«أيها اللبنانيون: إن واجب الدفـاع عن الوطن هو أقـدس واجب، إن شرف القتال ضد المحتل هو الشرف الحقيقي الذي ينبغي لكل وطني أن يفاخر به.

فلتنتظم صفوف الوطنيين اللبنانين كافة، وبغض النظر عن انتماءاتهم السـابقة وعن الاختلافـات الأيديولوجية والطائفية والطبقية، في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، كسراً للقيد الذي تحاول أن تفرضه اليوم أميركا وإسرائيل على عنق شعبنا الحر ورفعاً لراية التحرر الحقيقي لشعبنا العظيم».

Ad

بهذه الكلمات أطلق يوم 16 سبتمبر (أيلول) الشهيد جورج حاوي ومحسن ابراهيم جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي وحدت الوطن بوجه المحتل من شماله الى جنوبه، فكان انهيار الجيش الإسرائيلي سريعا في شوارع بيروت ونادى جنود المحتل أهالي بيروت بألا يطلقوا النار لأنهم خارجون.

يوم أطلق جورج حاوي ورفاقه هذه المقاومة أطلقها على قياس الوطن وليس على قياس فئة أو طائفة. وعند نطل على الاحصاءات التالية نعرف أهمية تلك الحركة التاريخية:

عدد العمليات التي نفذتها جبهة المقاومة 1113 عملية منها 907 عمليات مباشرة ضد الجيش الاسرائيلي و206 عمليات ضد عملاء لحد و5000 عملية استطلاع وتحضير للعمليات.

خسائر العدو الاسرائيلي من عام 82 إلى عام 86 بلغت 386 قتيلا، حسب اعترافات العدو الإسرائيلي ومن عام 87 حتى عام 90 بلغت 7 قتلى و36 جريحا وأربع آليات حسب بيانات العدو الإسرائيلي.

خسائر العملاء من عام 87 حتى عام 90 بلغت 6 قتلى و18 قتيلا وسبع آليات.

عدد الشهداء الذين سقطوا في المواجهات 184 شهيدا منهم 3 استشهاديون وسبع شهيدات.

توزع شهداء المقاومة على طول مساحة الوطن وعلى كل طوائفه فسقط من الجنوب 129 شهيدا، ومن البقاع 29 شهيدا، ومن الشمال 14 شهيدا، ومن جبل لبنان 10 شهداء، ومن بيروت شهيدان.

عدد جرحى المقاومة 1200 جريح واعتقل لها 3000 أسير.

مساحة الأرض التي احتلها العدو الصهيوني 3450 كلم مربع، والمساحة المحررة حتى أبريل (نيسان) 85 بلغت 2600 كلم مربع.

عام 82 لم يكن أول مشوار الشيوعيين مع المقاومة نتيـجة للتطـورات الأمنية العسـكرية والسـياسية الحـاصلة فـي المنطقة، والهـجمة الأميركية على الشرق الأوسط والعالم العـربي واضعةً إسرائيل إحدى أهـم أدوات التنفيذ; أقر المؤتمر الوطني الثاني للحزب الشيوعي اللبناني (الذي انعقد بتاريخ 4-5-6 يوليو/تموز 1968) إنشاء لجنة عسكرية عليا فـي الحزب تقوم باعداد الحزب عسكرياً لتنفيذ مهمة أسـاسـية هي التصـدي للاعـتداءات الاسـرائيلية التي كانت قـد بدأت تتصاعد فـي نهاية 1965.

انطـلاقا من نتائج المؤتمر الحزبي، انبثق تنظيم «الحرس الشعبي» الـذي وجـه دعـوة عـامة إلى الوطنيين كلهم للانخراط في صفوفه، وكانت مهمته الأولى الدفاع عن القرى الأمامية ضـد الاعتداءات الإسرائيلية والإسهام في تحصينها وتعزيز صمودها والتصدي للمحتلين والمعتدين الصهاينة فوق أرض هذه القرى. أما المهمة الثانية، فهي مساندة المقاومة الفلسطينية والإسهام في عملها والدفاع عنها في الـداخل. وعلى هذا الخط الثوري المقاوم استشـهد الشيوعي ابراهيم جابر، وهو يقاتل في صفوف «فتح» في إحدى عملياتها ضد العدو. واستشهد علي أيوب «الشهيد الأول للحرس الشعبي والشيوعيين) في عيناتا مع بداية انطلاقة الحرس الشعبي تكريسا لضرورات بروز الجانب الوطني اللبناني غير المتناقض مع القضية الفلسطينية، بل المتمم لها و المكون رافدا من روافد الحركة الثورية العربية الموحدة.

