أجرى خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمس، تغييرات واسعة وأساسية، هي الاولى منذ اعتلائه العرش عام 2005، شملت الجهاز القضائي، ومجلس الشورى، وسلك التعليم، إلى جانب المؤسستين العسكرية والدينية، وعيّن بمقتضاها أربعة وزراء جدد، ورؤساء جُدداً لمجلسي الشورى والقضاء الأعلى وهيئة الامر بالمعروف، إلى جانب تعيين امرأة في منصب حكومي، وذلك للمرة الاولى في تاريخ المملكة.

Ad

ويندرج هذا التعديل في سياق عملية اصلاحات حذِرة تُجرى تحت رعاية الملك عبدالله الذي كان وراء اول انتخابات بلدية جزئية شهدتها المملكة عام 2005، حين كان لا يزال وليا للعهد.

واستبدل الملك عبدالله وزراء التربية والاعلام والصحة والعدل، فمنح الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد الوكيل السابق للحرس الوطني في المنطقة الغربية حقيبةَ التربية، وعيّن نورة الفايز في منصب نائب وزير التربية والتعليم لشؤون الفتيات، كما تم اعفاء وزير الإعلام إياد مدني من منصبه، بناءً على طلبه وفق نص الأمر الملكي، وعُيّن السفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة بدلا منه. وأعفى الملك عبدالله وزير الصحة حمد المانع من منصبه، وعيّن عبدالله الربيعة بدلاً منه.

كما عيّن العاهل السعودي أيضاً محمد بن فهد العيسى نائب رئيس ديوان المظالم السابق، وزيراً للعدل خلفاً لعبدالله بن محمد آل الشيخ الذي أصبح رئيساً لمجلس الشورى بدلاً من الشيخ صالح بن حميد، وأصبح الأخير رئيساً لمجلس القضاء الاعلى بدلا من الشيخ صالح اللحيدان، الذي يُعرف بمواقفه المتشددة. وأعاد الملك عبدالله تشكيل مجلس الشورى الذي زيد عدد أعضائه من 120 إلى 170 عضواً.

وأعفى الملك عبدالله رئيس هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (الشرطة الدينية) الشيخ ابراهيم الغيث من منصبه، وعيّن بدلاً منه الشيخ عبدالعزيز بن حمين الحمين الذي يُعد «إصلاحياً أكثر انفتاحاً» من سلفه، كما أعفى رئيس هيئة حقوق الإنسان الحالي تركي السديري من منصبه وعيّن عضو مجلس الوزراء د. بندر العيبان رئيساً جديداً للهيئة. وعيّن العاهل السعودي أيضاً رئيساً جديداً لديوان المظالم هو الشيخ إبراهيم الحقيل ورئيساً جديداً للمحكمة العليا.

وأعاد العاهل السعودي تشكيل هيئة كبار العلماء، وتوسيعها لتشمل 21 عضواً برئاسة المفتي الحالي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ.

وفي المجال الاقتصادي عيّن نائب رئيس مؤسسة النقد (البنك المركزي) محمد بن عبدالله الجاسر محافظاً جديداً للمؤسسة بدلاً من حمد السياري. ويرى المراقبون أن التعديلات التي اجراها العاهل السعودي تأتي في اطار دفع المجتمع السعودي نحو الانفتاح وقبول التعددية الثقافية والدينية، اذ تمت اعادة تشكيل هيئة كبار العلماء وزيادة عدد اعضائها من مختلف المذاهب السنية، بعدما كان يطغى عليها المذهب الحنبلي. كما تم تعيين شخصية اكثر انفتاحا رئيسا جديدا لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقال عضو مجلس الشورى السعودي محمد آل زلفة: ان «هذه التغييرات تشكل نقطة تحول كبيرة، وبداية جديدة في عهد الملك عبدالله (..) انه اكبر تغيير يحدث خلال العشرين عاما الماضية». وتوقع آل زلفة حصول تغييرات جديدة قريبا، وقال: «الناس هنا تتوقع مزيداً من التغييرات».

واعتبر مراقبون في تصريحات لـ«الجريدة» أن «ما جرى في المملكة بمنزلة تدشين الدولة السعودية الرابعة، إذ شملت التغييرات 150 موقعا قياديا بارزا في قطاعات واسعة، فكانت أشبه بتقويض وإعادة بناء لمفاصل الدولة، وهذه أتت بعد حالة من الترقب كانت تجتاح المملكة بانتظار إعلانها منذ زمن».

وأشارت مصادر «الجريدة» إلى أن «جدية مشروع الملك الإصلاحي قيست بإقالة الشيخ صالح اللحيدان، الذي كان يشغل رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، إذ وازى نفوذه في المؤسسة الدينية السعودية، نفوذ بابا الفاتيكان».

