يعتبر التهاب الجيوب الأنفية إحدى الحالات الصحية الأكثر شيوعاً وتفاقماً التي تُشخّص لدى 31 مليون أميركي تقريباً سنويًا. بالنسبة إلى معظم المرضى لطالما اشتمل العلاج على مضادات حيوية.

Ad

ها هم الخبراء في مجال الطب يعملون الآن بجهد في سبيل التوصل إلى مقاربة علاجية أقل عدائية. حوالى 21 في المئة من الوصفات الطبية التي تعطى للبالغين في الولايات المتحدة الأميركية وتشتمل على المضادات الحيوية هي وصفات لعلاج التهاب الجيوب الأنفية، على الرغم من أن الدراسات تشير إلى أن تلك الأدوية تكاد تكون من دون أي تأثير على المرض. يمكن لمرض الجيوب الأنفية القصير الأمد أن يعزى إلى التهاب بكتيري قد يستجيب للمضادات الحيوية، أو إلى التهاب فيروسي لا يستجيب لتلك الأدوية. يعتقد الأطباء أن معظم الحالات تنجم عن إصابة فيروسية، ويتحول أقل من اثنين في المئة منها إلى إصابات بكتيرية.

ارشادات جديدة

في هذا السياق، أصدرت الأكاديمية الأميركية للأنف والأذن والحنجرة في العام الماضي إرشادات جديدة لعلاج التهاب الجيوب الأنفية. من بين تلك الارشادات أنه على الأطباء أن ينتظروا عادةً عشرة أيام قبل أن يفكروا حتى في وصف مضادات حيوية للمريض. إذا شعر المريض بتحسّن حتى ذلك الوقت، فلا شك أن الجسم الدخيل هو فيروس ولن تكون المضادات الحيوية مفيدة أبداً في تلك الحالة.

لكن إذا استمرت المشكلة لأكثر من عشرة أيام، فمن المرجح أن سبب الإصابة بكتيري. عندها، إذا كان المرض خفيفاً نسبياً، تترك الارشادات للطبيب خيار وصف مضاد حيوي للمريض أو مراقبته على مدى أسبوع آخر.

غير أن بعض المرضى والأطباء قد لا يرغب في الانتظار. مثلا، كانت كيشا هيربين سميث تعرف ما تريده عندما اتصلت بمكتب طبيبها في الشهر الماضي لتسأله عن عوارض من بينها الاحتقان وأوجاع الرأس والأنف السائل. هيربين سميث، 30 عاماً، التي تعمل كمنسقة للأبحاث في وود بريدج، في فيرجينيا، طلبت من الممرضة أن تصف لها مضاداً حيوياً لتخفّف من التهاب الجيوب الأنفية الذي بلغ درجات متقدمة لديها كي لا يفسد لها نهاية أسبوع خططت منذ وقت طويل لتمضيها على الشاطئ. وقالت سميث التي حصلت على الوصفة وتمتعت بعطلتها ثم ذهبت بعد عودتها لاستشارة الطبيب، إن «المضادات الحيوية لا تساهم إلا في جعل المرء يشعر بأنه أفضل حالاً».

كذلك أظهرت الدراسات أن المضادات الحيوية قد تساعد على الأقل بعض الناس المصابين بالتهابات بكتيرية كي يشعروا بأنهم أفضل حالاً. في التفاصيل، تبين من خلال تحليل شمل 13 دراسة أجريت سابقاً، أثناء قيام الأكاديمية بجمع الأدلة لمجموعة الارشادات الجديدة، أن 87 في المئة من مرضى التهاب الجيوب الأنفية الذين تناولوا المضادات الحيوية شعروا بأنهم أفضل حالاً بعد سبعة إلى 12 يوماً. لكن من بين المرضى الذين لم يتناولوا تلك الأدوية، شعر 73 في المئة منهم أنهم أفضل حالاً بعد مضي هذا الوقت.

آثار جانبية

فضلاً عن ذلك، للأدوية آثار جانبية. وجد المشرف الأساسي على التحليل، ريتشارد روزنفيلد، أن 25 في المئة من مرضى التهاب الجيوب الأنفية الذين تناولوا المضادات الحيوية عانوا من آثار جانبية كمشاكل في المعدة والأمعاء، وتحسّس في البشرة وأوجاع في الرأس. في المقابل، من بين مرضى التهاب الجيوب الأنفية الذين لم يتناولوا الأدوية، 14 في المئة عانوا أيضاً من المشاكل. بالإضافة إلى أن الاستعمال الواسع النطاق للمضادات الحيوية مسؤول أيضاً عن نشوء بكتيريا مقاومة لا تستجيب للأدوية التقليدية.

يقول برادلي ماربل، وهو أستاذ في المركز الطبي الجنوبي الغربي التابع لجامعة تكساس في دالاس شارك في صياغة الارشادات الجديدة، إنه «من المؤكد أن السبيل للحصول على مقاومة أقل يكمن في وصف مضادات حيوية». يشير ماربل إلى أنه شعر براحة أكبر في السنوات الأخيرة لقيامه بعلاج حالات التهاب الجيوب الأنفية الخفيفة نوعاً ما من دون أدوية. عن الأمر يقول إنه يجلس مع كل مريض ليناقش معه الخيارات المتاحة ويكشف له عن السبب الذي يكمن وراء نصيحته تلك.

عادات قديمة

يُشار إلى أن بعض المرضى يتكيف مع العلاجات التي لا تشتمل على الأدوية. مثلا، تقول ويندي وول، وهي طالبة في جامعة ألاباما، إن طبيبها أعطاها حديثاً محلولاً يحتوي على الأملاح عوضاً عن مضاد حيوي لعلاج التهاب الجيوب الأنفية الذي تعاني منه. تضيف «لا أريد أن أجازف وأتعرض» لآثار جانبية محتملة بسبب الأدوية.

من المنطلق نفسه، تود سلطات طبية أخرى أن تذهب إلى ما وراء الارشادات التي تحددها الأكاديمية لتحدّ استعمال المضادات الحيوية لعلاج التهاب الجيوب الأنفية. ورد في تحليل أجراه باحثون دوليون ونشرته المجلة الطبية «ذي لانست» في شهر مارس (آذار) أن «استعمال الأدوية غير مبرر حتى لو عانى المريض من العوارض لفترة تتخطى العشرة أيام». يعود السبب في ذلك إلى أن الطريقة التي يعتمدها الأطباء لتشخيص التهاب الجيوب الأنفية، استناداً إلى العوارض، ليست نموذجية بما يكفي لتحديد المرضى الذين سيستفيدون من المضادات الحيوية، بحسب الخلاصة التي توصل إليها الباحثون.

لكن يبقى صعبًا التغلب على العادات القديمة. مثلا، يعرف دانييل ميرينستاين، مدير برامج الأبحاث حول الطب العائلي في جامعة جورج تاون، الأسباب التي تكمن وراء عدم استعمال المضادات الحيوية تماماً كأي شخص آخر، فقد شارك في التحليل الذي نشرته مجلة «ذي لانست» الذي ينصح بعدم استعمال تلك الأدوية. يقول الدكتور ميرينستاين إنه على رغم ذلك غالباً ما يصف مضادات حيوية للمريض بعد مروره بأسبوع عصيب عانى خلاله من عوارض التهاب حادة ومتفاقمة، عوضاً عن الانتظار عشرة إلى 17 يوماً. يتابع «أعتقد أن هذا ما يتوقعه المريض. أود المجازفة والقول ربما يكون هذا المريض هو الاستثناء الذي سيشعر بتحسن بسرعة أكبر».