في فيلم «الوعد» للمخرج محمد ياسين والمؤلف وحيد حامد يخرج ضابط المباحث السابق «السحراوي» (غسان مسعود) من المؤسسة الأمنية الرسمية، ليصنع مؤسسة خاصة ضد الأمن والقانون والأعراف والأخلاق، إنها مؤسسة إجرامية يشمل نشاطها كل شيء وتقترف أي جريمة، وهي مترامية الأطراف، تمتد على الأقل من مصر إلى المغرب!

ويقدم الفيلم نموذجين لرجلين يعملان في تلك المنظمة الإجرامية الكبرى، أحدهما «يوسف» (محمود ياسين) المخضرم الذي أدى المطلوب منه ويعيش نهاية خدمته، خصوصاً أن ورماً خبيثاً يهدده بالموت في أية لحظة، وبالنسبة الى المنظمة فقد غدا أقرب إلى «الخيل» العجوز الذي لا بد من التخلّص منه، لكن ليس من منطلق «رصاصة الرحمة» كما يشير زعيم المنظمة لاحقاً، بل لأن ما يعلمه الرجل كثير وما من داع لأن يظل «هذا كله» في رأس رجل حي!

Ad

أما النموذج الثاني فشاب، في بدايات عهده وعمله في المنظمة اسمه «عادل» (آسر ياسين). يذهب إلى يوسف ومعه علبة حلوى كبيرة فارغة إلا من مبلغ كبير من المال، يصفها يوسف بأنها «مكافأة نهاية الخدمة إذن»، فتنشأ صداقة بين الشيخ المريض الآفل والشاب اللمّاح الطموح.

تبدأ هذه الصداقة، بحوارات ربما هي أفضل ما كتبه وحيد حامد، تعبر عن خبرات يوسف التي يقدمها للشاب، وهي في الوقت ذاته تصوّر خبرات وحيد حامد نفسه في الفن وكتابة الدراما وفي تأمل الحياة والموت...

بدا حامد في هذا الجزء، مبدعاً يكتب «بمزاج» ما يمتعه شخصياً، حتى أن عدوى المتعة الفنية الراقية تنتقل إلى المتلقي.

يطلب يوسف من عادل أن يعده بشيء واحد، فهو سيهبه هذا المال الذي جاء به، لكنه سيقتطع منه تكاليف دفنه بطريقة ترضيه... (ربما عاش الحياة على نحو لا يروقه، لكن يجب أن يكون على الأقل في الموت على ما يحب!) فوق ربوة عالية تطل على بحر... وعلى عادل أن يسأل عن يوسف كل يوم كي لا يموت الأخير وتبقى جثته لأيام متروكة في الشقة...

متأخراً يعرف عادل أن يوسف قبطي (يوسف غبريال)، وبتلقائية مدهشة يقدم الفيلم حديثه غير المفتعل عن علاقة القبطي والمسلم في مصر وعن الوحدة الوطنية.

يقوم عادل بواجبه في الاتفاق، بدقة وحرص بل وبمحبة حقيقية لصديقه الجديد، ويتعرف في سبيل ذلك على الشاب «جرجس» (أحمد عزمي) الذي يعمل في دفن الموتى الأقباط. دور عزمي ليس كبيراً، لكن المشاهد لن ينساه، سواء كشخصية صاغها الفيلم باتقان أو كأداء يتفوق فيه عزمي على نفسه.

يفاجأ عادل أثناء سؤاله واطمئنانه اليومي على يوسف بموت الأخير على يد أحد رجال «السحراوي» وليس بسبب السرطان! في الوقت نفسه يعبر السحراوي عن مزيد من الثقة بعادل، فيطلب منه توصيل مبلغ ضخم الى أحد الزملاء في العصابة (3 ملايين دولار)، لكن الشاب يفكر ويعزم على الهروب بالمبلغ.

يتعرّف عادل على «فرحة» (روبي) التي قدمت نفسها له كعاهرة، لكن بعد أن يتبادلا مشاعر حب عارمة وحقيقية تعترف له بأنها تعمل في المنظمة ذاتها، وأن «السحراوي» وظفها كعين تتابع عادل وتراقبه...

يهرب عادل إلى المغرب، حيث يكتشف أن رجال السحراوي يقفون له بالمرصاد حتى في «طنجة»! فيدخل في معارك طاحنة، وتذبح امرأة مغربية (ممثلة مغربية جيدة، لكن لهجتها شكّلت عائقاً لفهم حوارها)، ولا يجد الشاب مفراً من الرجوع إلى مصر للمواجهة وليس الهروب.

تستمر المواجهة، بتفاصيل جديدة، وبمناورات كثيرة ودماء جديدة الى أن تنتهي بإلقاء الشرطة القبض على السحراوي ورجاله. أما الشباب الثلاثة الذين يبقيهم فيلم حامد حتى مشهد النهاية (عادل، فرحة، وجرجس)، فيفاجأون في الكافيتريا المفضلة لديهم بمن يترصدهم لهم... المواجهة لم تنته بعد. وهكذا فالصراع الضاري في الحياة يظل مستمراً، كما هي النهاية في الفيلم مفتوحة!

لم تعجب هذه النهاية بعض المشاهدين، وقال أحدهم عند الخروج من قاعة السينما: «إنه أول جزء من الفيلم!».