واعتبرت المصادر ان «هذه كانت رسالة واضحة بشأن جدية التغييرات التي أجرها الملك نوعا ومغزى، لأن دوائر القرار ربطت بين الإقالة وتمرير مشاريع هامة في الدولة أبرزها إصلاح مرفق القضاء الذي رصدت له السعودية سبعة مليارات ريال، إلا أن اللحيدان كان حجر عثرة في هذا الأمر، ونفوذه حال دون إجراء أي تغيير فهو ينتمي إلى المدرسة القديمة، وما خروجه عن النمط التقليدي له في الفترة الأخيرة، وإصداره فتاوى تُحرج النظام مثل فتواه بقتل ملاك القنوات الفضائية، وحث الشباب على الجهاد في العراق، وموقفه المتشدد الرافض لتوسعة الحرم الشريف في مكة، إلا دليل على تناقص شعبيته لدى النظام، إضافة إلى سعيه لتأسيس قاعدة شعبية له بين المتشددين». ورأت المصادر ان «إقالته كانت واجبة لتأكيد جدية المشروع الإصلاحي للملك عبدالله، مع الاكتفاء بعضويته في مجلس هيئة كبار العلماء».

وذكرت مصادر متطابقة لـ«الجريدة» أن «إصلاح المؤسسة الدينية جاء عبر تسمية أعضاء جدد في مجلس هيئة كبار العلماء، ومنهم ممثلون لمذاهب المالكية والشافعية والحنفية، وهذه أتت برغبة عليا في إحداث تنوع في المذاهب الإسلامية، وفي الهيئة الدينية العليا التي تقدم فتاواها وإرشاداتها الدينية إلى الدولة، كما تمت زيادة عدد أعضائها، وإقالة عدد من رجال الدين المتشددين».

وفي الجانب الآخر، سيعمل الشيخ عبدالعزيز بن حمين، الذي يعد أحد أبرز مستشاري الديوان الملكي، على ضبط هيئة الأمر بالمعروف والحفاظ على كرامات الناس، كما أعلن، وهذا خلق ارتياحا في الشارع السعودي خصوصاً في ما يتعلق بالشق الثاني.

أما سلك التعليم، فرأت المصادر أن «تسمية الأمير فيصل بن عبدالله، وهو بالمناسبة زوج ابنة الملك ومحل ثقته، في هذا المنصب يحمل رسالة واضحة تبين مدى الأهمية التي يوليها الملك عبدالله لمسألة إصلاح التعليم، كما أن الوزير الجديد سبق له العمل نائبا لرئيس هيئة الاستخبارات، وستساعده خلفيته الأمنية هذه على تلمُّس مكامن الفساد والتشدد والتطرف داخل الوزارة، والعمل على إقصائها، إلى جانب كونه رجلاً منفتحاً يحمل مشروعا إصلاحيا لتحسين مستوى التعليم،

أما الدكتورة نورة الفايز التي عينت نائب وزير التربية والتعليم لشؤون الفتيات، فهي صاحبة الاسم الأبرز في التغييرات بهذا المجال، بوصفها أول امرأة تشغل منصباً بهذه الدرجة، وهي أستاذة قانون، أتت من معهد الإدارة، الذي صمد أمام هجمات التيار المتطرف في مجال التعليم، كما يجب الإشارة إلى أن «التغييرات أطاحت برئيس جامعة أم القرى، وهي الجامعة التي لطالما تكرر ذكرها متى ما تعلق الأمر بالإرهاب في السعودية».

واعتبر رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط» طارق الحميد أن ما حدث عبارة عن «الشروع في تنفيذ الإصلاح الذي قاده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ توليه الحكم»، وأن «عميلة الإصلاح التي كان يقودها الملك عبدالله، تحولت اليوم إلى واقع يلمسه المواطن، في قطاعات تمس حياته بشكل مباشر مثل التعليم والقضاء والاقتصاد».

وعلق الحميد على هذه التغييرات في تصريح لـ«الجريدة»، بأن «عصب أي مجتمع يرتكز على القضاء والاقتصاد والتعليم، والتعديلات التي أجراها الملك تمت في هذه القطاعات، إلى جانب المؤسسة الدينية، ورأيناها في الهيئة العامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي استعان فيها برجال دين متفهمين، يحملون شهادات، ويفهمون لغة العصر، كما أن من استعان بهم الملك في التغييرات التي أجرها في المؤسسة الدينية، هم ممن عملوا على تطبيق مشاريعه، وعلى رأسها حوار الأديان». وأضاف أن «التغييرات فتحت آفاقا جديدة أمام شريحة واسعة من المجتمع للمشاركة، وعلى الأخص المرأة والشباب، إلى جانب اعتمادها على أشخاص بإمكانهم تطوير الأداء الحكومي».

وقال الحميد إن «المملكة دخلت مرحلة حضارية جديدة مست الاقتصاد والقضاء والتعليم، وضخت دماء جديدة في شرايين الدولة».