16 سبتمبر هو يوم جورج حاوي بامتياز، فلقد تفتح جيلنا على صورة أبا أنيس المتمرد على الجمود حتى داخل المدرسه الفكرية التي تربى فيها، حيث قاد أكبر عملية تمرد ضد الوصاية السوفييتية على الحزب أثناء المؤتمر الثاني وأعلن أن قرب الحزب من السياسات السوفييتيه سيكون بقدر مراعاتها وتفهمها لظروف بلداننا التي لا تنطبق عليها الوصفة السوفييتية لاختلاف البيئة والعادات والظروف والتقاليد ولقد عبر عن ذلك بوضوح في إحدى القصائد التي نشرت له بعد استشهاده في كتاب «اليوم أشعر أنني شاعر».

أبا أنيس الرافض للجمود لم يتم اغتياله بسبب تاريخه بل بسبب دوره في صناعة المستقبل في صوغ التغيير في كبح الانقسام الطائفي والوطني الذي كان يحضر له. اغتالوا جورج حاوي لأنه كان يحرج المتاجرين بالمقاومة أولئك الذين اعتبروها سلاحا وعسكراً فقط وفصلوها على قياس ملة ذات لون واحد أفقدها رصيدها الوطني والقومي ليسهل السيطرة عليها واستخدامها وفق حاجة ومتطلبات استمرار النظام السوري بكذبة احتضانه للمقاومة في الوقت الذي ترك هضبة الجولان محتلة من قبل العدو الصهيوني من دون أن يفكر ولو بحركة اعتراضية شعبية تعبر عن انتماء الجولان للأراضي العربية السورية. اغتيل لأنه كان يحرج المتاجرين بالديمقراطية، وهو الذي ناضل من أجلها لإيمانه أنها خشبة خلاص بلداننا العربية فضح المتاجرين، وأعلن أن جل اهتمامهم هو إعادة توزيع الحصص على قياس الملل والطوائف.

لقد قُتل جورج حاوي بعدما تجمعت لديه سلة من الحقائق جعلت خطابه وسطيا اعتداليا تسوويا، لا بمعنى التلفيق، بل بمعنى الرؤية الموضوعية الشاملة للحقائق والوقائع والمؤشرات مما أهله لأن يكون مشروع حل لأزمة الحزب الشيوعي اللبنانـي الذي تحول بفضل قيادته الحالية من الريادة في ساحة العمل الوطني إلى الارتزاق بحفنة من الفضة ومشروع الحل كان سيعيد الحزب الى لعب دوره التاريخي بمحاربة الطائفية و التعصب و تفصيل قضايا الوطن على قياس الطوائف والملل كان يحضر لحركة سياسية تتعدى حدود الحزب إلى حدود الوطن ومنه إلى العالم العربي.

قُتل جورج حاوي ليستكمل مشروع تحجيم وتفتيت الوطن فعندما أخذ قرار تحويل المقاومة من وطنية على امتداد الوطن إلى إسلامية على قياس طائفة وتتبع بأجندتها جدول أعمال إقليميا قصير النظر كانت بداية النهاية، فتم التضييق على حاوي لاغتياله معنويا ودفن الصوت الوطني الرافض للطائفية وفي 14 مارس (آذار) ترقب الجميع موقف حاوي فكان بلا تردد في قلب الهبة الشعبية مدافعا عن وحدة وسيادة واستقلال لبنان فلم يحتملوا صموده فقتلوه.

بكلمة... قُتل حاوي حتى يدفن التاريخ المشرق لحزبه ولمقاومته الوطنية، ولأنه اختار بلا تردد كخيار نهائي بلا تردد لبنان أولاً... كيانا ودولة واجتماعا.

* كاتب لبناني