أقيمت الأولمبياد للمرة الرابعة في الولايات المتحدة الأميركية في نسختها السادسة والعشرين، فبعد سان لويس 1904 ولوس أنجلس 1932 و1984، جاء دور اتلانتا 1996، من التاسع عشر من يوليو حتى الرابع من أغسطس، وسط مجادلة قوية سبقت اختيار أتلانتا، على اعتبار أحقية أثينا الشرعية والتكريمية في استضافة هذه النسخة لأنها تزامنت مع الذكرى المئوية لانطلاق الألعاب الأولمبية الحديثة.

Ad

بدأت الألعاب الاولمبية في نسختها السادسة والعشرين في اتلانتا، وفي الذكرى المئوية لانطلاقتها في أثينا.

في هذه المناسبة تحطمت الأرقام القياسية كلها بالنسبة الى عدد الدول المشاركة الذي بلغ 197 دولة. وتبارى من 19 يوليو إلى 4 أغسطس 10320 رياضيا بينهم 3532 امرأة في 271 مسابقة ضمن 27 لعبة، وتوج في النهاية 842 رياضيا ورياضية في المراكز الثلاثة الأولى.

واستعادت الولايات المتحدة المركز الأول في الترتيب العام برصيد 101 ميدالية بينها 44 ذهبية، تلتها روسيا بـ63 ميدالية منها (26) ذهبية ثم ألمانيا بـ65 ميدالية منها (20) ذهبية. واستقرت الصين في المركز الرابع بـ50 ميدالية منها (16) ذهبية.

والمحصلة العربية كانت الأوفر حيث بلغت ثلاث ذهبيات بفضل العداء الجزائري نور الدين مرسلي (1500 م)، والسورية غادة شعاع بطلة العالم في المسابقة السباعية، والملاكم الجزائري حسين سلطاني في الوزن الخفيف، فضلا عن أربع برونزيات حققها المغربيان خالد بولامي (سباق 5 آلاف م) وصلاح حسو (10 آلاف م)، والملاكمان الجزائري محمد بحاري (75 كغ) والتونسي فتحي الميساوي (63.5 كلغ).

وعلى غرار ما حصل في سيؤول وبرشلونة، انحصرت الميداليات العربية في ألعاب القوى والملاكمة، وكان المغربي هشام الكروج أبرز المرشحين لإحراز المركز الأول في سباق 1500 م، وكان يجري خلف مرسلي، وعندما حاول تجاوزه قبل نحو 400 م من خط النهاية اصطدم بكاحل قدم مورسلي ووقع أرضا، في حين تابع الجزائري طريقه نحو حصد اللقب معوضا إخفاقه في دورة برشلونة.

وكان اللافت فشل المغاربة في حصد الذهب للمرة الأولى منذ لوس انجلس، وسرقت شعاع الأضواء بانتزاعها ذهبية السباعية من الاميركية جاكي جوينر كيرسي معوضة بذلك إخفاق الجزائرية حسيبة بولمرقة بطلة سباق 1500 م في برشلونة.

ويلاحظ ان 79 دولة أحرزت ميداليات في «الدورة الاميركية الجديدة» بينها 53 ذهبا.

ذهبية يتيمة للإنكليز

ومقارنة مع برشلونة، تقدمت فرنسا من المركز التاسع إلى الخامس، وايطاليا من الحادي عشر إلى السادس، أما إنكلترا فكانت المفاجأة باحتلالها مركزا متأخرا جدا وعدم حصولها على أكثر من ذهبية واحدة في مقابل 5 ذهبيات في برشلونة.

أما الألعاب الـ27 فكانت: ألعاب القوى، التجديف، كرة السلة، البادمنتون، البيسبول، الملاكمة، الكانوي- كاياك، الدراجات، الفروسية، المبارزة، كرة القدم، الجمباز، رفع الأثقال، كرة اليد، الهوكي على العشب، الجودو، المصارعة، السباحة، الخماسية الكرة الطائرة، (ومن ضمنها الكرة الطائرة الشاطئية)، الرماية، القوس والسهم والألواح الشراعية.

وفتح المجال أمام مشاركة الدراجين المحترفين ما منح الفرنسية جاني لونغو والإسباني ميغيل اندورين تتويجا أولمبيا في النهاية.

