بعد أن حرك عرض الرئيس مشرف المياه الراكدة، اضطرب الماء في الجانب الهندي من كشمير، فبدت ردود الفعل متضاربة، وقد رحب كثيرون بالخطوة الباكستانية وقالوا إن رد الفعل الهندي ينبغي أن يكون إيجابياً، فقد قال سيد علي شاه جيلاني زعيم الانفصاليين في كشمير: «لن يكون لمبادرة الجنرال مشرف أي معنى، إذا لم تتخذ الهند هي الأخرى موقفا حقيقيا». ويأتي هذا التصريح والعرض وتغير المواقف، في الوقت الذي ردت فيه جماعة مسلحة تدعى جماعة المجاهدين، بأن الخطوة التي اتخذها الزعيم الباكستاني «ستضعف كلا من كشمير وباكستان» بينما شكك آخرون في حق مشرف باتخاذ قرار نيابة عنهم والتحدث باسمهم.وقال الدكتور أبينه شيخ لوكالة رويترز: «من يكون مشرف؟ ومن أعطاه الحق في تقرير مصيرنا». وجاء إعلان مشرف خطوة مفاجئة اعتبرها الانفصاليون تحولا كبيرا في سياسة باكستان تجاه كشمير بعد أكثر من نصف قرن من النزاع، فقد قال «إذا ما أردنا حل هذه القضية فإن كلا الجانبين في حاجة إلى إجراء محادثات بشيء من المرونة حتى يتم التوصل إلى حل وسط»، هذا الجديد الذي قاله مشرف ناتج عن المتغيرات الدولية والإقليمية بعد انتهاء الحرب الباردة وتهديد الإرهاب المجتمع الدولي، فاتفقت جميع الحكومات والأنظمة المتخاصمة على مكافحته، واتساع رياح الديمقراطية وحقوق الإنسان والنزوع نحو التسوية بالحوار السياسي والتسوية السلمية للقضايا الخلافية العالقة، فهناك الولايات المتحدة الشريك الجديد للهند والشريك القديم للباكستان في تعاونها جميعا لاجتثاث مكامن الإرهاب التي تهدد الجميع، ومن دون الحوار السياسي الكثيف والمتواصل، فإن معركة كشمير المقسمة لن يكون فيها فائز أو مهزوم. وبذلك اعتبر الرئيس مشرف يومها أن المعتدلين هم الخاسرون والفائزون هم المتطرفون، مما يجعل الجماعات المتمردة والمتشددة على الجانبين الباكستاني والهندي في منطقة كشمير تفضل حوار السلاح والمغامرة بمستقبل كشمير المعلق، وعندما تفقد قوة سياسية بوصلتها، تتوه نحو تحديد الأهداف الحقيقية لمشروعها الوطني وبرنامجها السياسي، ففي الوقت الذي كانت تيارات وقوى كشميرية تستعد للحوار السياسي للمبادرات الباكستانية والترحيب الهندي، فتح مسلحون في الثاني من يناير 2004، النار على محطة للقطار مكتظة بالمسافرين في جامو في الجزء الهندي من كشمير فأصابوا ستة بجراح، كما تسبب الهجوم بفرار المسافرين المدنيين والعزل وترك أمتعتهم، وفسر المراقبون والمحللون السياسيون أن هذا الهجوم قبل يوم من زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى باكستان كأول زيارة من نوعها منذ أربع سنوات على أنه رسالة من المتشددين.في العام نفسه، كان الرئيس الأميركي يناقش مع وزير الخارجية الهندية ياشوانت سينها في واشنطن علاقتهما في ما يتعلق بالتكنولوجيا النووية ذات الأغراض المدنية وتجارة التكنولوجيا المتقدمة، وفي اللقاء نفسه رحب الرئيس الأميركي بحالة الانفراج بين الهند وباكستان، وكسر الجمود الذي جمع قادة البلدين.