فقدت الكويت أمس أحد أبرز قياداتها التاريخية سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح عن عمر يناهز 78 عاماً بعد حياة حافلة بالعطاء والإنجازات من أجل نهضة الكويت ورفعة شأنها.

ويعتبر الراحل الأمير الرابع عشر للكويت، وهو الابن الأكبر لحاكم الكويت الحادي عشر الشيخ عبدالله السالم الصباح. ولد عام 1930 وتلقى تعليمه في المدرسة المباركية.

Ad

أصبح أميراً للكويت في 15 يناير 2006 وذلك بعد وفاة المغفور له سمو الأمير جابر الأحمد الجابر الصباح، وقد تم عزله عن الحكم من البرلمان الكويتي بسبب ظروفه الصحية في 24 يناير 2006 في أقصر مدة للإمارة في تاريخ الكويت. استمر الشيخ سعد العبدالله في تشكيل الوزارات المتعاقبة من 1978 إلى 2003.

أجريت للراحل عملية في القولون عام 1997، ثم شهدت صحته بعدها تراجعاً اضطر بعدها إلى زيارة بريطانيا والولايات المتحدة لإجراء فحوصات وتلقي العلاج. وكانت آخر زيارة علاج له إلى الهند خلال 2008.

انتقل سمو الأمير الوالد إلى جوار ربه مساء أمس الثلاثاء الموافق 13 مايو 2008، ليترك لنا الحزن والأسى على فراقه المرير.

من هو الأمير الوالد؟

لقب الشيخ سعد العبدالله بعد تنحيه بالأمير الوالد، إلا أن هذه الصفة ليس لها أي مرجع دستوري أو قانوني لكنها مقبولة بشكل واسع في الكويت حفاظاً على دوره ومقامه في المجتمع؛ وعليه فإنه عرف بمسمى صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح.

بعد أن أكمل تعليمه في المدرسة المباركية، وبعد تعيينه في دائرة الشرطة العامة عام 1949 ونظرا إلى كفاءته تم ايفاده الى المملكة المتحدة لدراسة علوم الشرطة في كلية هاندن العسكرية وعاد برتبة ضابط عام 1954. تولى منصب نائب رئيس الشرطة والأمن العام، وفي عام 1961 تم تعيينه رئيسا للشرطة، في أول تشكيل وزاري في الكويت، تم تعيينه وزيراً للداخلية عام 1962 في عهد المجلس التأسيسي الكويتي، وبعد انتخابات مجلس الأمة الكويتي 1963 أعيد تعيينه وزيرا للداخلية، وفي 3 يناير 1965، عين وزيرا للداخلية والدفاع فشكل المجلس الأعلى للدفاع، وقد أعيد تعيينه في هذين المركزين في 4 ديسمبر 1965 وذلك في الحكومة الأولى بعد وفاة والده أمير البلاد آنذاك الشيخ عبدالله السالم الصباح، وقد استمر في هذا المركز حتى 31 يناير 1978. وعندما اختاره الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح رئيساً لمجلس الوزراء شكل في 16 فبراير 1978 الحكومة، وكانت هذه هي الوزارة العاشرة في تاريخ الكويت. وفي يوم 8 فبراير 1978 تم تعيينه ولياً للعهد، وفي عام 2003 اعتذر عن منصب رئيس مجلس الوزراء، وفي يوم 15 يناير 2006 أصبح أميرا للكويت بعد وفاة الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، ولكن تم عزله بسبب ظروفه الصحية.

لجنة صياغة الدستور

بعد إعلان الاستقلال عن بريطانيا عام 1961 وفي يناير 1962 صدر القانون رقم (1) لسنة 1962 الذي نص في مادته الأولى على إنشاء مجلس تأسيسي يقوم «بإعداد دستور يبين نظام الحكم على أساس المبادئ الديمقراطية المستوحاة من واقع الكويت وأهدافها»... وقد جرت انتخابات المجلس التأسيسي في 6 يناير 1962، وخلال جلسته بتاريخ 27 فبراير 1962 شكل المجلس لجانه الداخلية التي ضمت كل منها ثلاثة أعضاء، عدا لجنة الدستور التي ضمت خمسة هم: يعقوب يوسف الحميضي، وحمود الزيد الخالد، وعبداللطيف ثنيان الغانم، والشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، وسعود عبدالعزيز العبدالرزاق.

وكان من أبرز ما أنجزه المجلس التأسيسي مشروع الدستور الذي أقر في جلسة 3 نوفمبر 1962 وصدق عليه سمو الشيخ عبدالله السالم الصباح دون تغيير يوم 11 نوفمبر 1962 ونشر في الجريدة الرسمية يوم 12 نوفمبر 1962 لتدخل البلاد مرحلة الشرعية الدستورية.