وعدلت أنظمة كرة القدم إذ سمح لكل منتخب بإشراك ثلاثة لاعبين فوق 23 عاما.

والى الكرة الطائرة الشاطئية، اعتمدت ضمن المسابقات سباقات الدراجات للضاحية (في تي تي) وكرة القدم النسائية وجاء لقبها اميركيا، والسوفت بول.

ولا شك ان محيي الألعاب الاولمبية الحديثة البارون الفرنسي بيار دو كوبرتان، لن يتعرف على مولوده في «نسخته المئوية» لو تسنى له العيش حتى يومنا، لأنه أصبح عملاقا يضم أكثر من 10 آلاف رياضي و 6000 مدرب و15 الف صحافي

و103 آلاف فرد لحفظ الامن، بينهم 42 ألف متطوع. وكانت الالعاب الاولى في أثينا عام 1896 انطلقت بمشاركة 245 رياضيا من 14 دولة.

أكبر تجمع إنساني في القرن الـ20

شكلت الدورة أكبر تجمع إنساني في القرن العشرين، باعتبار ان الألعاب الاولمبية لاتزال ذات طابع أسطوري رمزي موحد، ولان اللجنة الاولمبية ألغت التمييز بين الاحتراف والهواية مما زاد من حماسة المشاركة، فشاهدنا في المباريات عمالقة من اللاعبين المحترفين، أمثال البرازيلي بيبيتو في كرة القدم، والاميركي أندريه أغاسي في كرة المضرب الذي اعتبر انه دخل التاريخ بميداليته الذهبية، والإسباني اندروين في الدراجات.

أما الطابع التجاري والإغراءات المادية فقد جعلت كثيرين يتهافتون للاستفادة لان هذه الألعاب البالغة تكاليفها 1.7 مليار دولار، درت على منظميها أكثر بكثير، ويبقى القاسم المشترك لمعظم المشاركين ما ردده ابن المدينة مارتن لوثر كينغ «عندي حلم» وذلك في 27 أغسطس 1963، حين عبر عن حلمه بأن يجلس أبناء المستعبدين وأبناء المستبعدين معا وراء طاولة الحرية.

كما شهدت أتلانتا بعض مظاهر التآلف والسلام. وقال الرئيس الاميركي الأسبق جيمي كارتر ان وجود رياضيين كوريين شماليين وفلسطينيين في الدورة، برهان على ان المسابقات الرياضية تحطم الحواجز كلها.

لويس يواصل تألقه دورة تلو الاخرى

وواصل الاميركي كارل لويس انجازاته الاولمبية دورة تلو الاخرى واحتفظ باللقب الاولمبي في الوثب الطويل للمرة الرابعة على التوالي، وحصد ميداليته الذهبية التاسعة منذ 1984.

وحقق الرباع التركي نعيم سليمان اوغلو ذهبيته الثالثة على التوالي وحطم ثلاثة أرقام عالمية في وزن 60 كلغ. وحصدت السباحة المجرية كريستينا ايغرتشيغي ميداليتها الذهبية الخامسة. وبرزت نجمة جديدة في الحوض الاولمبي هي الايرلندية ميشيل سميث التي فازت بثلاث ذهبيات وبرونزية (400 م حرة و200 م متنوعة و400 م متنوعة و200 م فراشة).

وبات الروسي ألكسندر بوبون أول سباح منذ الاميركي جوني فايسمولر عام 1928، يحرز ذهبية سباق 100 م حرة للمرة الثالثة على التوالي.

الأولمبياد التاسعة لسشال

وخاض النمساوي هوبرت روادا سشال أولمبياده التاسعة في الألواح الشراعية منذ 1964، وهو إنجاز غير مسبوق.

ووصل نجوم عالميون إلى نهاية سعيدة لأحلامهم بحصولهم على أول لقب اولمبي ينقص سجلاتهم الحافلة بالإنجازات العالمية، من أبرزهم الكندي بايلي والاميركي اغاسي والجزائري مرسلي والإسباني اندورين والفرنسية لونغو، وبطلة الوثب العالي البلغارية ستفيكا كوستادنيوفا.

