منذ أعلن النظام السوري بدء مفاوضاته مع إسرائيل أصاب ما يسمى العالم الحر «العمى»، فاستُقبل رأس النظام السوري في باريس استقبال الفاتحين، واستطاع هذا النظام من جديد ذر الرماد في عيون المنادين بالشعارات الوطنية البالية الفارغة من مضمونها، وأقنعهم بصوابية تحركه واستمرار تخندقه بوجه العدو بدليل تحاشي رأس النظام الاحتكاك بأولمرت والسلام عليه.إنها فنون جديدة من المقاومة لم نعتد عليها. ومَن نحن لنشكك فيها فمازلنا نعيش على نغم خطابات وشعارات الممانعة الجوفاء، رغم أن هذا النظام قد انتقل إلى مرحلة الاستجداء العلني لعقد صفقة السلام. من المعروف عن نظام البعث قدرته الهائلة على إعادة إنتاج نفسه... ففي الوقت الذي تعلو فيه عقيرة العالم المسمى «حرا» بالأصوات المنددة بجرائم البشير في دارفور وكارادزيتش في كوسوفو، يكاد لا يرى هذا العالم الحر ذاته ما جرى في سجن صيدنايا وكأن ما جرى هو غيمة صيف عابرة. طبعا هذا النظام هو الأبرع في التخلي عن الحلفاء، وهذا ما ينتظر حركات المقاومة كلها في فلسطين ولبنان، فهذا السلاح المقاوم سيتحول إلى سلاح يتيم محروم من الرعاية السورية الأبوية التقليدية، لأن سورية ستضطر إلى الرضوخ لإرادة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي عموما، ولتمنيات الرئيس ساركوزي، خصوصا انه من المتوقع أن تتحول التفاوضات غير المباشرة في ما بين سورية وإسرائيل إلى مباشرة، وما إعلان أولمرت أنه سيستقيل في حال انتخب شخص آخر لقيادة «كاديما»، إلا مقدمة لحكومة وحدة وطنية إسرائيلية مشكَّلة من الصقور لإتمام ملف المفاوضات مع سورية.ما يعرضه السوري على ما يسمى بـ«العالم الحر» من لعب دور على مستوى المفاوضات النووية مع إيران، ومن تسهيل التخلص من «حزب الله» وسلاحه، وتقديمه رأس مغنية كدفعة أولى على الحساب، واستقباله لعباس كإشارة على استعداده لحشر «حماس» في الزاوية، وسعيه إلى إغلاق حدوده مع العراق في وجه الإرهابيين، أصاب فرنسا ساركوزي والأوروبيين والأميركيين بالعمى، فهم لم يلحظوا «مجزرة صيدنايا» ولم يسمعوا بالمحاكمات الصورية التي تجري بحق قادة «إعلان دمشق» والمجتمع المدني.ولا علم لهذا العالم بمقررات مكتب الأمن القومي السوري بشأن منع نشاطات المعارضة الكردية الفاعلة في سورية، وقد تجلى ذلك في اعتقال القيادي الكردي محمد موسى سكرتير الحزب اليساري الكردي، لاسيما أن الحزب المذكور اتخذ مواقف جريئة باتجاه «رص» وتوحيد صفوف المعارضة الكردية الفاعلة في سورية عبر تقاربه مع لجنة التنسيق الكردية، وخصوصا مع حزب «يكيتي» الذي دشن منذ عام 2002 ثقافة وممارسة التظاهر والاحتجاج السلميين والحضاريين في صفوف الحركة الكردية في سورية.إن التقارب السوري الأميركي الإيراني الإسرائيلي لابد أنه حاصل وتجلياته كثيرة، ومن أبرز دلالاته المفاوضات السورية - الإسرائيلية والرسائل المتبادلة في ما بين الإيرانيين والأميركيين. وهنا استند إلى كلام نائب الرئيس الايراني أسفنديار رحيم مشائي، إذ أعلن أن إيران اليوم هي «صديقة الشعب الأميركي والإسرائيلي». إن النظام السوري بارع جدا في التنظيفات الجماعية، فهو لن يتردد في ظل هذا العمى وغض النظر الأوروبي الأميركي من التخلص بالجملة من معارضيه ومعرقلي استمراره... فمغنية وصيدنايا ومحاكمات قيادات إعلان دمشق ما هي إلا البداية وليست النهاية.حذار أيتها المعارضة السورية... حذار يا قيادات 14 و8 آذار قبل أن تجدوا أنفسكم ضحايا لتفاهمات الأميركيين والسوريين، وحدوا صفوفكم وعودوا إلى رشدكم حتى لا تُباعوا في سوق المصالح بالجملة، فلا تبقى المقاومة ولا تنتصر المحكمة الدولية لدماء الشهداء، وتُشرد المعارضة السورية في ما بين المقبر وسجون النظام وعلى قارعة الأرصفة الباردة في المنافي الأوروبية. * كاتب لبناني
مقالات
هل بدأت حملة التنظيفات بالجملة؟
08-08-2008