كثر أخيراً استخدام مصطلح «النص الموازي» في الدراسات الأدبية والنقدية. يأتي رواجه ضمن السياق العام لتوجهات ما بعد الحداثة التي تتجه إلى تغليب «الهامش» على «المركز» بالرؤية وزاوية النظر، سواء كان الموضوع المدروس نصاً إبداعياً، أو فنياً، أو اجتماعياً يتعلق بسلوك الأفراد ونمط عيشهم.

Ad

يمكن للدارس أن يستخلص تعريفاً مبسطاً لما يسمى بـ{النص الموازي» أو «المجاور» يصب في مجمله حول المكملات أو العتبات الأولى للدخول إلى «المتن»، وتتمثل هذه المكملات في العناوين والمقدمات والهوامش والإهداء وبياض الصفحة وطريقة توزيع الأسطر، بل ويذهب إلى أبعد من ذلك الباحثون الذين يتناولون حياة المؤلف والظروف المصاحبة لإنتاج النص، فهذه الأمور مجتمعة يمكن الاستفادة منها باعتبارها «نصاً موازياً» لا يقل أهمية عن النص الأم.

مهما يكن من أمر فإن ظهور هذا المصطلح، الذي يُعزى رواجه إلى الفرنسي جرار جنيت، يعود بالدرجة الأولى إلى إعادة الاعتبار للهامش الذي لم يكن يولي له الباحثون أي اهتمام، بل إن نقاداً كثراً لم ينظروا إلى النص سوى أنه مجموعة من الرموز والكلمات التي تربطها علائق جامدة تنطلق من المتن وتعود إليه، يظهر ذلك في الدراسات البنوية.

في كتابها «النص وما وراء النص» توظّف الباحثة فتحية الحداد مصطلح النص الموازي في دراسة مسرحية «عتيج الصوف ولا جديد البريسم». اللافت أن الباحثة استعانت بهذا المصطلح في دراسة نص مسرحي، وليس روائياً أو شعرياً كما جرت العادة لدى باحثين كثيرين. جاء الكتاب متوائماً من حيث المهاد النظري الذي قدمت له الباحثة، ومن ثم الجانب التطبيقي الذي أتاح لها الإفادة من كل ما يقدمه النص المسرحي من هوامش ومكملات، ابتداء بالعنوان، وانتهاء بتوزيع فصول المسرحية والهوامش، والرموز ذات العلاقة بالبيئة والمحيط الذي عاش فيه المؤلف.

لم تلتزم الحداد بالعُرف النظري لهذه النظرية، بل هي تستقصي بعض الجوانب الاجتماعية الذي يظهر بين سطور المسرحية، كذلك سعت إلى توظيف اللغة ودلالاتها بالنسبة إلى الشخصيات وطبقاتهم الاجتماعية. إن دراسة اللغة ورموزها تأخذنا دائماً إلى استكشاف الجانب السيميائي للنص، لا سيما إذا اعتبرنا أن الكلمات رموز وإشارات تحلق في الفضاء، وتتعدد دلالاتها بحسب ذوق المتلقي وثقافته، لكن من يحق له الفصل بين سيمياء اللغة في النص وبين هوامشه ومكملاته التي تخدم الفهم العام، وتفتق الذهن إلى مواضع مهمة للتأويل.

لم تشأ الحداد أن تعنون كتابها بـ{النص الموازي» بل اختارت عنوان «النص وما وراء النص» وهي ترى فرقاً بين المسميين، وإن كانت تخلص إلى أن «ما وراء النص» هو نتيجة طبيعية لدراسة هوامش النص وجميع مكملاته، وتطلق عليها «ما حول النص» تقول: «في هذا الكتاب وبعد أن حاولت الوصول إلى ترجمة مناسبة لعبارة «الباراتكست» رأيت أن «النص وما حول النص» يعنى بطريقة البحث واستخدام النص المحاذي أو التاخم أو المجاور، وأن نتيجة استخدام هذا الأسلوب في البحث وتحليل النص هي اكتشاف ما وراء الكلمات والمعاني، أي أن ما حول النص يخص أسلوب البحث الذي يستفيد من «النص المحاذي» أو «الباراتكست»، أما تعبير «ما وراء النص» فيعنى بالحصيلة أو النتيجة، من هذا المنطلق اخترت أن يكون عنوان كتابي هذا(...) لأجعل من البحث حول النص وسيلة للوصول إلى ما وراء النص».