مصروف البيت إحدى أبرز المشاكل التي تواجهها العائلات العربية، خصوصاً في ظل الضغوط الاقتصادية التي يشهدها العالم وما تبعها من حالة غلاء. وبسبب خروج الرجل إلى العمل ورجوعه إلى البيت متأخراً، ألقيت مسؤولية إدارة ميزانية المنزل المالية على الزوجة، والتي بدأت العصيان بدورها، ويمكن القول مجازاً إنها قررت تقديم استقالتها من منصب «وزير مالية البيت» بسبب غلاء المعيشة وقلة الرواتب.

Ad

ترفع المرأة اليوم شعار عودة الرجل إلى تحمّل مسؤوليته، ومشاركة زوجته في إدارة ميزانية المنزل. «الجريدة» طرحت الظاهرة على مجموعة من الأزواج المصريين، وسلطت الضوء على آراء علماء النفس والاجتماع والدين.

داليا محمود (27 عاماً) متزوجة منذ عامين، وهي المسؤولة عن مصروف المنزل الذي يعطيها إياه زوجها شهرياً. تقول داليا إنها تشتري احتياجات المنزل كافة فيما لا يتعب زوجها نفسه بشراء حتى الفاكهة، معربةً عن قلقها من كيفية سير الأمور بعد إنجابها، خصوصاً مع زيادة الأسعار بشكل ملحوظ.

في سياق متصل تبدي رشا سميح (31 عاماً) سعادتها بمشاركة زوجها في إدارة شؤون المنزل: «يشتري زوجي الفاكهة والأجبان والألبان، بينما ألتزم أنا بالاحتياجات الأخرى. نحتسب متطلباتنا الشهرية ونقسّم راتب زوجي بناء على ذلك كي لا نواجه أي خلل في المصروف».

الوضع مختلف تماماً بالنسبة إلى نادين حازم (44 عاماً)، إذ تؤكد أن زوجها يتولى المصروف، فهو الذي يقوم بالإنفاق على البيت من مأكل ومشرب، بينما يُخصص لها مصروفاً خاصاً تُنفق منه على متطلباتها الشخصية كالملبس وأدوات الماكياج والتنزّه مع صديقاتها في بعض أيام الأسبوع. وأعربت عن سعادتها بهذا النظام الذي يتّبعه زوجها معها، فهذا الوضع وفق كلامها «مريح جداً ولا يكلفني عناء التفكير في ميزانية البيت ولا يحملني أي مسؤولية».

أما سمية محمد (54 عاماً) فأكدت أنها اعتادت أن يأتي لها زوجها بمصروف البيت أول الشهر لتنفق على المنزل، مؤكدة أنهما في نهاية كل يوم يحتسبان النفقات، وتقول حول هذه المسألة: «اتفقنا على هذا النظام منذ تزوّجنا قبل 25 عاماً تقريباً».

تؤكد فتحية عبد الله (42 عاماً، موظفة في هيئة حكومية) أن مدخول زوجها «يتبدد» خلال أول عشرة أيام من الشهر، ولتدبير مصاريف بقية الشهر تسحب من حساب زوجها على وعد أن تسدّد الدفعات من راتبها الشخصي، لكن ذلك لا يحدث غالباً.

لا تختلف آراء الأزواج كثيراً عن آراء النساء حول مصروف المنزل. يقول ياسر عبد الله (42 عاماً): «زوجتي هي المسؤولة عن الشؤون المالية في البيت. على رغم أنني أعمل محاسباً مالياً، لكن ست البيت تعرف جيداً كيف تدبّر أمورها. عموماً نذهب سوياً إلى المتجر في بداية كل شهر لنشتري احتياجاتنا، وبقية المصروف نخصصها لسداد فواتير الماء والكهرباء والهاتف ودروس الأولاد».

أما أحمد سعيد (44 عاماً) فيعترف بفشله في إدارة ميزانية المنزل موضحاً: «أمسكت بميزانية البيت لثلاثة أشهر فقط، وبعد فشلي في المهمة تركت لزوجتي حرية التصرّف في المصروف. وأضاف ضاحكاً: «إدارة ميزانية البيت في ظل الظروف الراهنة أشبه بإدارة حرب».

فواتير وفواتير

يعلّق سامح عبده (33 عاماً): «المشاركة هي أفضل وسيلة لإدارة المنزل. منذ اليوم الأول لزواجي قررت وزوجتي اقتسام ميزانية المنزل، ففي بداية الشهر نشتري احتياجات المنزل دفعة واحدة، ثم أدفع أنا فواتير الكهرباء والإيجار والماء والهاتف، فيما تتولى زوجتي مسؤولية الجزء المتبقي من الراتب لاستكمال مصاريف الشهر».

في هذا السياق يتحدث الخبير النفسي د. أحمد عبد الله عن إدارة المرأة لمصروف البيت: «اهتمام المرأة بمصروف المنزل لا يعرقل العلاقة بين الزوجين طالما أن الزوج هو من ينفق على المنزل من دخله الخاص، لكن الأمر يختلف تماماً عندما تقوم المرأة بالإنفاق من دخلها الخاص، إذ تشعر بقوتها واستقلالها، ما ينعكس سلباً على سلوكياتها مع شريكها، ويؤدي بالتالي إلى صراعات أسرية كثيرة. عموماً، أرى أن المرأة هي الأقدر على تولي مسؤولية مصروف البيت لقدرتها الفائقة على التدبير والإدخار وحسن الاختيار، علاوة على أنها تهتم أساساً بالتفاصيل الدقيقة على عكس الرجل».

يؤكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة د. أحمد يحيى أن المرأة هي الأنسب للإمساك بمصروف البيت، «لأنها الأكثر دراية باحتياجات البيت وإمكانات زوجها المادية والأكثر قدرة على التوفير والتدبير»، مشيراً إلى أن المشكلة الرئيسة ليست في مَنْ يمسك بالمصروف وإنما في التوفيق بين الإمكانات والرغبات. فسواء كان المسؤول عن المصروف الزوج أو الزوجة، فإن الحياة تسير بلا مشاكل عندما تتحكم الإمكانات المتاحة لا الرغبات الجامحة في توفير متطلبات الأسرة الأساسية. يلفت يحيى الى أن النمط الاستهلاكي الذي يجنح نحو مزيداً من المتطلبات يهدد استقرار الأسر العربية، موجهاً تحذيره إلى الزوجات من الانصياع خلف السلع الاستهلاكية غير الضرورية التي تلتهم الجزء الأكبر من ميزانية الأسرة.

من جهتها توضح أستاذة العقيدة في جامعة الأزهر د. آمنة نصير أن القوامة لا تعني اهتمام الرجل بمصروف المنزل، بل توفيره احتياجات البيت من حياة معيشية كريمة. وإدارة الزوجة مصروف البيت لا تشير إلى انتقال القوامة من الزوج إليها، فليس المهم من ينفق هنا، بل المصدر الذي يأتي منه المال، وطالما أن الزوجة لا تبتعد في إنفاقها عن الحكمة في تدبير منزلها فلا ضرر في أن تتولى هي المصروف».