إنجازات محلية

ساهم الراحل الشيخ سعد العبدالله الصباح في اصدار كثير من التشريعات المتعلقة بالاسكان والتجنيس وايجار المساكن والوظائف العامة والضمان الاجتماعي. واجتهد في تحديث المرافق العامة وزيادة الخدمات في المجالات كافة. واهتم بشؤون الثقافة ودعم المؤسسات التي تقوم بالبحث العلمي، وعمل على دعم صندوق احتياطي الاجيال المقبلة وحرص على تحقيق العدالة وتطوير التشريعات. وحرص كذلك على معالجة مشكلة الجنسية والتجنيس، فصدر قانون للجنسية الكويتية وجوازات السفر والاقامة عام 1959، وأولى مشكلة الاسكان جل اهتمامه، واهتم ببرامج الرعاية الاسكانية وحاول ان يضع الحلول الصائبة لمشكلة العمالة الوافدة، واهتم في الوقت نفسه بتنمية العمالة الوطنية، ولم يدع الازمات الاقتصادية والحوادث الارهابية تشغله عن توجيه عناية فائقة لنهضة البلاد العمرانية.

وخلال توليه رئاسة الحكومة واجه سمو الأمير الوالد كثيراً من الازمات الاقتصادية التي كان في طليعتها انخفاض سعر النفط، واتخذ كثيراً من الخطط المدروسة لاحتواء ازمة انخفاض العائد النفطي، وظل رغم الازمة على سياسة تقديم المساعدات المالية الخارجية إلى الدول الصديقة والشقيقة.

ونجحت الحكومة في الارتقاء بمؤشرات التنمية الاجتماعية والاقتصادية على السواء، واستطاعت أن تصل بالمجتمع الكويتي إلى مستويات مماثلة لما حققته الدول المتقدمة، والدليل على ذلك ارتفاع معدل مستوى التنمية من حيث الكفاءات البشرية والتدريب والصحة وارتفاع الدخل بالنسبة للفرد، حيث أصبح يحتل المرتبة الـ15 عالميا. وجاء ذلك نتيجة الاهتمام المتواصل بتطوير التعليم الفني والمهني وزيادة الخدمات وتطويرها في المجالات الصحية والإسكانية والتعليمية والثقافية، فضلا عن تنمية الصناعات النفطية والصناعات التحويلية الأخرى وتعزيز الاستثمارات الخارجية التي شكلت عائداتها في فترة الثمانينيات مصدرا مهما للدخل. بالإضافة إلى ذلك، أولت الحكومة اهتماماً خاصاً بقضايا الأمن والشباب والشؤون الإسلامية، وحرصت على تحقيق الأمن الزراعي وحماية البيئة.

إنجازات دولية

قام الراحل اثر تقلده ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء بزيارات رسمية لمختلف دول العالم بدءاً بمنطقة الخليج، تعزيزا للروابط الاخوية التي تربط الكويت بشقيقاتها في الدول الخليجية.

كان الراحل مؤمناً بأهمية دعم الروابط الامنية بين الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي، وكانت له مواقف حاسمة ضد اي عدوان تتعرض له احدى دول المجلس؛ فقد دان الحوادث الارهابية التي وقعت في البحرين عام 1982 وكانت له مواقف مساندة للسعودية خلال الاضطرابات الامنية التي تعرضت لها في احداث الحرم المكي عام 1979 واثمرت الجهود التي بذلها سموه توثيقاً للروابط بين الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامة.

وفي عهده التزمت الحكومة الكويتية في سياستها الخارجية بدعم قضايا الحرية والعدل والسلام وحقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي ودعم جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة، فضلا عن تعزيز التعاون البناء مع جميع دول العالم على أسس الاحترام المتبادل والمساواة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وعملت الحكومة على متابعة التحولات والتغيرات التي يشهدها العالم المعاصر، وبذل المرونة في التعامل معها، وتوسيع جبهة الأصدقاء.

جهوده أثناء الاحتلال

وعند حصول الغزو العراقي على دولة الكويت عمل «الأمير الوالد» خلال فترة الاحتلال على رعاية مصالح المواطنين والمقيمين في الكويت، واعلن ضمان الحكومة لكل الودائع والمدخرات المصرفية والتزام الدولة بتسديد جميع مرتبات الموظفين في القطاع الحكومي بأثر رجعي، وكذلك بسداد مكافأة نهاية الخدمة لجميع الذين غادروا البلاد من غير الكويتيين، وعمل على رعاية الكويتيين في الخارج وبذل جهودا كبيرة في دعم الصامدين ورجال المقاومة في الداخل وزار دولا كثيرة، وارسل كثيراً من المبعوثين إلى دول اخرى، وكان يترأس مجلس الوزراء في اجتماع يومي، ويؤكد ان العدوان سيتم دحره وأن الشرعية حتما ستعود.

وكان للراحل دور كبير في اعادة بناء الكويت بعد التحرير حيث عمل على اصلاح ما تهدم خلال فترة الاحتلال، وازالة آثاره بعد تحرير البلاد في 26 فبراير 1991 وعودة القيادة الشرعية واعلان حالة الطوارئ، وتعيينه حاكماً عرفياً عاماً من قبل الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد الصباح. وتحمل الكويتيون كثيراً في هذه المهمة الوطنية واستطاعت الحكومة بدعم الشعب تجاوز آثار العدوان بتجديد البنية التحتية كلها، ومعاودة دورها الفاعل على الصعيدين العربي والدولي.

