارج اليابان، أما على الصعيد الانتاجي فقد وجد غصن ان الطرازات التي تنتجها «نيسان» محدودة فدفع بطرازات جديدة تقبّلها الجمهور في اليابان وفي الخارج بحماس كبير. وهكذا استعادت الشركة حصتها من الاسواق وأكثر، وعادت ثقة الناس بسياراتها. وفي أقل من عام كان كارلوس غصن يضع «نيسان» من جديد في الموقع الذي افتقدته سنوات طويلة. وقد أذهل هذا النجاح العالم، وأصبح اسم غصن متداولاً على النطاق العالمي ووجد لنفسه مُقعداً بين كبار رجال الاعمال، حتى ان استطلاعاً للرأي بين كبار مديري الشركات العالمية اعطاه المركز الثالث بين الف منهم. وفي عام 2001 سجل نجاحا مذهلا، وقدمت «نيسان» نتائج قياسية، وبدأ المصنع يجني الارباح التي وصلت الى 9.7 في المئة، وهي أعلى نسبة سجلت في تاريخ «نيسان» وتقلصت الديون من 22 مليار دولار إلى أقل من 4 مليارات دولار، وكثرت المبيعات وأضحى سير العملية في أفضل مستوى له. الالتزام والشفافية وقام غصن من أجل تعبئة معاونيه بتنفيذ مبدأ الالتزام بحذافيره وفق القاموس الداخلي للكلمات الرئيسية: «ان الالتزام هو هدف يجب تحقيقه». ويتم دعم هذا الهدف بمعطيات رقمية، وما إن نتعهد بتنفيذه ما من أمر يعوق تحقيقه سوى الاحداث الخارجة عن سيطرتنا، وفي حال عجزنا عن التنفيذ ينبغي علينا تحمل العواقب. تعتمد طبعا العديد من الشركات على مبدأ الالتزام، الا ان قلة منها تعتبره إلى هذه الدرجة بمنزلة وعد يُلزم المدير بشكل خاص. ويلحظ المسؤولون الذين تم استجوابهم ومراقبون آخرون أن ثقافة الالتزام هذه كانت الحافز الاساسي وراء انعاش «نيسان» المذهل، وقد برزت هذه الثقافة على عدة صُعُد.الالتزام الشخصي تبرز مثالية غصن كركيزة أساسية للثورة الثقافية في «نيسان»، فما إن أعلن عن خطة الانعاش حتى أخذ على عاتقه ثلاثة التزامات بسيطة: عودة الارباح ابتداء من السنة الاولى لوضع الخطة في عام 2000 - تخفيض نصف الديون حتى سنة 2002 - هامش تشغيلي يتخطى من 4 إلى 5% في المئة حتى عام 2002. ويعتمد غصن على مثالية التزامه الشخصي من أجل تعبئة معاونيه الا انه مثال للرجل المتطلب الى اقصى حد مع من يعمل معه ويشهد المشاركون في فرق الاعمال لتنفيذ خطة الانعاش بإرادة غصن الحديدية في ايجاد الحلول الجذرية ومطالبته الدائمة لهم بأن يقوموا بالتغييرات الجذرية، كما وضع نظام أهداف بمستوى مضاعف لحث العاملين على التفوق على ذواتهم، فبات على المسؤولين أن يتعهدوا بالتزاماتهم، بل أن يناضلوا كي يتجاوزوا التزاماتهم، مما يفسر بشكل اكبر كيفية بلوغ خطة الانعاش التي اعتبرت طموحة للغاية خلال سنتين عوضاً عن الثلاثة الاعوام المتوقعة. شفافية تامة في النتائج يترافق هذا الالتزام بالأهداف مع شفافية لم يسبق لها مثيل في النتائج. وفي حين جرت العادة في اليابان أن تتكتم الشركات عن حالتها المالية أمام الرأي العام والاعلام راهن غصن على الاعلان عن حالة «نيسان»، معتبراً ان الشفافية ضرورية لكسب ثقة الناس والمساهمين في الشركة عبر اجراءات سريعة. تكمن الخطورة الاساسية في عملية التغيير ببطء في تحقيق النتائج، حتى ان لم تبرز اي معارضة واضحة، الا أن ذلك يمكن أن يؤدي في معظم الاحيان الى عودة الامور الى نقطة الصفر. ومن أجل تجنب هذه العقبة جعل كارلوس غصن من عامل السرعة أولوية، معتبراً انه اذا استند بسرعة إلى النتائج الملموسة، فسيعيد هذا الأمر ثقة الناس والموظفين. وهكذا انطلقت عملية التغيير حتى قبل ابرام اتفاق التحالف، وخلال أشهر المفاوضات الستة التي سبقت الاتفاق قامت فرق عمل مؤلفة من موظفين من «نيسان» ورينو بدرس امكانية الاتحاد والتفكير في آليات عمل ملموسة مما دفع غصن الى اعلان «خطة انعاش نيسان» في اكتوبر 1999 اي بعد ثلاثة أشهر فقط من تسلمه ادارتها. وقد أسهمت عوامل عدة في ترجمة هذه الارادة في تسريع الامور هي: خلق حس الطوارئ، واعتماد اجراءات جذرية لخفض التكاليف مع ابراز ضرورتها وحتميتها، والتشديد على المهل المحددة لتنفيذ خطة الانعاش، والتخفيضات الصارمة في التكاليف باستثمارات