في المقابل، فشل أبطال عالميون وأولمبيون في المحافظة على ألقابهم بسبب الإصابة أو الخسائر، وأبرزهم البيلاروسي فيتالي شيربو (الجمباز)، والاوكراني سيرغي بوبكا الذي فشل للمرة الثانية في القفز بالزانة، والبريطاني كريستي، والعداءة الجامايكية مارلين اوتي، والجزائرية بولمرقة، وبطل الوثب العالي الكوبي خافيير سوتومايور، وبطلة المسابقة السباعية الاميركية كيرسي، وبطل الوثبة الثلاثية حامل الرقم القياسي العالمي البريطاني جوناثان ادواردز (29،18 م)، وعداء السرعة النامبي فرانكي فريدريكس.

ذهبية كرة القدم نيجيرية

وقلبت نيجيريا التوقعات في مسابقة كرة القدم فأخرجت البرازيل في نصف النهائي (4-3 بالهدف الذهبي)، ثم تغلبت على الأرجنتين في النهائي (2-3) لتصبح أول دولة إفريقية تحرز الذهب.

ويبقى القول ان دورة أتلانتا شهدت أحداثا رياضية مهمة، ولكنها لم ترتق إلى مصاف الدورات التاريخية، وهذا ما يفسر وصف سامارانش لها بعبارة «أتلانتا حسنا فعلت».

مايكل جونسون يبيض صفحة بلاده

السلبيات كلها في أتلانتا لم تطغ على الإنجازات التي حققها الابطال المشاركون، إذ حفلت الدورة بتحطيم 21 رقما قياسيا عالميا حقق الرباعون معظمها، وأبرزها الرقم الاعجازي الذي حققه العداء الاميركي مايكل جونسون في سباق 200 م والذي سيبقى معمرا لسنوات عدة (19.32ث) معززا أيضا بفارق 0.34 ث رقمه العالمي الذي سجله قبل نحو شهر من خلال منتخب بلاده.

وكذلك الرقم العالمي الآخر الذي حققه الكندي دونافان بايلي في الـ100 م (84.9 ث) فهزم الاميركيين في اختصاصهم وبيض صفحة بلاده بعد فضيحة بن جونسون في سيؤول 1988.

وتأخر إطلاق السباق نحو سبع دقائق بسبب استبعاد حامل اللقب البريطاني لينفورد كريستي لارتكابه خطأين. واللافت ان الثلاثة الأوائل في سباقي 100

و200 م كسروا حاجزي الـ10 والـ20 ثانية، ما اعتبر أسرع سباقين أولمبيين حتى تاريخه.

وأضاف جونسون صاحب الأسلوب الخاص في الجري إلى الفوز في الـ200 م، ذهبية الـ400 م. وحذت حذوه الفرنسية ماري جوزيه بيريك في الـ400 م، وعادلت رقم الاميركية فاليري بريسكو هوكس (لوس انجلس 1984)، وباتت أول رياضية بين الرجال والسيدات تحافظ على لقب السباق. في أولمبيادين متتاليين.

محمد علي أوقد الشعلة

في أتلانتا التي يشكل السود نسبة 70 في المئة من سكانها، أقسمت لاعبة كرة السلة الزنجية تيريزا ادواردز القسم الاولمبي، أما الذي أضرم النار موقدا الشعلة الاولمبية، فهو بطل العالم السابق في الملاكمة محمد علي كلاي الذي طلب المنظمون من السباحة البيضاء البطلة الاولمبية جانيت إيفانز أن تبقى مستعدة لتقديم المساعدة له، في حال دعت الحاجة وواجه صعوبة بعدما سلمت الشعلة له لكون «الأسطورة» مصابا بمرض باركنسون. وتقدمت منه لاعبة كرة المضرب الاميركية مونيكا سيليس وقالت له: « إننا نحبك ونحن سعداء بوجودك معنا».

أما رئيس اللجنة الاولمبية الدولية خوان انطونيو سامارانش فقد سلم محمد علي ميدالية ذهبية عوضا عن تلك التي أحرزها في دورة روما عام 1960، ورماها في نهر أوهايو استياء لطرده من مطعم ومطاردته من قبل عصابة من البيض.