حياته العائلية

متزوج من ابنة عمه الشيخة لطيفة الفهد السالم الصباح، وله من الأبناء والبنات الشيخة مريم سعد العبد الله الصباح (توفيت في بداية التسعينيات)، والشيخة حصة سعد العبدالله الصباح (رئيسة مجلس سيدات الأعمال العربيات)، والشيخة جمايل سعد العبدالله الصباح، والشيخة شيخة سعد العبد الله الصباح (توفيت عام 2005)، والشيخة فادية سعد العبدالله الصباح  ثم الشيخ فهد سعد العبدالله الصباح (مستشار في مكتب أمير دولة الكويت).

ملابسات عزله

بعد وفاة المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح تم تطبيق أحكام الدستور الكويتي، الذي ينص على المناداة بولي العهد أميراً على البلاد. فنودي بالشيخ سعد أميراً على الكويت؛ إلا أنه كانت هنالك شكوك حول قدرة الشيخ سعد على تولي الحكم بسبب مرضه الذي أبعده عن الحياة العامة عدة أعوام. وفي محاولة غير موفقة من بعض أفراد الأسرة الحاكمة لاحتواء الأزمة، لم يقبل الشيخ سعد وعائلته بالتنازل، فعُرض الأمر على البرلمان الكويتي وفقا لما يقتضيه الدستور وقانون توارث الإمارة. وتمت الموافقة بالإجماع في جلسة سرية على عزله عن الحكم، وتم اتخاذ هذا الإجراء في لحظات قبل وصول كتاب الشيخ سعد إلى البرلمان، والمحتوي على نص التنازل. وقد عرفت الصحافة الكويتية هذه الحادثة بأزمة الحكم لعام 2006.

إنجازات الراحل في وزارة الد اخلية

لم يدخر الامير الراحل جهدا أثناء فترة عمله في وزارة الداخلية لتطوير أعمالها ورعاية مصالح المواطنين، مما انعكس على الحالة الأمنية في البلاد؛ فقد ساد الأمن وتوافرت الطمأنينة، وهو الأمر الذي عزز مكانة دولة الكويت كبلد أمن وواحة أمان. كما أمر رحمه الله بإدخال النظم الحديثة في الشرطة والأمن، وأدخل نظام الحاسب الآلي في أعمال الوزارة، ثم أنشئت إدارة الأدلة الجنائية والطب الشرعي عام 1961، وزودت إدارة النجدة بالسيارات الحديثة، وأنشئت غرفة عمليات مركزية وتمت تقوية محطات التشغيل اللاسلكية.

افتتح الامير الوالد في عام 1956 مدرسة الشرطة بأقسامها المختلفة «التدريب -الخيالة -الدورات التخصصية لشرطة النجدة والمرور والمباحث». وفي عهده تم عقد المؤتمر العربي الأول لمنع الجريمة ومعاملة المذنبين، كذلك تم الاحتفال بأسبوع المرور الأول عام 1962.

وأصدر العديد من القرارات الوزارية لتنظيم وزارة الداخلية، منها على سبيل المثال:

- إنشاء مدرسة لتأهيل أفراد الشرطة وتلحق بكلية الشرطة.

- تدريب ضباط الشرطة الحاصلين على مؤهل جامعي.

- صرف بدل الآمره.

- صرف بدل خطر لراكبي الدراجات النارية من قوة الشرطة.

- تنظيم تراخيص المحلات التجارية.

- إنشاء إدارة مؤسسات تعليم قيادة السيارات.

- إنشاء مركز المعلومات الآلي بالوزارة.

- تشكيل لجنة شؤون الموظفين بالوزارة.

- صرف بدلات وعلاوات إضافية لرجال الشرطة.

الأمير يتلقى التعازي من القيادة السعودية

تلقى سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد اتصالا هاتفيا من أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة، عبّر خلاله عن خالص تعازيه وصادق مواساته لوفاة صاحب السمو الامير الوالد الشيخ سعدالعبدالله السالم الصباح، سائلا المولى تعالى ان يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم الاسرة الكريمة جميل الصبر وحسن العزاء.

وقد أعرب سمو امير البلاد الشيخ صباح الاحمد عن بالغ شكره وتقديره لما أبداه أخوه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من طيب المشاعر وصادق المواساة وخالص الدعوات، مثمناً سموه هذه المبادرة الاخوية الطيبة، داعيا الله تعالى ألا يرى الجميع اي مكروه بعزيز.

كما تلقى سموه اتصالا هاتفيا من أخيه صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام في المملكة العربية السعودية الشقيقة، عبّر خلاله عن خالص تعازيه وصادق مواساته لوفاة صاحب السمو الامير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، مبتهلا الى المولى تعالى ان يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.

وقد شكره سموه على ما أعرب عنه من صادق المواساة، سائلا المولى ألا يرى الجميع أي مكروه بعزيز.

(كونا)