مستقبلية، إضافة إلى غياب الاحكام المسبقة. إجراءات كارلوس غصن لمواجهة الأزمة العالميةاتخذ كارلوس مجموعة من الإجراءات الحازمة في العام الماضي لمواجهة الأزمة العالمية، والتي سيتم بها تجميد خطة العمل المتوسطة الأجل نيسان GT 2012 للفترة بين عامي 2008•2012، إلا أن الالتزامات المتعلقة بالجودة والمركبات عديمة الانبعاثات ستبقى مستمرة، ومن أهم هذه الإجراءات: • تخفيض تكاليف العمالة بالتماشي مع التراجع في الإيرادات، إذ ستخفض هذه التكاليف في البلدان ذات التكاليف العالية بنسبة 20 في المئة من 875 مليار يِن إلى 700 مليار ين في السنة المالية 2009. • إلغاء دفعات المكافآت لأعضاء مجلس الإدارة عن السنة المالية 2008. واعتباراً من شهر مارس، وإلى أن تتحسن الأوضاع بشكل ملحوظ ستخفض رواتب أعضاء مجلس الإدارة وكبار موظفي الشركة بنسبة 10 في المئة، بينما ستخفض رواتب مديري شركة نيسان موتور والشركات المرتبطة بها في اليابان بنسبة 5 في المئة. • تخفيض عدد موظفي «نيسان» على مستوى العالم بمقدار 20.000 موظف من 235.000 إلى 215.000 موظف في السنة المالية 2009، وتخفيض مخزون الشركة وموزعيها بنسبة 20 في المئة من 630.000 سيارة في مارس 2008 إلى 480.000 سيارة بحلول مارس 2009. • تخفيض الإنتاج ليتناسب مع وضع السوق، وذلك من خلال إجراء تغييرات مثل إلغاء ورديات وتحديد أيام بدون إنتاج، وتقليص ساعات العمل، لتؤدي إلى تخفيض الإنتاج على مستوى العالم بمقدار 787.000 سيارة مع نهاية السنة المالية، أي بتخفيض يعادل 20 في المئة، بالمقارنة مع الحجم المخطط له. • ستؤدي التخفيضات في النفقات الرأسمالية إلى توفير نقدي بنسبة 21 في المئة مع نهاية السنة المالية 2008، مقارنة بالسنة المالية 2007. كما ستشهد السنة المالية 2009 تخفيضاً إضافياً في النفقات الرأسمالية بنسبة 14 في المئة، من 384 مليار ين ياباني في السنة المالية 2008 إلى أقل من 330 مليار ين في السنة المالية 2009. • مراجعة مشاريع التصنيع المشترك مع الشركة الحليفة رينو في المغرب والهند بحيث يستمر المصنع المشترك في شيناي في الهند بسرعة أقل، بينما تعلّق «نيسان» مشاركتها في المشروع الصناعي قرب طنجة في المغرب. • مراجعة مجموعة المنتجات التي تقدمها الشركة، بما في ذلك إلغاء برامج مستقبلية معينة. وستطلق نيسان ما معدله 10 موديلات جديدة في السنة خلال المدة من 2009 إلى 2012، بما في ذلك السيارات الصغيرة الجديدة والسيارة الكهربائية. • تحسين رأس المال العامل، ولاسيما الذمم الدائنة والمدينة لتتمكن «نيسان» من توفير سيولة نقدية تبلغ 130 مليار ين في السنة المالية 2009. • مراجعة دقيقة لتحديد الفرص المتاحة أمام تحالف شركتي رينو- نيسان يتم التركيز فيه على الاستثمارات المستقبلية في المنتجات والتقنية ووظائف الدعم وتخفيض تكلفة المشتريات. وستوفر كل شركة سيولة نقدية بحد أدنى مقداره 90 مليار ين ياباني لأعمالهما المشتركة في السنة المالية 2009. أما بالنسبة للفترة من اكتوبر حتى ديسمبر من العام الماضي، فقد سجلت نيسان خسائر تشغيل بلغت 99.2 مليار ين وخسائر صافية بلغت 83.2 مليار ين مقارنة بأرباح تشغيل بلغت 211.9 مليار ين، وأرباح صافية بلغت 132.2 مليار ين في الفترة المقابلة من عام 2007، وتراجعت ايرادات الربع الثالث بنحو الثلث الى 1.8 تريليون ين. وتوقع غصن أن تسجل «نيسان» خسائر تشغيلية للعام المنتهي في 31 مارس من العام الحالي، وهي الاولى لها في 14 عاما، وتبلغ 180 مليار ين (ملياري دولاري) بدلا من أرباح تبلغ 270 مليار ين كانت تتوقع تحقيقها قبل نحو ثلاثة أشهر. وأشار متوسط التوقعات لتسعة عشر محللا الى أن الشركة ستسجل خسائر تبلغ 70 مليار ين،كما توقعت «نيسان» التي تمتلك من رينو 44 في المئة أن تتكبد خسائر صافية تبلغ 265 مليار ين بدلا من أرباح تبلغ 160 مليار ين.
اقتصاد
كارلوس غصن... مُنقذ نيسان ومُغيِّر ثقافة الأعمال في اليابان لبناني وُلد في البرازيل ودرس في فرنسا وانطلق في أميركا وأبدع في طوكيو
21-03-2009