وكان اللقاء الهندي-الأميركي صدمة تاريخية تلقتها العناصر المتشددة في كشمير بفقدانها حليفا استراتيجيا لمرحلة الحرب الباردة، وعليها أن تنتظر المزيد من الضغوط، فقد ناقش الطرفان الخطوات المستقبلية للشراكة الاستراتيجية بين الهند والولايات المتحدة، وفي ذلك اللقاء قال وزير الخارجية الهندي: «إن العلاقات مع أكبر ديمقراطية في العالم وأقوى دولة في العالم أصبحت في أفضل حالاتها» وأضاف «إن طبيعة ومستوى وسرعة الحوار لا مثيل لها في علاقتنا الثنائية»، بينما قال الرئيس الأميركي «إن الهند والولايات المتحدة قد أصبحتا شريكين في الحرب على الإرهاب، ونحن نعمل من أجل الازدهار والسلم الدوليين».مثل هذا الحديث له مغزاه ودلالاته وأبعاده الجيواسترتيجية التي يفهمها الانفصاليون القدماء جيدا، حين كانت لعبة التجاذب الدولية تخلق محاورها وتقسم الشعوب والبلدان إلى معسكرات وأدوات في الصراع العالمي. اليوم تحولت تلك المنظمات المتشددة، الصغيرة منها والكبيرة، تحت رحمة السندان الباكستاني من جهة والمطرقة الهندية والمجتمع الدولي من جهة أخرى، الذي بات يتحالف لمكافحة الإرهاب في كل أنحاء العالم.وفي أواخر يناير من عام 2004 وافقت الحكومة الهندية ومجموعة من الانفصاليين الكشميريين المعتدلين على إقامة حوار تاريخي، يقوم على ضرورة وقف العنف في المنطقة المضطربة، وتمخض الحوار عن اتفاق الجانبين على «أن السبيل الوحيد إلى المضي نحو الأمام هو ضرورة إنهاء كل أشكال العنف على كل المستويات»، والمهم في ذلك الحوار ما قاله الجانب الهندي للقوى الكشميرية المعتدلة التي يمثلها مؤتمر حريات الكشميري «إن أمن كل الكشميريين يعد محل الاهتمام الأول للحكومة، وكذلك ضمان عدم انتهاك حقوقهم» ثم أضاف «لقد مثل هذا اللقاء بداية طيبة للغاية»، فبدا الحوار بداية وبارقة أمل لمحادثات كشمير التاريخية.وقد رأس مولانا عباس أنصاري الوفد المكون من خمسة أعضاء من التيار المعتدل لمؤتمر «حريات» لعموم الأحزاب الكشميرية، وفي الوقت الذي يحاول تيار من تحالف مؤتمر «حريات» إشعال شمعة في الظلام هناك فصيل مازال متشددا يحاول إحراق الغابة، من أمثال سيد علي شاه جيلاني الذي قال «سئمنا الحديث عن بناء الثقة، القضية الحقيقية هي احتلال القوات الهندية لجامو وكشمير، ودون تحقيق تقدم نحو حل المشكلة الأساسية، فإن تناول القضايا الفرعية لن يفيد».لهذا يظل المأزق التاريخي منذ التقسيم الأول لشبه القارة الهندية مرهونا بكيفية رؤية مسألة الأقلية والأغلبية وضمان الحقوق السياسية والانتهاكات المدنية، وإلى من ينبغي أن تكون كشمير، إلى باكستان ذات الأغلبية المسلمة والأقليات الأخرى أم إلى الهند ذات الأقلية المسلمة والأغلبية الهندوسية؟ وهل بالإمكان أن يعيش كل قسم كشميري في البلد الآخر دون حاجة لتوحيد كشمير المقسمة أم يقبل البلدان بالتنازل عن كشمير لمصلحة قيام دولة مستقلة؟ هكذا ظلت كشمير تردد أغنيتها «جميلة أنت يا كشمير كصبية حلوة، تعيسة أنت يا كشمير كأرملة صبية». * كاتب بحريني
مقالات
كشمير الأغنية الضائعة في جبال هيمالايا 3-3
09-11-2008